كان طبيعياً أن تتجه الأنظار الى ما حصل في العراق في الأيام القليلة الماضية. حجم المخاوف التي نتجت من مشهد الشارع العراقي، زاد القلق لدى القوى السياسية من احتمالات التفلّت في الساحة اللبنانية، تزامناً مع تزايد مؤشرات الانهيار الاجتماعي والاقتصادي. صحيح أن عوامل العراق الداخلية مختلفة جذرياً عن تفاصيل الأزمة اللبنانية، سياسياً وطائفياً واجتماعياً، وأن هناك جواً سياسياً يصرّ على عزل تطورات العراق وخلفياتها الإقليمية والدولية عن لبنان، وتأكيد أن لا علاقة لها بأيّ انفراج على خط الأزمة الحكومية، إلا أن توقيت الحركة الداخلية حول الحكومة، حمل غداة ما حصل في بغداد، إشارات حول الاحتمالات المفتوحة التي تثير مخاوف جدية من انهيار تصاعدي يحاول حزب الله تحديداً تفاديه.
كان متوقعاً أن يدفع حزب الله الى تشكيل الحكومة في الدقائق والساعات الأخيرة، كما حصل من توافق خارجي وداخلي لدى تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان. جرى التأكيد أكثر من مرة في الوسط السياسي المشارك في مشاورات التأليف أن تصعيد التيار الوطني الحر في وجه الثنائي الشيعي مرات عدة، يحمل ضمناً ثقته بأن الحزب سيفرج عن الحكومة عاجلاً أو آجلاً، وأن ميقاتي لن يبقى رئيساً لحكومة تصريف أعمال، ما أعطى التيار الوقت الكافي لشن حملات تصعيدية وزيادة شروطه على ميقاتي والثنائي معاً. لكن تطورات المنطقة والعراق قد تكون ساهمت في تسريع استيعاب الشروط والشروط المضادة.

حاول التيار توسيع بيكار حملته للضغط على الحزب انطلاقاً من أن حكومة تصريف الأعمال لن تغطّى مسيحياً، وأن الحزب سيكون واقعاً بين سندان ضغط التيار وابتزازه، وبين خشيته من تطور الانهيار الداخلي من دون أي مرجعية سياسية تعمل على تغطية أي قرارات داخلية لها علاقة بالأمن أو بالاقتصاد والمال.
المفارقة في ما يجري من مشاورات هي تضارب مصالح الأفرقاء المشاركين في الحوارات حول الهدف من تشكيل الحكومة في الوقت الضائع، ولمصلحة من تأليف حكومة جديدة، ولماذا سيعطي ميقاتي لباسيل في نهاية العهد ما رفض إعطاءه سابقاً؟ فميقاتي الذي يغطّي نفسه بصلاحيات رئيس الحكومة سنياً، مع مظلة دار الفتوى ورؤساء الحكومات السابقين، لن يحتاج الى ما يضعف موقفه سنياً أو سعودياً في إطلاق حكومة، للتيار فيها حصة وازنة. إضافة الى أن ميقاتي يفترض أن يكون مرتاحاً على الأقل الى نقطة أساسية، وهي أن موضوع صلاحيات الحكومة المستقيلة لم يُثِر اعتراض المكوّنات المسيحية المعارضة في شكل رفض كلي، حتى تكون ذريعة لتسريع مشاورات التأليف. فغالبية القوى المسيحية المعارضة لم تعترض على فكرة حكومة تصريف الأعمال وتولّيها مهام الفراغ إلا من باب إعطاء الأولوية لرئاسة الجمهورية. وحتى بكركي، من خلال تعبيرها عن عدم الثقة بحكومة تصريف الأعمال وأن الضرورات لا تبيح المحظورات، إنما كانت تعطي مبادئ عامة، معطيةً الأولوية لانتخاب رئيس للجمهورية من دون أي أعذار. ولم تنفع محاولة رمي كرة الاعتراض على حكومة تصريف أعمال عليها، أو على القوات التي تؤكد مرة تلو أخرى أنها لا تمانع في تولّي حكومة تصريف الأعمال مهامّ رئيس الجمهورية في حال الفراغ الدستوري. وهي، هنا، تتماشى مع الاجتهاد القائل بأن لا فراغ في الحكم.

لذا تتوقف القوات – كما غيرها من القوى المعارضة – عند مغزى تسريع مشاورات التأليف على قاعدة أن حزب الله قد يوافق على حكومة جديدة فيعطي لباسيل ما يريده حكومياً من دون أي التزام معه رئاسياً. وبذلك يكون قد تخلّص من ضغط حليفه في الشارع وفي استحداث اجتهادات وجدل دستوري عقيم، ومن التهويل ببقاء رئيس الجمهورية في قصر بعبدا، من دون أيّ تبعات مستقبلية.

فالذهاب نحو الفراغ الرئاسي سيحرّر الأطراف الداخليين من تبعات الشروط والحملات التصعيدية، وستكون المرحلة المقبلة مرحلة أولويات التفتيش عن رئيس ومواصفاته، فتتداخل فيها جميع العوامل الداخلية والخارجية. ولن يكون حينها لأيّ طرف داخلي وحده موقع المفاوض الأوحد، ما دام حزب الله لم يعط التزاماً لأيّ حليف أو مستقل. وبذلك يصبح تشكيل الحكومة أقلّ ضرراً من بقاء حكومة تصريف الأعمال، مع ما ستتركه من تبعات يستثمرها التيار في معركة شدّ العصب. وبذلك يكون الحزب قد أراح نفسه من أحد الأعباء الداخلية، فيما ميقاتي سيكون بالحدّ الأدنى أكثر ارتياحاً، لأن وزراء التيار ما قبل نهاية العهد هم حكماً غيرهم ما بعد نهايته. كذلك ستكون حال التيار. أما المعارضة فإنها بعد تخلّيها عن الحكومة وعن عدم منحها الثقة ستضع ثقلها من الآن وصاعداً لعزل كل الأسباب الموجبة لمنع التيار من استثمار وضعه الحكومي ومندرجاته في حكومة كاملة الصلاحيات في معركة رئاسة الجمهورية.