الضفّة تُجدّد الاشتباك: هدم المنازل ليس نزهة
كما كان متوقّعاً، تحوّلت عملية هدم منزل الأسير محمود جرادات، المتّهم بالمشاركة في عملية «حومش»، إلى معركة بين الشبان الفلسطينيين وقوات العدو الإسرائيلي، امتدّت شراراتها إلى غيْر منطقة من الضفة الغربية المحتلة، التي لا تزال تغلي بالغضب على اغتيال ثلاثة من عناصر «كتائب شهداء الأقصى» في نابلس. وفيما تواصلت عمليات إطلاق النار على حواجز الاحتلال وبؤره الاستيطانية في جنين ونابلس خصوصاً، يستعدّ الفلسطينيون لجولات مواجهة جديدة مع العدو، الذي يعتزم هدم ثلاثة بيوت أخرى عائدة إلى منفّذي هجوم «حومش»
وكان عشرات الشبّان والمسلّحين رابطوا في محيط المنازل المهدَّدة بالهدم والتفجير في السيلة الحارثية على مدار أيام، لكنّ تحوُّل الأنظار نحو أحداث حيّ الشيخ جراح في القدس المحتلّة، وعدم وجود توقيت معين للهدم، يبدو أنهما أرغما الشبّان على خفض وتيرة وجودهم في المكان، ليبدأ العدو مساء الأحد حملة واسعة انتهت بهدم المنزل. واقتحمت قوات خاصّة إسرائيلية، بمركبات مدنية فلسطينية، ابتداءً، البلدة، واعتلى قنّاصة جيش الاحتلال أسطح عدد من البيوت، ثمّ دُفع بأكثر من 80 آلية عسكرية إلى قلب السيلة، وفُرضت عدّة أطواق عسكرية وإغلاقات، شملت مداخل البلدة، والحيّ الذي يقوم فيه منزل جرادات. على أن «جنين الثائرة» سرعان ما امتصّت صدمة الاقتحام المفاجئ. وعلى رغم الحصار الإسرائيلي، إلّا أن عشرات الشبان نجحوا في الوصول إلى السيلة عبر طرق فرعية، لتندلع المواجهات بين الشبّان وجيش العدو. وبحسب مصادر فلسطينية، فإن قوات الاحتلال تعرّضت لإطلاق النار سبع مرّات على الأقلّ خلال عملية تفجير المنزل، إضافة إلى استخدام الشبان العبوات المتفجّرة المصنَّعة محلياً «أكواع»، والزجاجات الحارقة والحجارة. وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، بدورها، استشهاد الفتى محمد أكرم أبو صلاح (17 سنة) من بلدة اليامون المجاورة، حيث ارتقى برصاص جندي إسرائيلي بعد وصوله إلى السيلة للمشاركة في المواجهات الدائرة فيها.
وبعد نحو ثماني ساعات من الكرّ والفرّ، تمكّن جيش العدو من تفجير منزل الأسير «أبو ساجد»، علماً أنه كان أخطر بهدم ثلاثة منازل أخرى تعود إلى منفّذي عملية «حومش»، وهم الشقيقان الأسيران غيث وعمر جرادات، وخالهما الأسير محمد يوسف جرادات. وقدّمت سلطات الاحتلال لائحة اتّهام بحقّ هؤلاء ومعهم محمود، إضافة إلى والدة الشقيقَين؛ إذ اتّهمت محمود ومحمد بتنفيذ العملية والاشتراك في القتل المباشر للمستوطن، والشقيقَين عمر وغيث بالمشاركة في تنفيذها، وأمّهما بالتستّر عليهما. كما ورد في لائحة الاتهام أن المقاومين خطّطوا لتنفيذ الهجوم، فيما أراد اثنان منهم خطف جثّة المستوطن القتيل وإخفاءها، لكنّهما لم ينجحا في ذلك. وتعليقاً على أحداث الأمس، أبدى المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، يانيف كوبوفيتش، استغرابه الشديد من تنفيذ عملية عسكرية لتفجير المنزل «في ظلّ تحذيرات المؤسّسة الأمنية من التصعيد في الضفة الغربية عقب أحداث الشيخ جراح»، قائلاً: «أموت لأعلم من العبقري الذي قرّر إرسال الجنود إلى السيلة الحارثية، ولم يكن بمقدوره الانتظار لبضعة أيام»، فيما أعلنت وسائل إعلام عبرية إلغاء اقتحام المستوطنين لقبر يوسف في نابلس، والذي كان مقرَّراً يوم الثلاثاء، بسبب تصاعد الوضع الميداني.
على أن نُذر التصعيد لا تزال تلوح في الأفق، بعدما لم تقتصر معركة هدم المنزل على بلدة السيلة نفسها، بل امتدّ الاشتباك إلى مناطق أخرى، حيث أطلق مقاومون النار تجاه حاجز الجلمة العسكري شمال جنين، والبؤرة الاستيطانية في بلدة بيتا جنوب نابلس، وخلال اقتحام إسرائيلي لمخيم بلاطة شرق نابلس. ومنذ بداية العملية العسكرية في السيلة وحتى انتهائها، سَجّلت الضفة الغربية 13 مواجهة، نصفها على الأقلّ خارج محافظة جنين. ولم تُعرف بعد دوافع قصْر العملية على هدْم منزل واحد في السيلة، وبقاء عدّة منازل أخرى تنتظر المصير نفسه، لكن المعطيات تشي بأن التقديرات الإسرائيلية أخطأت عندما قرّر أصحابها هدم أوّل منزل بشكل فردي، إذ من المرجّح أن تشهد عملية أو عمليات الهدم اللاحقة اشتباكات واسعة، وربّما أشدّ من التي شهدتها السيلة الحارثية خلال اليومين الماضيين.
من هو محمود جرادات؟
ولد الأسير محمود جرادات، «أبو ساجد»، عام 1981 في بلدة السيلة الحارثية، التي تُعدّ تاريخياً معقلاً رئيساً لحركة «الجهاد الإسلامي» وجناحها العسكري «سرايا القدس». وبعد معركة مخيم جنين عام 2002، جهّزت السرايا الأسير محمود كاستشهادي بحزام ناسف لتنفيذ عملية ضدّ الاحتلال، لكن مصادر في «الجهاد» تقول، لـ»الأخبار»، إن خللاً ما أصاب الحزام الناسف، ولم ينفجر مع الاستشهادي، فعاد الأخير أدراجه، واعتُقل لنحو خمس سنوات على خلفية محاولته تنفيذ تلك العملية، ثمّ عاد إلى صفوف «سرايا القدس» بعد أسره، وشارك في عدّة اشتباكات مسلحة، ونجا من معركة ارتقى فيها الشهيدان صلاح صوافطة وحسام العيسة، وظلّ مطارَداً يبحث عنه «الشاباك» حتى اعتقاله داخل بلدته عام 2007، حيث حُكم بالسجن لعدّة سنوات. لدى الأسير محمود جرادات عائلة من أربعة أبناء، هم: «ساجد، نصر الله، علي، ميار». وهو عمل في فترة من حياته داخل الأراضي المحتلّة عام 48، ليعود ويفاجئ الجميع بالمشاركة في تنفيذ عملية «حومش» بعد سنوات من الهدوء في حياته.
ويرى مراقبون أن «سرايا القدس» صعّدت أخيراً من عملياتها، وكثّفت نشاطها في شمال الضفة الغربية، لتصل إلى مناطق خارج «الدائرة الساخنة» ولا تتركّز الأحداث فيها، مثل قرية كفر قود التي اعتَقل جيش العدو منها المطارَد سائد أبو عبيد، واستولى على قطعة سلاح بحوزته. ولعلّ ما يعزز هذا الاعتقاد، هو حرص أمين عام «الجهاد»، زياد النخالة، على تعزيز العلاقة بين جنين وغزة وبقيّة الأراضي الفلسطينية، وتكرار رسائله إلى جنين ومقاوميها، وأخيراً إلى عائلات منفّذي عملية «حومش».