ترايسي شمعون ديبلوماسية… عملية و”مش هيّنة”: لست مرشحة تحدّ و”العهد القوي” كان استفزازياً
«جئت لأكرس نفسي لخدمتكم، خدمة لبنان، لأعلن لشعبي وممثليه وهم نواب الأمة، عن ترشحي للانتخابات الرئاسية اللبنانية» قالت السفيرة في مؤتمرها الصحافي في 29 آب مقدمةً رؤيتها الجديدة للجمهورية، في كتيّب. أنجزت إمتحان الدخول كما يجب وكما يليق بمرشح ينتمي إلى هذا العصر. وقد زارت شمعون الديمان ولقيت كل احتضان ودعم من البطريرك. وهذا لا يعني أن المرشحين الآخرين لا يحظون بدعم مماثل. وترشيح سعادة السفيرة جدي جداً وليس مجرّد تسجيل موقف «لا أعمل شيئاً إعتباطياً. كل عملي منظّم لو لم أعتقد بوجود حظ لي لما أقدمت على الترشّح».
السؤال الأول البديهي، والتقليدي ربما، كيف ومتى انطلقت شرارة الترشّح إلى الرئاسة؟
«من قلب بيروت المفجوعة والمُحطّمة جرّاء انفجار المرفأ الذي هزّ كيانها وأهلها وتاريخها وعمرانها الحديث والأثري ودمّر لياليها وسهرها في شوارعها المفعمة بصخب الحياة في الجمّيزة والرميل ومار مخايل والأشرفية، كأنها تعود إلى حرب الـ» 100 يوم» عام 1978 إذ أبى الرئيس كميل شمعون يومها إلا أن يكون في قلب المصير، وهو في الثامنة والسبعين من العمر. فهذه «الجينات» الشمعونية، حرّكت نوازع المواجهة والوقوف إلى جانب اللبنانيين لدى ترايسي شمعون، التي قرّرت في تلك اللحظة الترشّح إلى رئاسة الدولة وخوض مسار التغيير من قلب الجمهورية، بدل البقاء كسفيرة لبنان في الأردن.
هكذا قررت الإستقالة
في هذا الإطار، تتحدّث شمعون عن تجربتها مع زلزال 4 آب، الذي تعتبره «المثل الأكبر على فشل الدولة»، إذ «كنت أواكب مستشفى ميدانياً إلى لبنان، وفي أثناء العودة إلى الأردن على متن طائرة عسكرية، كانت معنا امرأة عَملتُ على نقلها، تصرخ ألما ووجعاً على حال لبنان، فشكّل أنينها قراري بخوض المعركة نحو بعبدا».
وتابعت: «على أثرها، قدّمت استقالتي من منصبي، كسفيرة للبنان في الأردن، وفق الأصول، وأتت الموافقة في 31 آب 2020، أي قبل سنتين وهي المهلة القانونية المحدّدة لموظفي الفئة الأولى في ترشّحهم للرئاسة». وكان توقيت القبول مجرّد صدفة.
وكانت شمعون قد عُينت من خارج الملاك كسفيرة لدى المملكة الأردنية الهاشمية في تموز 2017 وكان الوزير باسيل وزير الخارجية حينها، والمعروف أن العلاقة مع الأردن بلغت أوجها في عهد الرئيس شمعون وكانت هناك علاقة شخصية بين داني والملك حسين لتقارب السن وتطابق الهوايات.
شكّلت «انتفاضة 17 تشرين»، نقطة تحوّل في تموضع شمعون السياسي، وتقول: «حسّيت حالي بنتمي إليها، واكتشفت أني كنت بالخط الغلط». وفيما يُؤخذ عليها، أن لولا هذه التركيبة السياسية لما تمكّنت من الوصول إلى منصبها، وانها قد تخلّت عن العهد في أصعب الظروف واللحظات التي يحتاج فيها إلى دعمها نظراً للعلاقة التي تربطها برئيس الجمهورية ميشال عون، ترى شمعون أن قرارها نابع من قناعتها وضميرها، وأنها تخلّت عن منصبها ومركزها وراتبها لتكون إلى جانب الناس في أحلك أيامهم وظروف معيشتهم.
وتضيف شمعون: «عندما تنكّر الرئيس لمسؤوليته في انفجار بيروت وهو على رأس الدولة، وعدم أخذ المبادرة والتصرّف تجاه المواد الخطيرة (النيترات) حتى لو عَلمَ بها قبل أسبوعين، فكان الإنفصال عن الرئيس عون». وعن علاقتها بحزب «الوطنيين الأحرار»، أكدت شمعون انه بحسب ما قال لها ابن عمها كميل هو من داعميها للرئاسة عند تأمينها إجماعاً حول ترشيحها.
وتابعت: «أنا لم ارث شيئاً. وحياتي كانت مليئة بالصراعات والتحديات، وفي لبنان تواجه المرأة صعوبة في تعزيز دورها ومكانتها في الشأن العام، لذلك عملت جاهدة مع أصدقائي وفريقي المساعد لوضع خطّة انقاذية ومشروع متكامل يمكّنني من الترشّح إلى رئاسة الجمهورية».
العلاقة مع القوات
قبل إعلان ترشيحها، وبعيداً عن الإعلام، زارت ترايسي شمعون، رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وذلك بعد ثلاثين عاماً على لقاء أوّل، وبحثت معه شؤوناً سياسية ووطنية…ومسألة ترشيحها للرئاسة الأولى لم تغب عن اللقاء. فكيف تصف علاقتها بالقوات؟
«كانت صعبة. لكن أخدت القرار أن أزور «الحكيم» ونفتح صفحة جديدة. المصائب التي مرّت على البلد أكبر من مشاكل أي شخص. على كلّ منا اليوم أن يتحدى كل ما هو نفسي ويتخطى كل الحواجز ويمدّ يده للآخر للعمل معا».
وتصف جو اللقاء «بأننا دخلنا وتكلمنا بواقعية عن الأوضاع والسياسة».
واستطردت متوجهة إلى زميلتنا كلير شكر «شوفي جدي شو عمل بعد مجزرة الصفرا (1980). وضع مصلحة البلد والناس والمسيحيين قبل كل شيء. أنا بالنسبة لجدي هالقد (مشيرة بأصابعها الى حجم صغير). إذا عندي مجال في ظروف مشابهة أن أتحدى شعوري وأتطور إلى محل أفضل لا أتأخر».
وبسؤالها عن إمكانية تبني «القوات» ترشيحها أملت من الجميع «تبني ترشيحها». ولخّصت شمعون برنامجها الرئاسي، بعنوان أساسي ألا وهو «الإنقاذ»، وتغيير النمط السياسي والسلوكيات المعتمدة خلال السنوات الـ6 التي مرّت علينا. داعيةً المسؤولين والقوى السياسية الى التخلّي عن «أسلوب التحدّي والاستفزاز والعصبيات الطائفية والمذهبية، وابتعاد الرؤساء الثلاثة عن الصراعات والمناكفات في ما بينهم، ما يعرقل سير عمل الدولة وانتظامها».
إهمال وتقصير
ولفتت شمعون إلى أن «الإهمال هو سيّد الملفات في لبنان، فما من موضوع قد أنجز، كل المشاكل عالقة في بيروقراطية الدولة، ومن الأمثلة البارزة في هذا الإطار، مسألة ترسيم الحدود البرية، فالجيش اللبناني رسم كل الخرائط وثبّت المواقع والنقاط الحدودية ورفعها إلى الأمم المتحدة، فيما السلطة السياسية لم تعمل على متابعة القضية». وسألت شمعون «ماذا عن موضوع التدقيق الجنائي في مصرف لبنان والوزارات وين صار؟ هناك عمل كثير يُفترض ان يحصل. يجب توزيع المسؤوليات. ليس على المودعين تسديد فاتورة الإفلاس. أخّروا موضوع الكابيتال كونترول خشية من كشف امور ما. إذا هناك عهد جديد، سيكون فريق جديد ليدير الازمة ومعلوماتي ان هناك دولاً ستهبّ لمساعدتنا، لديّ هذا الاحساس. دفعنا ثمن عدم كفاءتنا في هذه المرحلة في تنفيذ أي إصلاح وعدم قدرتنا على اتخاذ القرار».
وفي مسألة سلاح «حزب الله» أكدت شمعون وجوب حصر السلاح بيد الجيش اللبناني الشرعي فقط، وان يكون قرار السلم والحرب في يد الدولة و»يجب أن تتخذه القيادة الشرعية دون سواها» كما ورد في كتيب «الرؤية».
• هل يستطيع رئيس الجمهورية وفق التركيبة السياسية والصلاحيات المناطة به أن يفكّك العقد ويحل المشاكل؟
قالت «ما تخافوا عليي، في نمر بالدقّ»، أستطيع التعامل مع الجميع بنديّة ودبلوماسية.
وحول إقناع النواب بانتخابها لرئاسة الجمهورية أكدت شمعون استعدادها «لفتح حوار مع الجميع ومن ضمنهم «حزب الله» طالما هو موجود ضمن التركيبة السياسية ولديه نوّاب في المجلس النيابي».
وعن فرص وصولها إلى قصر بعبدا، ورغم أنها ليست عضوا في اي تكتل نيابي أو حزبي، لفتت ترايسي شمعون الى «أن هناك رؤساء كميشال سليمان واميل لحود لم ينتخبا انطلاقاً من وجود تكتلات نيابية ينتميان اليها.
هناك فئة من الصعب وصولها إلى الرئاسة تضم مرشحي التحدي، وبينهم عداوات. بس ما حدا بيعرف شي. في الفئة الثانية حظوظي متساوية لحظوظ سواي».
بداية التغيير
وتضيف السيدة الديناميكية: «ليس لدينا متسع من الوقت، فالمشاكل داهمة، والضغوط الدولية كبيرة، لحصول انتخابات. الضغط سيكمل إلى الآخر»، مؤكدة «أن لا مساعدات للبنان قبل حصول تغيير شامل يبدأ برئاسة الجمهورية».
كيف قرأت كلام الرئيس عون أنه قد لا يغادر إن شعر بوجود مؤامرة. أهي مقدمة كي يبقى؟
«لا أعرف إذا بيفلّ أو بيبقى ( بعد انتهاء الولاية). أتمنى أن يحترم المهلة الدستورية».
وبلفتِ نظر شمعون إلى احتمال أن يصادف الرئيس المقبل نفس التعقيدات التي واجهها عون، هل يمكنها أن تغير في ما لو أصبحت رئيسة؟ أكدت ان «أسلوب العهد كان أسلوب تحدّ واستفزاز. هيدي قصة رئيس قوي بيقدر يفرض. لا أحد يمكنه أن يفرض شيئاً على اللبنانيين. أنا أنادي بالحوار، بالإحترام بالديبلوماسية بالهدوء بالتعاون بالتفاهم وبضرورة ان نسمع لبعضنا البعض».
«استقتال» على العمل
وتتابع مستطردة «عندما اصبحت سفيرة في الأردن، اهتممتُ بمعالجة مواضيع حساسة وباقتراح سياسات عامة كموضوع الفلسطينيين والنازحين فيما يكتفي السياسيون بانتقاد بعضهم البعض ووضع الحق على غيرهم. هذا عمل عقيم. أقول لجميع الناس: أنا يهمني أن أصل وأعمل. لا بل «مستقتلة» على العمل».
تعتبر شمعون أن «مركز رئيس الجمهورية وظيفة وكذلك رئيس الحكومة يفترض بهما أن يعملا معاً ويركزا على الحلول. لا أحد يركز على الحلول وإلّا لكانوا قدموها منذ سنتين بالقطاع المصرفي وبكل القطاعات المنهارة. نحن بهذه الأزمات لأن أحداً لا يريد اتخاذ قرار ولا أحد يريد مواجهة المشكلة ولا أحد يريد أن يعمل».
هل يمكن أن تذهب شمعون، كرئيسة للجمهورية، نحو الحلول الجذرية في حال طُرح مؤتمر تأسيسي؟
«نحن نواجه مشاكل كبيرة ولدينا أولويات. في الوقت الحاضر أنا ملزمة بالطائف وهذا لا يعني أننا غير منفتحين على نقاش وطني بناء».
ويبقى السؤال الأساس هل ستحصل إنتخابات بالمهلة الدستورية أو نحن متجهون إلى مرحلة ما قبل انتخاب العماد عون؟
«ما أعرفه واسمعه حكي عن فراغ. وفي الواقع الفراغ غير موجود في الدستور لأن من المفترض أن تؤمن الحكومة الإستمرارية، الى حين انتخاب رئيس للجمهورية. كم ستطول الفترة؟ الرئيس بري كما سمعناه يقول إنه سيدعو إلى جلسة انتخاب بشرط تأمين شيء من التوافق. طبعاً سنكون أمام صراعات وشد حبال، عسى أن تنتهي بإجماع أتمناه».
وعن إمكان التعطيل قالت «من المحتمل ان يلجأ الجميع إلى التعطيل لتفادي انتخاب رئيس لا يمثل طروحاتهم. إنه صراع وجودي ومصير لبنان بالدق. لبنان الغد سيشبه الرئيس الذي ننتخبه».