عاموس هوكشتين.. هل يتنصّل الساسة من الرسالة؟
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
حفلت الأيام الماضية بالعديد من المواقف حيال الرسالة المُرسلة إلى الأمم المتحدة حول النزاع الحدودي مع العدو الإسرائيلي، والذي كان “ليبانون ديبايت” أول من كشف عنها.
الرسالة التي أثارت الجلبة ضمن المحافل اللبنانية، لم تكن وطأتها أخفّ على المقلب الإسرائيلي، الذي انشغلَ طوال الأيام الماضية في مراقبة ردود الفعل على الرسالة ومحاولة الإستثمار العكسي بها، كأن يدّعي مثلاً أنها مجرّد ردّ فعل ولا قيمة قانونية لها، لكون لبنان الرسمي قد سبق له وأودعَ خرائط حدوده لدى الأمم المتحدة.
محلياً، ينتظر الداخل بفارع الصبر، عودة الوسيط الأميركي في الملف والمستشار في أمن الطاقة عاموس هوكشتين إلى بيروت. بحسب المعلومات، حدّدت السفارة الأميركية مواعيد للزائر الأميركي، المُعلن منها يأتي على شكل زيارات رسمية إلى الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي وقائد الجيش جوزيف عون، وغير المُعلن زيارة إلى منزل مستشار رئيس الجمهورية النائب الياس بو صعب.
وفي أثناء قدوم هوكشتين باتجاه الأراضي اللبنانية، نشطت الدوائر و المقارّ الرسمية كافة في محاولة التوافق على نصٍّ رسمي واحد، يجري إبلاغه إلى المندوب الأميركي، ووفق معلومات “ليبانون ديبايت” سيُجدد الرؤساء الثلاثة التزامهم بالعودة إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة في الناقورة للبحث عن حلّ. لكن مسألة العودة وفق مقتضيات “الإتفاق الإطار” ليست من ضمن التفاهم، لكون رئاسة الجمهورية تعتبر أنها “تجاوزت ذلك” سيّما وأن العدو لم يلتزم بما ترتّب عليه، ومضى إلى القول بأن المنطقة الواقعة ما بين الخطّين 1 و 23 تعود سيادتها إليه. في هذا الوقت، تشير المعلومات إلى أن “عاموس هوكشتين” لا ينوي العودة إلى الدعوة لاستئناف طاولة المفاوضات وفق الشكل السابق، وإنما سيطلب “وضع الثقة به” لإنتاج “مسار جديد” مختلف يكون تحت إدارته، ما يعني أن عودته إلى لبنان، ليست سوى “تبادل للرسائل” من دون أن يتمكّن من بلورة اقتراح واضح بعد.
في هذا الوقت وبينما لا تزال الرسالة المُرسلة من جانب وزارة الخارجية عبر مندوبة لبنان في الأمم المتحدة أمل مدللي تتفاعل، يعمل بعض الداخل من ساسة ومسؤولين على محاولة التخفيف من وقعها في أثناء زيارة هوكشتين. وعلم “ليبانون ديبايت” في هذا المجال أن السفارة الاميركية تحرّكت خلال الأيام الماضية، لاستطلاع الموقف الرسمي من الرسالة ومدى توافقها مع رؤى الرؤساء الثلاثة والمعنيين، وفي هذا المجال أتت بعض التسريبات المنقولة عن بعض المراجع الرسمية لتتنصّل من المضمون على اعتبار أنه لم يناقش معها تحت عنوان: تجاوزه للعرف السائد الذي يفرض إطلاع الجميع على النص وإبداء الموافقة عليه. هذا الجو خلق جواً آخر يتخوف من قيام بعض المراجع الرسمية من قماشة رئيس ونزول، إلى محاولة الإلتفاف على الرسالة عبر إبداء “عدم رضى” عنها أمام هوكشتين للإيحاء أمامه بأنها ليست مصدر توافق، وبهذا المعنى يُصار إلى تهدئة الضيف الأميركي الذي لم يحسب أن تصل الأمور إلى حد معاودة التلويح بالخطّ 29، وظنّ أنه حازَ على تنازل لبناني كلّي ومضمون بالعودة إلى الخطّ 23 فقط.
التنصّل في حال حصل، سيأتي في السياسة، على أن يجري تحميل وزارة الخارجية المسؤولية. ويُطرح في هذا المجال أن يصدر “توضيح” عن وزارة الخارجية، عبارة عن كلام يأتي على لسان الوزير عبدالله بو حبيب، على وزن التشديد على الخطّ 23 كما كان يفعل سابقاً، لكن وفي ما لو حصل ذلك، فإنه ليس في مقدوره محو ما كُتب في نصّ الرسالة، التي باتت تشكّل وثيقة رسمية بالنسبة إلى الأمم المتحدة، والعودة عنها تحتاج إلى رسالة معاكسة، لا يعتقدنّ أحدٌ أن في مقدوره فعلها لما قد تتسبّب به من أزمة سياسية داخلية.
إلى جانب ذلك، لا زال بعض المستشارين الحاليين و السابقين من المتابعين للملف أو عملوا فيه سابقاً أو من الذين يعملون عليه حالياً، يواظب على محاولة بثّ التخويف في الداخل اللبناني حول احتمال أن يُعلن الطرف الأميركي الكفّ عن وساطته، إلى جانب الإدعاء أن ما من اتفاق سيحصل من دون الرضى الأميركي. وفي هذا المجال يؤكّد مصدر معنيّ أن كل ما يُقال هو عبارة عن “صفّ حكي” ويأتي من جراء الصدمة التي دفعت البعض إلى “رمي الكلام شمال ويمين” و “محاولة استبدال الأجواء الإيجابية التي تمّ تسجيلها على المقلب اللبناني بأخرى سلبية”، إلى حدّ أن بعض هؤلاء لجأوا إلى وسائل الإعلام لبثّ دعاية مناقضة تماماً والإيحاء بأن لا توافق داخلي عليها، وهذا ما يخالف الوقائع، إذ أن الرسالة سبق وأن أرسلت كإقتراح من جانب وزارة الدفاع، تعاملت معها وزارة الخارجية وفق الأصول وتمّ تنقيحها لاحقاً بالتعاون مع رئاسة الجمهورية بصفتها مسؤولة، وكلّ هذا وضع رئيس الحكومة في جوّه، إذاً فإن الإدعاء بغياب التوافق يفتقر إلى الدقة.
على المستوى الإسرائيلي، ساد الإرتباك خلال الأيام الماضية، وصوّر الإعلام الإسرائيلي بأن الجانب اللبناني لا زال يناور من أجل عدم توقيع الإتفاق المفترض حول الترسيم، ويريد عرقلة المندوب الأميركي، لكن الحقيقة أن الذعر الذي يدبّ في الجانب الإسرائيلي، يتّصل بخوفه على عقود العمل التي أبرمها مع شركات عالمية في مجال التنقيب والتي قد تُصبح عرضةً للفسخ بذريعة أن المنطقة بات مُتنازع عليها و الأجواء المحيطة بها لا تشجّع على العمل بشكل آمن ومريح. ثمة قضيةٌ أخرى تؤرق الجانب الإسرائيلي، فسفينة التنقيب FPSO والتي كلّفت زهاء المليار دولار أميركي، عبرت من سنغافورة بإتجاه المتوسط، ويتوقع الجانب الإسرائيلي أن تصل الشهر المقبل وأن تبدأ بمباشرة عملها بالفعل ضمن حقل كاريش، واستئناف الجانب اللبناني للرسالة ومفاعيلها من دون نجاح هوكشتين في تجاوزها ، عبر إنتاج فكرة جديدة تضع الحقل خارج المعادلة، يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة، ممّا يدفع إلى وقف العمل بالمشروع أو تجميده مرحلياً أو أقلّها.