تحقيقات - ملفات

«الوراثة السياسية» تستفحل وتطاول «قوى تغييرية»

 

استفز خروج رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» سامي الجميل، وهو نجل رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل، لإعلان دعم ترشيح المحامي مجد حرب، نجل الوزير السابق بطرس حرب في الانتخابات النيابية المقبلة، كثيرين، خصوصاً أخصام الطرفين، الذين سارعوا إلى التصويب على ظاهرة «الوراثة السياسية» لدى أحزاب وشخصيات تصور نفسها تغييرية، سعياً إلى تسجيل أهداف في مرماها على عتبة الاستحقاق النيابي.

يبدو واضحاً أن هذه الظاهرة تتفاقم في الحياة السياسية اللبنانية، كما يظهر في نظرة على مشهد الترشيحات الانتخابية المرتقبة، علماً بأن لائحة «التوريث السياسي» تطول وهي شهدت زيادات لافتة في الأعوام القليلة الماضية.

كان رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، تنازل عن ترشحه للنيابة لصالح نجله تيمور، تمهيداً لتوريثه زعامة الطائفة الدرزية بعد أن ورثها عن والده كمال جنبلاط. كما تولى رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، زعامة الطائفة السنية التي ورثها عن والده الرئيس رفيق الحريري بعد استشهاد الأخير في عام 2005، كذلك انتقلت رئاسة حزب «الكتائب» من رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل لنجله النائب سامي الجميل، بعد أن ورثها الجميل الأب عن والده بيار الجميل وشقيقه الرئيس الراحل بشير الجميل، تماماً كما ورث النائب جبران باسيل رئاسة «التيار الوطني الحر» عن عمه (والد زوجته) رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. أما النائب ميشال معوض، فورث الموقع السياسي عن والده الرئيس الراحل رينيه معوض ووالدته نايلة معوض. وهذه الحال تنسحب على عائلات لبنانية متعددة، مثل: كرامي، أرسلان، سعد، البزري، سكاف، المرعبي كبارة، البعريني، سعادة، حبيش، فتفت، المر وغيرها من العائلات التي سترشح أبناءها للانتخابات.

سمعان البشواتي، الخبير في مجال التنمية المحلية والحوكمة والمحاضر في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، عضو ائتلاف «شمالنا» المعارض، يعتبر أن التوريث السياسي في كافة المجتمعات «ليس بالأمر الطبيعي. فإدارة الشأن العام ليست حكراً على أفراد، ولا يمكن التعاطي مع مؤسسات الدولة ومرافقها والمصلحة العامة كممتلكات فردية يتم توريثها والتحكم بمفاصلها»، لافتاً إلى أن «هذا التعاطي يعبر عن ذهنية إقطاعية تصنف المواطنين في خانة المتلقي المسلوب القرار والمرتهن الرأي والعاجز. كما تعبر هذه الممارسات عن إقصاء المواطن عن المشاركة في صناعة القرار وعن انتزاع حقه بالطموح السياسي، وهو نهج يعزز ثقافة الاستهلاك والتبعية والتعمية، وبالتالي هو نهج يقضي على فرص التغيير والتجدد والمحاسبة والمساءلة».

ويرى البشواتي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «انسحاب هذا النهج على مجموعات وأحزاب تدعي أنها تغييرية، إنما يدل على عدم انسجام مخيف بين الخطاب والممارسة. وهو بالتالي يضع مواقف هذه المجموعات والأحزاب أمام أزمة ثقة ومصداقية. من دون أن ينفي هذا طموح الأفراد من العائلات السياسية بلعب دور فاعل في الشأن العام، على أن يكون ذلك نتيجة خبرة ومعرفة وعمل ميداني يبرز الكفاءة وليس كتكليف شرعي حتمي».

وترد مصادر حزب «الكتائب» على كل الانتقادات بحق الحزب ورئيسه لجهة أنه يصور نفسه حزباً تغييرياً فيما يعتمد مبدأ التوريث السياسي، بالقول: «في الانتخابات لا توريث، والناس تصوت وتحسم خيارها وقرارها، تماماً كما يحصل برئاسة الحزب، إذ مر ٧ رؤساء على (الكتائب) بينهم المؤسس بيار الجميل، والرئيس السابق أمين الجميل. أما سامي الجميل فبدأ نضاله السياسي من صفوف الطلاب منذ عام 1998، وترشح على رئاسة الحزب وكان هناك مرشح آخر بوجهه نال 15 في المائة من الأصوات. وبالتالي، كما في النيابة الناس تمنح الثقة، كذلك برئاسة الحزب، و(الكتائبيون) منحوا ثقتهم لسامي الذي هو عرضة للمساءلة والمحاسبة، علماً بأننا نطمح، وهذا ما سيحصل في السنوات المقبلة، للتغيير برئاسة الحزب، لأننا غير مرتبطين بشخص ونقيم الناس على أقوالهم وأفعالهم».

وتوضح المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أنه «حتى ولو كانت لنا اليوم تحالفات مع شخصيات من عائلات سياسية فلأنهم مقنعون بخطابهم ولهم قاعدة يعملون من خلالها. أضف أنه من الناحية السوسيولوجية، فالمجتمع اللبناني شرقي بطبيعته ويتعلق ببعض الرموز. كما أن الناس هم الذين يقررون، في نهاية المطاف، إذا كانت أي شخصية جديرة بالثقة وإذا كانت طروحاتها تغييرية… التغيير يكون بالنهج والأداء والعمل السياسي وليس فقط بالأشخاص. نحن نؤمن بأن الشخص، ولو كان في موقع سياسي معين، إذا قرر العودة عن أخطائه أو أعاد تموضعه بصدق، كما فعلنا منذ أكثر من 10 سنوات، فمكانه في صفوف التغيير».

الدكتورة منى فياض، الأستاذة في علم النفس في الجامعة اللبنانية والناشطة السياسية، تؤكد أن ظاهرة التوريث السياسي «غير محصورة في بلداننا، فهي موجودة في كثير من البلدان الغربية باعتبار أن الممارسة السياسية تؤثر بمحيط الشخص، لكن ما يحد منها في دول الغرب هو أن العمل السياسي حقيقي، وهناك أحزاب وبرامج وترشيحات تقوم على أسس معينة ما يضبط هذه الظاهرة، خصوصاً لجهة وجود محاسبة حقيقية، فلا يكفي أن يكون الشخص ابن فلان كي يبقى موجوداً».

تقول فياض لـ«الشرق الأوسط»، «لبنان بلد تعرض للهيمنة والاحتلالات، واتُخذت كل التدابير للقضاء على أي تمثيل سياسي ونقابي حقيقي فيه. لذلك نرى أحزابنا طائفية – عشائرية – عائلية، طالما أن الممارسة السياسية تحتاج وقتاً وتمريناً».


المصدر: الشرق الأوسط – بولا اسطيح

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى