“إنتفاضة” داخل تيّار “المستقبل”
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
ما عاد الحديث منحصراً حول انسحاب الرئيس سعد الحريري من الإنتخابات متى غدا ذلك تحصيلاً حاصلاً، وإنما كيفية معالجة انعكاسات القرار على البيئة السُنية بشكل عام وبيئة تيار المستقبل بشكلٍ خاص ومنها باتجاه “الطبقة المخملية” التي تضمّ خلاصة الكوادر والمسؤولين.
بالأمس، لم يكن اجتماع نواب كتلة “المستقبل” مع رئيسهم سعد الحريري عادياً أو كما يجب أن يكون. دارت نقاشات حادة رغم أن الرجل لم يأتِ للمناقشة بل لعرض ما عنده. وبعد الكر والفر رست القاعدة وفق التالي: انقسام عامودي بين النوّاب حول الموقف من عزوف ليس الحريري فقط عن الإنتخابات وإنما التيار ايضاً، وسيمضي المعترضون نحو تحصين الذات بخيارات تمتد إلى تحشيد القواعد بمفردات لا توحي سوى بالدعوة إلى “انتفاضة داخلية”.
داخل دهاليز التيار الأزرق، تنتشر كالفطر أحاديثٌ من نوعٍ لم يألفه “المستقبل” قط، يتعلّق بالتمرّد! شيءٌ يوحي بأن “التيار الليبرالي” الراسخ في مفاهيم المصلحة والسوق، آخذٌ في التحول إلى ما يشبه التيارات الثورية العقائدية معتمداً على مصطلحاتها في سبيل رفد نفسه بطاقةٍ حيوية تشفع له في مجال “مقارعة خيارات القيادة”، فينشد “العنف الثوري” طريقاً للخلاص ولمحاولة فرض التأثيرات على الرئيس الحريري، ودفعه بإتجاه إجراء تعديلات وتحسينات على صعيد مواقفه تتلائم وخياراته. فإن أرادَ الرجل العزوف عن الإنتخابات فليفعل، لكن لماذا يصرّ على أخذ التيّار في جريرته؟
على ضفّة “المستقبل”، هناك فريقٌ يشعر بالغبن. يتحدث عن “انتحار جماعي” بجرّنا سعد الحريري نحوه، وكذا يشير إلى تضحيات وتقديمات سياسية تجري الإطاحة بها عمداً وعلى الملاء ومن دون أي اعتبارٍ لأحد، وعلى شارع يجري تفتيته بهدوء، يشكو قلة دراية الحريري و “نرجسيته” وتعمّده رفض سماع نداءات المسؤولين أو الردّ على رسائلهم المتكررة ومحاولاتهم فهم ما يجري ومناقشة الحريري بخيارات القرار فيها لا يعود له وحده، لكن من دون جدوى. لا حديث يعلو فوق اتهام الحريري بأنه جاء فقط إلى بيروت، لأجل إعلان موقفٍ وقرار وليس مناقشة موقفٍ وقرار في شيء يشبه “رمي الحجّة”، يكاد يكون أقرب إلى جمع القوم لمشاهدة تنفيذ حكم إعدام بحق مجرم، من دون مناقشة القرار مع أحد، فقط على الحاضرين السماع، وانتهى الأمر.
يرتفع الصوت داخل تيار “المستقبل” من جرّاء هذه السياسات. “التيار” الذي وقف خصماً لمحاولات الإستئثار بالسلطة وفرض معايير موحّدة على الجميع” كما يقول قيادي مستقبلي، بات يعاني منها ويشهد على تطبيقها، ولا شك أن قضيةً من هذا النوع، لن تمرّ خارج تيار “المستقبل” بموازاة عدم عبورها في داخله. وها هو نائب رئيس تيار “المستقبل” مصطفى علوش، يأخذ خطوةً إلى الأمام معلناً التمرّد العلني على خيارات الحريري – الرئيس.
وعلوش، على ما تؤكد المعلومات، واحدٌ من مجموعة تتحضّر لرفض خيارات الرئيس سعد الحريري في العلن. فعلٌ من هذا القبيل في حال حصل أو توفّرت له المقومات داخل التيّار الازرق، يهدّد بانشقاقات بالغة بين فريقين تتبلور صورتهما على ضفاف الأزمة بشكلٍ أوضح، وما كان يُخشى منه خارج التيّار من تناحرٍ “على الأرض” بين مؤيدي الشقيقين اللدودين بهاء و سعد، ينتقل بشكل دراماتيكي إلى داخل مؤسسات “المستقبل” على صورة “تيارات” تنشأ داخل التيّار الواحد وتهدد بأخذ الأمور إلى المواجهة تحت عنوان “المحافظة على إرث الشهيد رفيق الحريري”، المتهم سعد الحريري اليوم من قبل مجموعة بـ”الإطاحة به”.
هو العنوان ذات القدرة على اجتذاب القواعد الحزبية الضائعة ما بين مستويين، مستوى يحيا تحت وقع ما يجري وينشد عبارة “ما في اليد حيلة” و “ما كُتب قد كُتب” ولا يظهر أي رغبة في المقارعة أو المغامرة بعدما “كوته” سياسات التيّار والأزمة المتفاقمة في البلاد ما حوّل اهتماماته إلى مكانٍ آخر، ومستوى ثانٍ وقع تحت الصدمة، يتحدث عن التغييرات والضغوطات التي حكمت على سعد الحريري، ويرفض الإقرار بأنه في حكم الخارج من ضفة السياسة، ويصرّ على المحافظة على الهيئة السياسية على شكلها الحالي، وإنما يمضي صوب اعتماد أدبيات خاصة. يعتقد أحد المنظّرين أنه في وسع القاعدة الصلبة أن تنتفض وتفرض شروطها، فينصح بترك “المستقبل” كتيّار سياسي “بمن حضر” (أو المستقبليون) بتقديم ترشيحاتهم إلى الإنتخابات تحت إسم التيّار، وترك القاعدة تُشاهد خروج رئيسها (سعد الحريري) بهذا الأسلوب المُهين والذي يوحي بالمظلومية، لا بل تكريسها وتعميقها. وبحسب رأيه الخروج على هذه الصورة لا بدّ أن يستدرج تعاطفاً سنياً عارماً سيندفع للتحرك في ردّ فعل طبيعي على الصدمة، وهو ما يمكن أن يُترجم في صناديق الإقتراع على شكل أصوات ويصنع “تسونامي أزرق” شبيه بالتسونامي العوني “البرتقالي” عام 2005 والذي أعاد “الحالة العونية” إلى السلطة بعد أعوامٍ من المظلومية.
لكن شتّان ما بين هذا وذاك. حينها، لم يبادر العونيون إلى الخروج من السلطة وإنما قُتلوا و قاتلوا فأخرجوا، على عكس الحريري الذي يبادر تلقائياً إلى الخروج ولو أنه يأتي من زاوية إرغامه..