استراتيجية «الانفتاح»: كيف تقتحم المجتمعات العربية؟
الأخبار- جوليا قاسم
تناول تقرير استراتيجية المكتب الإقليمي العربي، بكثافة، موضوع «تشتُّت» منظّمات المجتمع المدني العربية القائمة، وكشف عن تركيز المكتب الإقليمي العربي في مؤسسات سوروس على مواجهة «التحدّي الأكبر الذي تواجهه المنطقة»، والذي حُدّد بـ«إمكانية الانتقال إلى الفوضى أو الديكتاتورية المتجدّدة».
أصبح المكتب العربي الإقليمي فاعلاً مع بداية «الربيع العربي» الذي وُصف بأنّه لحظة مفصلية. وبحسب التقرير، قام المكتب على الفور «بزيادة حجم المنَح الفردية وحجم المنَح الإجمالي»، من خلال استراتيجية «أنشأت تحالفاً من المنظّمات المحلية والإقليمية الرائدة، لإعادة منح الأموال وتقديم الدعم الفنّي للمجموعات والمبادرات الناشئة». ويصف المكتب نفسه بأنّه وسّع «نفوذه» في المنطقة في ذلك الوقت، وفتح فرعاً له في تونس، أولى الدول التي أطاحت برئيسها عبر التظاهر.
أدرجت «مؤسّسة المجتمع المنفتح» جامعة الدول العربية ضمن أهدافها. ويصف التقرير الجامعة ، بأنّها «أكثر المنظّمات الإقليمية تفكّكاً، وغير فعّالة في العالم العربي»، مشيراً إلى دعوة المكتب عام 2011، إلى «التدخّل المباشر كجامعٍ لمنظّمات المجتمع المدني»، من أجل إصلاح جامعة الدول العربية. ومن خلال دمج «مؤسّسة المجتمع المنفتح» لمنظّمات المجتمع المدني، التي تدعمها تحت راية المكتب العربي الإقليمي، فإنّ محاولاتها لتعزيز نفوذها لا تقتصر على بلدان محدّدة، بل تتعدّاها إلى النطاق الإقليمي.
حدّد التقرير الأولويات الإقليمية لـ«مؤسّسة المجتمع المنفتح»، في فترة ما بعد «الربيع العربي»، بالبناء على ثغرة الحوكمة التي ألمّت بالمنطقة نتيجة «الربيع العربي». ويشرح بالتفصيل كيف «استجابت المؤسّسة بسرعة وسرية» للثورات، وعزّزت «آفاق الانتقال الديمقراطي»، من خلال «صندوق الانتقالات العربية» (ATF)، الذي أُطلق عام 2011 استجابة لموجة الاحتجاجات التي اندلعت في ذلك العام.
تُقسّم الاستراتيجية العالم العربي إلى ثلاث «فئات تركيز» بالنسبة إلى «مؤسّسة المجتمع المنفتح»: الفئة الأولى هي البلدان «غير الانتقالية»، وتشمل لبنان والأردن والمغرب و«ربما» الجزائر، وهي دول «لم تشهد بعد تغيّراً سياسياً تحوّلياً»، مع محاذير في شأن «استخدام المجتمع المدني (…) المساحة المُتاحة للضغط على مطالب المجتمع المنفتح». وصُنّفت سوريا واليمن وفلسطين بأنّها مجتمعات «ثورية» أو تخوض «صراعاً». أمّا ليبيا وتونس ومصر فجرى تصنيفها بأنّها «انتقالية»: بلدان تمّت فيها الإطاحة بالأنظمة، ولكنّ تقدّم المجتمع المنفتح فيها، مرهون بـ«تحدّيات جديدة وتهديدات قديمة».
وبهدف «ضمان الانتقال إلى مجتمعات حرّة ومنفتحة»، خطّطت «مؤسّسة المجتمع المنفتح»، أولاً، لبناء «مجتمع سياسي مستقلّ» في البلدان التي تمرّ بمرحلة انتقالية كمصر وتونس. وبعد ذلك، يستعرض التقرير بوضوح خطط التدخّلات في سوريا وفلسطين، لإنشاء «شبكة إنسانية إقليمية تركّز على حقوق الإنسان».
ورغم ادّعاءات المؤسّسة بمحاربة الديكتاتورية ومناصرة حقوق الإنسان، لم يرد في التقرير اسم أيّ دولة خليجية، وظلّ التركيز محصوراً بالدول المذكورة أعلاه، رغم وجود حراكَين أساسيَّين آنذاك في كل من البحرين والمنطقة الشرقية في السعودية.
وذكرت الوثيقة أنّ استخدام المؤسّسات والمنظّمات الثقافية الكبيرة النامية، يُعدّ مفتاحاً أساسياً للمنظّمات غير الحكومية، في «الانتقال» الشامل الذي تصوّره «مؤسّسة المجتمع المنفتح»، والذي يبدأ بإعادة هيكلة الأُطر القانونية والإعلامية والثقافية والمؤسّسات والبنية التحتية. وقد أشير إلى المجالات الأربعة الرئيسية المستهدفة، وهي «نشاط الشباب» و«المرأة» و«الحقوق» و«الإعلام» و«الفنون»، على أنّها «مجالات مشاركة»، حيث يمكن للمكتب الإقليمي تطوير المنصّات الاجتماعية لتوسيع نفوذه.
وكان المكتب قد أفصح في استراتيجيته لما بعد عام 2014، بأنّه «سيواصل التركيز بشكل أساسي على الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)»، في إشارة إلى الجهة المانحة للفنون الإقليمية التي تتّخذ من بيروت مقرّاً لها. واعتُبرت «آفاق» نموذجاً إقليمياً لنوع المنظّمات التي كانت «الشريك الأقوى» للمكتب العربي الإقليمي، لكونها من بين «المجموعات ذات التأثير والسمعة»، جنباً إلى جنب مع «المعهد العربي لحقوق الإنسان»، و«مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث»، و«مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان». وكشفت المؤسّسة أنّ اهتمامها بـ«آفاق» يعود إلى ترويجها «لقيم المجتمع المنفتح… وحضورها الإقليمي القوي، والتمتّع بقدرات مؤسّساتية جيّدة… وقدرة تنظيمية إقليمية».
كذلك، اعتُبرت المنظّمات القانونية شريكاً مهمّاً لتطوير «التقاضي الاستراتيجي، واستخدام وسائل الإعلام، وتنظيم الحملات»، أثناء «مراقبة» أهداف تحقيق «العدالة الانتقالية». ومن بين هذه المنظّمات الرئيسية، «المفكرة القانونية» ومقرّها بيروت، وPILNet (مبادرة قانون المصلحة العامّة في المجتمعات الانتقالية) التي احتضنتها جامعة كولومبيا في نيويورك قبل إنشائها في بودابست – المجر، للعمل ضمن دول الاتحاد السوفياتي السابق، عام 2002. وقد تمحورت كلّ المجالات التي ركّز عليها التقرير، حول «انتقال» النظام، من خلال ترابط السياسة مع تقويض الهياكل الدستورية والقانونية للدول العربية.
وقد سعت المؤسّسة الأميركية، من خلال «مشاريع التجهيز»، مثل «مشروع الانتقال في صنع السياسات» (TiPP)، إلى تنظيمٍ تلقائي لأيّ بدائل عن فوضى ما بعد «الربيع العربي» التي ظهرت في ليبيا وسوريا ومصر. وأشادت «مؤسّسة المجتمع المنفتح» بمسار الأحداث: «لأوّل مرة في الذاكرة الحيّة، يمكن أن يكون للمواطنين في الدول العربية رأي هادف في السياسات العامة والإصلاحات القانونية الجارية في بلدان، مثل تونس ومصر وليبيا».
من خلال تقوية منظّمات المجتمع المدني، المدعومة من «مؤسّسة المجتمع المنفتح»، لتحلّ محلّ أطر السياسة المحطّمة، كشفت المؤسّسة عن نواياها في استخدام مثل هذه المنظّمات للتأثير المباشر في إنتاج السياسات. بحسب التقرير، يهدف برنامج TiPP إلى «جعلنا الجهات الفاعلة الأكثر معرفة، عندما يتعلّق الأمر بعمليات وديناميكيات إنتاج السياسات في البلدان المستهدفة».
وقد شكّلت وسائل الإعلام واحداً من المجالات الأربعة الرئيسة التي حظيت بتركيز خاص في مبادرات «مؤسّسة المجتمع المنفتح» للمبادرات الانتقالية وصنع السياسات. ورأت الوثيقة وسائل الإعلام كأداة رقابة وصناعة رأي، مع التركيز بشكل خاص على تمويل «المذيعين المستقلّين» في ليبيا وسوريا «ما بعد الثورة». وحُددت الشبكات الإقليمية، مثل «إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية – أريج»، أو «مؤسّسة مهارات»، التي تتّخذ من لبنان مقرّاً لها، واللتين أُسّستا، عامَي 2005 و2006 على التوالي، على أنّها من بين المنصّات الرئيسية لإعادة تشكيل المشهد الإعلامي بعد الصراع، وتباعاً لإعادة تشكيل السردية الإقليمية المنسجمة مع أهداف تعزيز «الديمقراطية» الغربية، إذ يشير التقرير إلى إشكالية الإعلام الإقليمي، على أنه «خاضع لسيطرة الدول أو للمصالح الحكومية إلى حدّ كبير»، ما يشكّل حاجزاً أمام «نجاح الانتقال الديمقراطي».