يبدو أن كوّة فتحت في جدار مفاوضات ترسيم الحدود.
المؤشر الأول اتصال الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين بالمسؤولين اللبنانيين وإبلاغهم نيته القدوم إلى بيروت في 31 تموز و 1 آب المقبلين للقاء الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش ووزيري الخارجية والطاقة، إضافة إلى اجتماع لم يعرف بعد ما إذا كان سيكون منفرداً مع نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب.
المؤشر الثاني جاء من تل أبيب عبر تسريبات، قد لا يمكن الركون إليها، تعطي إشارة إلى ما قد يحمله هوكشتين، علماً أن لبنان ينتظر من الوسيط الأميركي رداً واضحاً ومكتوباً حول طلباته. وصدر في ساعة متأخرة من مساء أمس كلام لافت في كيان الاحتلال تمثل في تسريبات إلى «القناة 12» العبرية التي كشفت أن «إسرائيل وجّهت مساء اليوم (أمس)، عبر الولايات المتحدة وفرنسا، تحذيراً شديد اللهجة إلى لبنان و(السيد حسن) نصرالله، خشية أن يحاول القيام باستفزازات حول منصات الغاز». وفي المقابل، بحسب القناة، «تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة للوصول إلى اتفاق بحلول أيلول المقبل»، أي موعد انتهاء المهلة التي منحتها المقاومة إلى من يعنيهم الأمر للتحرّك لتحصيل حقوق لبنان في ثروته، بدءاً من إثبات الملكية، وصولاً إلى بدء أعمال التنقيب والحفر، تمهيداً للاستخراج (…) أو «فإن أحداً لن يستخرج غازاً من المنطقة البحرية كلها»، كما هدّد الأمين العام لحزب الله.

وقال مصدر متابع في بيروت إن التقديرات الأولية تشير إلى أن الوسيط الأميركي «يعرف أن أي جواب سلبي ستكون له ارتدادات ليست في صالح العدو، وهو اطلع من جديد على مطالب لبنان الواضحة في عدة ملفات، تشمل بداية الإقرار بحقوق لبنان في المياه الإقليمية، وتثبيت هذه الحقوق بما لا يقبل أي تعديل أو تغيير، ثم الإعلان عن ضمانات بأن تباشر الشركات العالمية المعنية، بمعزل عن جنسيتها، أعمال التنقيب والتحضير لعمليات الاستخراج فوراً، والإسراع في إزالة العقبات السياسية أمام صفقات توريد الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان». وتوقع المصدر أن يعمل الأميركيون على صيغة قد لا تحسم الأمور كلها بطريقة تظهر إسرائيل في موقع المتراجع أو المهزوم تحت ضغط تهديدات حزب الله.
ويبدو أن الإسرائيليين يريدون من لبنان، عبر الأميركيين، أن تتعهد الحكومة اللبنانية بمنع حزب الله من القيام بأي أعمال استفزازية أو عمليات عسكرية فوق حقول الغاز على طول الساحل الفلسطيني. وهو أمر «غير ممكن، وكلام المقاومة كان واضحاً في أن مجرد إعلان لبنان عن تلقيه ضمانات عملية موثوقة بالحصول على كامل حقوقه ومباشرة الشركات في العمل، فإنها لن تقدم على مهاجمة المنصات الإسرائيلية، وفي حال حصول أي مناورة لن تتردد في توجيه ضربة مباشرة، وهو كلام كان شديد الوضوح من قبل السيد نصرالله نفسه».
وبحسب المصادر، فإن الحذر اللبناني مردّه «عودة البعض إلى الحديث عن البلوك رقم 8». وفي المعلومات أن طرحاً يُناقش بعيداً من الإعلام فحواه التحايل على الملف من خلال إقرار الأميركيين بكامل حقوق لبنان في حقل قانا، لكن من دون أن يكون ذلك مرتبطاً بترسيم واضح، أي أن لبنان أمام احتمال مناورة جديدة تحت عنوان «خط هوكشتين» الذي قدم في شباط الماضي خطياً وفضّل لبنان عدم الإجابة عليه. الاقتراح يقتطع جيباً من حقل قانا المحتمل (جنوبه) بالإضافة إلى أجزاء من البلوك رقم 8 تقع إلى الجنوب منه. والحديث الحالي يتمحور حول القبول بترك تلك الأجزاء مقابل منح لبنان كامل حقل قانا، بمعنى إدخال تعديل على طبيعة الطرح الأميركي.

الذريعة المُستند إليها غير علمية، وتدّعي خلو الأجزاء المُطالب بها من جانب هوكشتين من أي مكامن غاز ونفط محتملة، ويسعى الإسرائيلي للحصول عليها لإدخالها في مشروع مد أنابيب الغاز.
يشار هنا إلى وجود دراسات لدى هيئة قطاع البترول، تؤكد وجود مكامن في البلوك رقم 8 طبقاً لدراسات زلزالية أجراها العدو سابقاً وتمكن خبراء من الوصول إليها عن طريق شركات. كذلك، صرّح خبراء نفط لـ«الأخبار» بأن حقول الغاز عادة متداخلة في ما بينها وهي أقرب ما تكون إلى «مغاور» متشابكة تحت المياه. وأن إصرار العدو على قضم جزء من البلوك رقم 8 يأتي، في تقدير الخبراء، لرغبته بإلزام مبدأ التشارك مع الدولة اللبنانية في البلوك 8 في حال تخلى عن حيازته لجيب من قانا.
وفي تقدير خبراء أن ثمة أسباباً تقنية لا تخدم فرضية جرّ الأنابيب من الحقول الإسرائيلية صوب البلوك رقم 8، بحيث أنها تنعطف نزولاً. وهذه الانعطافة لا جدوى منها وإنما تتسبب بارتفاع الكلفة بالإضافة إلى أنها خاطئة من الناحيتين التقنية والهندسية. بالتالي، يصبح التذرع بمسألة الحاجة لاستخدام تلك الأجزاء لمرور الأنابيب ستاراً يخفي الوجهة الحقيقية لاستخدامها (فرض التشارك مع لبنان).

الاستنفار الإسرائيلي
وسط هذه التطورات، لا يحتاج الأمر إلى كثير من التدقيق لاكتشاف أن العدو الإسرائيلي، على المستويين السياسي والأمني، يتعامل بكثير من الحذر مع التهديدات المتكرّرة للسيد نصرالله. وينسحب هذا الحذر على تداول وسائل الإعلام الإسرائيلية التطوّرات والمستجدّات في القضية، ويظهر هذا من خلال التفاعل المحدود والمتأخّر مع التهديدات التي أطلقها نصرالله أول من أمس. إذ من المعلوم أن التداول بقضايا حسّاسة من هذا النوع يخضع لمعايير شديدة ودقيقة تفرضها «الرقابة العسكرية» على وسائل الإعلام، وإذا ما تقرّر الخوض في القضية، فثمّة خطوط عامة تحدّدها الرقابة، ومعلومات تتعمّد تسريبها المؤسّسة الأمنية إلى وسائل الإعلام، بشكل يخدم المصلحة الإسرائيلية. ويوم أمس، وفي ساعات بعد الظهر، بدأت تظهر التعليقات الصحافية على تهديدات نصرالله. وفي حين بدأت التعليقات بضرورة أخذ تهديدات حزب الله بـ«جدّية»، لأن «تصريحات نصرالله تدلّ على أن أيلول سيكون متوتّراً للغاية»، إلا أن «هذا لا يعني أننا في طريقنا إلى الحرب مع حزب الله»، لكن «بالتأكيد يهدف نصرالله إلى التصعيد».
وعلى صعيد متصل، كشف موقع «واللا» العبري، أمس، أنّ «سلاح البحرية الإسرائيلي أجرى تدريبات مكثّفة في الأشهر الماضية حول كيفية التعامل مع التهديدات الصاروخية المحتملة من قبل حزب الله»، مشيراً إلى أنّ «الإعلان عن تلك التدريبات (…) يأتي على خلفية تهديدات نصرالله». وأشار الموقع إلى أن «التدريبات حاكت تعرّض مختلف الوحدات لهجمات صواريخ الكروز والصواريخ الدقيقة وبعيدة المدى». وأكّد «واللا» أن «سلاح البحرية الإسرائيلية رفع حالة التأهب القصوى في البحر المتوسط، وتحديداً قبالة منصّة الغاز الطبيعي كاريش (…) وتم تركيب أجهزة استشعار متقدّمة للإنذار المبكر لتعزيز الطبقات الواقية». وقرّر الجيش الإسرائيلي «تشكيل هيئة قيادة عليا مكوّنة من ممثلين عن أجهزة الاستخبارات وسلاح البحرية ووزارة الدفاع وقسم العمليات وسلاح الجو للتعامل مع التهديدات». كما تقرّر «إجراء تمرين كبير الشهر المقبل من شأنه محاكاة السيناريوهات المتطرفة في الساحة البحرية»، وأفاد مسؤولون أمنيّون بأن «اللواء أهارون حاليفا، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، خصّص السلطة الكاملة والموارد المخصّصة للتهديدات في المجال البحري وحماية المياه الاقتصادية الإسرائيلية».

من جهة أخرى، أشار الكاتب الإسرائيلي يوسي يهوشع، في تقرير نشرته «يديعوت أحرونوت» أمس، إلى أن «الآراء منقسمة في الجيش الإسرائيلي: في حين أن هناك من يقترح التباطؤ، هناك المزيد من الأصوات التي تزعم أن تصعيد حزب الله يتطلّب عملاً انتقامياً». وتحدّث يهوشع عن «مناقشات حسّاسة في الموضوع في الأيام القليلة الماضية (…) جرت بمشاركة رئيس الوزراء يائير لابيد ووزير الدفاع بيني غانتس ورئيس الأركان أفيف كوخافي وآخرين، حول خيارات سلوك الحزب المتوقّع، والرد الإسرائيلي المحتمل». واستعرض ما اعتبرها «خيارات حزب الله»، وهي برأيه «مهاجمة المنصّة بطائرات من دون طيار، أو استخدام غوّاصين، أو على الأرجح، كما يقدّر الجيش الإسرائيلي، إطلاق مسيّرات لجمع المعلومات من دون المخاطرة بالمسّ بالمدنيين».
وفي المقابل، فإن «المعضلة»، بحسب تعبير يهوشع، تكمن في «الوجهة التي سيتمّ اختيارها كي لا يضطّر الطرفان للانجرار إلى أيام قتالية وإلى التدهور»، واستعرض الخيارات المحتملة أيضاً، و«أوّلها قصف أهداف للحزب في سوريا، وثانيها مهاجمة مواقع بنية تحتية بعيدة للحزب في قلب لبنان مثل مستودعات الصواريخ غير الدقيقة، وثالثها ضرب أهداف أخرى للحزب يُفضَّل أن تكون فارغة على الحدود الشمالية».