تحقيقات - ملفات

مفاوضات فيينا:تصدعات الثقة ومقدمات الاتفاق

حسن فحص|المدن

قد لا يكون مفاجئاً أن ينتقل وفد رفيع المستوى برئاسة مسؤول القسم الاستراتيجي في وزارة الخارجية الاسرائيلية يوش زرقا من تل أبيب الى العاصمة النمساوية فيينا لعقد لقاءات ومباحثات مع مندوبي الدول المشاركة في المفاوضات النووية ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي. فالقيادة الاسرائيلية تريد ان تقف على اخر مستجدات المفاوضات وحجم المكاسب التي ستحققها ايران نتيجة هذه الدورة من التفاوض التي ستدفعها للتوقيع على الاتفاق الجديد.

التزامن بين زيارة الوفد الاسرائيلي مع زيارة رئيسة الكونغرس الامريكي نانسي بلوسي الى تل ابيب، وبعد الجولة التي قام بها مبعوث البيت الابيض للازمة الايرانية روبرت مالي على تل ابيب والعواصم الخليجية، يعزز الاعتقاد بان اسرائيل تنظر بعين الريبة لما يجري خلف كواليس فيينا، وان المنحى الذي تسير فيه عملية التفاوض يشير الى وجود صفقة كبيرة قد تجعل من ايران الكاسب الاكبر على حساب المخاوف الاسرائيلية والدول الاقليمية.

هذا الحراك الاسرائيلي، وفي هذا التوقيت الذي ارتفعت فيه وتيرة الحديث عن اقتراب موعد التوقيع  على اتفاق مع ايران بضع حداً لازمة ملفها النووي، قد يشكل مؤشرا على وجود ازمة ثقة بين تل أبيب وواشنطن، والاتهام المبطن لواشنطن من قبل القيادة الاسرائيلية بانها قدمت مصالحها مع ايران على مصالح اسرائيل وأمنها في المنطقة. الامر الذي يرفع مخاطر مواجهة موجة من الضغوط والقبول بحقائق في المنطقة تتعلق بتكريس الوجود والنفوذ الايراني في المنطقة، وتأجيل العمل على ايجاد حلول لأزمة حلفاء طهران وأذرعها والتي تشكل تهديدا مباشرا لأمنها واستقرارها، ما يجعلها وحيدة في مواجهة هذا التحدي والخطر. وهذا ما يفسر الى حد ما اللقاء الخاص الذي عقده الوفد الاسرائيلي مع المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف، ويفسر الابعاد التصعيدية التي جاءت في الخطاب الاخير لامين عام حزب الله اللبناني السيد حسن نصرالله وحديثه عن تجاوز الحزب مرحلة نقل الصواريخ الدقيقة الى تصنيعها الى جانب تصنيع الطائرات المسيّرة. ويفسر ايضا ارتفاع وتيرة الغارات الاسرائيلية على مواقع داخل الاراضي السورية يُعتقد ان الحزب يستخدمها، بعد ان حرصت تل ابيب في السنة الاخيرة على الاقل على تجنب الاقتراب من مواقع الحزب بعد التصعيد الذي شهدته الحدود الجنوبية السورية بعد مقتل عنصرين من الحزب في واحدة من هذه الغارات.

في مقابل هذا الحراك وما يكشفه عن وجود تطورات حقيقية تجعل من الحديث عن توقيت التوقيع اقرب الى الحقيقة، يبدو ان الادارة السياسية لكلا الطرفين، الايراني والامريكي، قد حسمت لصالح التوصل الى اتفاق جديد، وهذا النص الجديد للاتفاق يبتعد كثيرا عما نشرته وكالة انباء رويترز عن تفاصيله. فالتسريب الايراني يتركز حول آلية الضمانات وتعزيز الثقة بين الطرفين حول تطبيق الاتفاق. والالية الجديدة تختلف عما تم اعتماده في اتفاق 2015، الذي التزامت فيه ايران بتنفيذ ما تعهدت به وتعليق انشطتها النووية وتفكيك اجهزة الطرد المركزي وتعطيل مفاعل اراك للماء الثقيل والتخلص من مخزونها من اليورانيوم المخصب والاحتفاظ فقط بالكمية التي حددها الاتفاق، في حين ان واشنطن تملصت في المقابل من تطبيق ما تعهدت به بالكامل، ولم يتم تفكيك منظومة العقوبات المالية والاقتصادية التي كانت مفروضة عليها، ما جعل الاتفاق الذي من المفترض ان يكون كلا الطرفين رابحاً منه، انقلب الى اتفاق رابح وخاسر، حسب التفسير الايراني للاحداث التي حصلت الى ما قبل قرار الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2018 بالانسحاب من الاتفاق واعادة تفعيل العقوبات رسميا خلافا لقرار مجلس الامن الدولي الراعي للاتفاق رقم 2231.

وتشكل مسألة حصول ايران على الامتيازات التي سيقدمها الاتفاق، وفي مقدمتها المصالح الاقتصادية وتحويل العائدات المالية لتجارتها في مختلف القطاعات، خاصة قطاع الطاقة في النفط والغاز، اهم الاهداف التي تسعى لها اولا للخروج من ازمتها الاقتصادية والمعيشية الخانقة، وثانيا للعودة الى تفعيل التنمية على مختلف الصعد بعد تأثرها الحاد بالعقوبات. لذلك فان تركيزها ينصب على الآليات التي تضمن لها التخلص من هذه العقوبات. ورفض التمييز الذي لجأت اليه الادارة الامريكية في تقسيم العقوبات بين نووية واخرى تتعلق بحقوق الانسان ودعم الارهاب، لاعتقادها بان جميع العقوبات التي فرضها ترمب جاءت على خلفية الضغوط التي مارسها في الملف النووي، وبالتالي فان على جميع الاطراف التعامل معها كسلة واحدة والغائها جميعا.

ويبدو ان المفاوض الايراني لا يتوقف عند ازمة العقوبات المفروضة على بعض القيادات، وتحديدا المرشد الاعلى ورئيس الجمهورية، لان الجانب الامريكي يدرك بان الجهة التي من المفترض ان تعطي القرار النهائي في التوقيع على الاتفاق لا يمكن ان تكون خاضعة للعقوبات، وبالتالي فان الغاءها تم التوافق عليه ضمنا بين الطرفين بعيدا عن الجدل العلني.

في هذا السياق، فقد سربت مصادر ايرانية جزءاً من الاليات التي تم التفاوض حولها، والتي تركز على بدء واشنطن بالخطوة الاولى، بالغاء جميع العقوبات اولا، وبعد التأكد من التزامها بتنفيذ هذه الخطوة في اطار اختبار حسن النوايا، تقوم ايران ثانيا بالعودة الى تفعيل جميع التزاماتها في اتفاق عام 2015 كاملة ودفعة واحدة. اي ان الغاء العقوبات لا يمكن ان يبقى على الورق، بل يجب ان تلمس ايران آثارها الاقتصادية.

واقترحت ايران على الترويكا الاوروبية وواشنطن ان تمتد الفترة الاختبارية من بضعة اسابيع الى ستة اشهر، موزعة على مرحلتين، الاولى وتمتد من اسبوعين الى شهرين، تكون بمثابة مرحلة استعداد، تحدد فيها جميع الخطوات المطلوبة من كل طرف،  تقوم فيها واشنطن باعداد جميع الاجراءات الادارية واللوجستية (المتعلقة بنقل الاموال الى ايران) والاتفاقيات الملحقة، في المقابل توقف ايران جميع انشطتها النووية بشكل كامل. وفي المرحلة الثانية تبدأ بعد تحديد الموعد النهائي لها، تقوم واشنطن باصدار القرار النهائي بالغاء العقوبات، تقوم ايران بعدها بالعودة التامة والكاملة الى تنفيذ تعهداتها في اتفاق 2015 بعد ان تكون قد قامت بالاجراءات العملية لتنفيذها بسرعة.

فهل سيخرج المفاوضون في فيينا بالايام المقبلة للاعلان عن الاتفاق الذي يبدأ بخطوة اولى من واشنطن؟ وما يعنيه ذلك من فرض واقع جديد في الاقليم نتيجة هذا التفاهم الامريكي الايراني!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى