الطوائف والمشهد الإنتخابي… الكلّ مأزوم و”كلّن يعني كلّن”
تبقى الطائفية سمة النظام اللبناني، إذ إن هذا البلد مركّب وفق توافق طائفي يهتزّ عند كل مفترق كبير.
لا شكّ أنّ دستور لبنان من بين الأفضل في الشرق الأوسط، لكن التطبيق يجعل من النظام اللبناني الأسوأ، وهذا الأمر يؤدّي إلى تفجير الأزمات المتلاحقة من دون إيجاد صيغة للحل.
ومع اقتراب موعد الإنتخابات النيابية، تستعمل القوى والتيارات والأحزاب والشخصيات عنوان «الدفاع عن الطائفة» في معرض التجييش غير المسبوق لكسب أكبر عدد من المقاعد النيابية، في حين تغيب البرامج الكبرى أو التطويرية عن غالبية القوى الموجودة.
وفي السياق، فإن الطوائف تخوض انتخابات 2022 وسط أزمة غير مسبوقة في تاريخ لبنان تصل إلى درجة تهديد كيانه، وتُجمع الآراء على أن من يقول إن طائفته ليست في أزمة فهو مخطئ.
قسّم نظام «الطائف» المقاعد النيابية مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وقد توزعت المقاعد المسيحية الـ64 وفق الآتي: 34 للموارنة، 14 للروم الأرثوذكس، 8 للروم الكاثوليك، 6 للأرمن، مقعد لكل من الإنجيليين والأقلّيات. أما عند المسلمين فقسّمت كالآتي: 27 مقعداً للسنّة، 27 مقعداً للشيعة، 8 للدروز، و2 للعلويين.
وفي قراءة لتفاصيل المشهد الإنتخابي الطائفي، فإنه في الشكل تبدو الأزمة أعمق عند السنّة بسبب قرار الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل» الإعتكاف عن خوض الإنتخابات، لكن في العمق فإن الجميع مأزوم.
وإذا نظرنا إلى وضع الساحة السنّية، فإن هناك إرباكاً وعدم تظهير للصورة، وقد تساعد الإنتخابات على ذلك، خصوصاً أن الرئيس فؤاد السنيورة دعا إلى المشاركة الكثيفة وعدم المقاطعة وقد يترشّح شخصياً.
وبالنسبة إلى الرئيس نجيب ميقاتي فإنه عازم على خوض معركة طرابلس حتى لو لم يترشّح شخصياً، في حين أن هناك شخصيات سنّية كثيرة مثل اللواء أشرف ريفي والدكتور عبد الرحمن البزري والنائب أسامة سعد وشخصيات مناطقية قد تخوض المعركة إما دعماً أو ترشيحاً.
ومن جهة أخرى، تبقى الأنظار شاخصة إلى رجل الأعمال بهاء الحريري وحركة «سوا للبنان» ومدى قدرتها على وراثة إرث رفيق الحريري، خصوصاً وأن بهاء أطلّ من طرابلس معلناً التمسّك بالمواقف السيادية ومحاربة الفساد، ما قد يشكّل علامة فارقة داخل الحياة السنّية والوطنية، ويكون الرجل الأول المؤهّل لقيادة الساحة، وذلك لتبنّيه مطالب الثورة والمطالب السيادية على حدّ سواء.
وتبدو الأزمة عند رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط والطائفة الدرزية وجودية أكثر مما هي سياسية، فجنبلاط يبحث عن مظلات داخلية وخارجية ليحتمي بها، وشكّل فقدان المرجعية السنّية خطراً على قدرته على تسمية المقعد الدرزي في بيروت، علماً أن الصوت الدرزي في بيروت الأولى يذوب بالأكثريات، كذلك فإن مقعد حاصبيا الدرزي مهدّد، ووضعيّته ستهتز في الجبل إذا لم يأخذ دعم سنّة إقليم الخروب، وبالتالي فإن الهجمة الشرسة عليه قد تخسّره وعندها تفقد الساحة الدرزية مرجعيّتها.
ومن ناحية أخرى، الوضع المسيحي أكثر من مهتز، والمشكلة هنا سياسية بشكل كبير، فـ»حزب الله» إستفاد من الغطاء المسيحي لتأمين سيطرته على البرلمان والدولة، لذلك فإن المسيحيين أمام معركة كبرى عمادها عدم استغلال أصواتهم لتجييرها لمشروع «الدويلة». أما الأمر الثاني مسيحياً فهو اقتناع الناخب بمواجهة مشروع «التيار الوطني الحرّ» – «حزب الله»، لكن من دون معرفة الجهة التي يجب أن تصبّ عليها الأصوات، مع تسجيل تقدّم لـ»القوات اللبنانية» في حصد الرأي العام المسيحي نتيجة مواقفها المواجهة لـ «الحزب» وأدائها في الدولة أثناء تولّيها الوزارات.
ومخطئ من يظن أن الطائفة الشيعية ليست في أزمة، فهي مطوّقة عربياً وغربياً نتيجة سيطرة «حزب الله» وسلوكه، وبالتالي فإن هذا الأمر سينعكس على بيئة «الحزب» التي تعاني مثل كل البيئات، لكن المشكلة في عدم وضوح الرؤية في المواجهة، ما يجعل هذه الطائفة أسيرة مرة أخرى في يد «حزب الله».