حال لبنان وخطوات المملكة العربية السعوديّة تجاه ايران
اللقاء المتلفّز للامير محمد بن سلمان ،بتاريخ ٢٠٢١/٤/٢٧، وما وَردَ فيه من تصريحات، يعّبر، كما اعتقد، عن موقف جديد و جاد للمملكة تجاه ايران ، ونأمل أن تحظى الملفات الساخنة و الحرجة في المنطقة (اليمن، لبنان، سوريا) بذات الاعتبار و التقيم من قبل المملكة. تصريحات الامير الايجابية تجاه ايران تؤّكد اذاً صحة خبر اللقاء السعودي – الايراني في بغداد، وتدّلُ (واقصد التصريحات) على نتائج ايجابية لتلك المفاوضات. يُحسبْ هذا الامر انجازاً سياسياً لبغداد ولجهود السيد الكاظمي، حتى وإنْ كانت الادارة الامريكية خلف هذه التحوّلات و المواقف. لم تعدْ تتحمّل امريكا تبعات النزاع والخلاف السعودي الايراني، ونتائجه على المنطقة، كما ليس من المعقول ان تتفاوض امريكا و تتصالح مع ايران، وتتركُ اصدقاءها و حلفائها في المنطقة في نزاع وخصام مع ايران. ليس في صالح المملكة ان تبقى علاقاتها متوتّرة مع ايران، والاخيره في مسار تفاوض وتصالح مع امريكا.
الموقف السعودي الرسمي الجديد و الجاد تجاه ايران يدّلُ ايضاً على انَّ المملكة اصبحت على يقين من نجاح التفاوض الايراني الامريكي وبالشروط المريحة لايران، ومن مصلحة المملكة ان تسبق هذا الحدث بخطوات تقارب نحو أيران.
يُحسبْ للمملكة ،في مسارها الجديد ، أمتثالها للواقع السياسي الاقليمي والدولي، وبمعطياته وبمتغيراته الجديدة، وعدم اكتراثها للتوغل السياسي الاسرائيلي في المنطقة، ولرغبات و محاولات اسرائيل الفاشلة في عزل ايران . التقارب السعودي الايراني يُفرغ التطبيع الاسرائيلي -الخليجي من محتواه و يجّرده من ايّة نتائج سياسيّة او استراتيجية. وهذا التقارب يصّبُ في مصلحة المملكة اكثر مما هو في مصلحة ايران، فهو (اي التقارب) يساهم في وقف استنزاف المملكة في حرب اليمن ، و يُعيد للمملكة دورها الذي تلاشى في لبنان ،من خلال رعاية ايرانية -سعودية سياسية و اقتصاديّة. ومن مصلحة ايران عدم تغييب الدور السعودي في لبنان لصالح دور تركي. وتنتظر المملكة من ايران دوراً فاعلاً لايقاف هجمات الحوثيين ولوضع نهاية للحرب بما يضمن مصالح ومكانة المملكة.
أجرتْ المملكة ،على مايبدوا ،جرداً لنفوذها الميداني و السياسي في المنطقة ( في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي فلسطين )، فخلُصت بالنتائج التالية : أصبح لها علاقات سياسية و دبلوماسية و اقتصادية جيدة مع العراق ،لكن هذه العلاقات لم تلغْ او تؤثر على النفوذ الايراني في العراق .لم تعدْ الساحة السورية من اهتمامات المملكة لزحمة التواجد الميداني و السياسي الروسي و الايراني والامريكي والتركي و غيرهم .
لم تعُدْ المملكة تعّول كثيرا على اصدقاء و حلفاء في لبنان ، انفقت المملكة ،من اجلهم ، الكثير من المال والجهدْ دون نتائج تُذكرْ لا للبنان و لا للمملكة الاّ اللهّم ، لمصالحهم الخاصّة و لاثرائهم . كذلك حال المملكة في فلسطين الضفة وفي فلسطين القطاع ،على عكس الدور الايراني العلني و الصريح الداعم لحركة الجهاد والمقاومة في غزّة و في فلسطين .
ادركت المملكة بعجز امريكا على الغاء دور و نفوذ ايران في المنطقة ، لماذا اذاً تستمر المملكة بدفع ثمن خصومة غير مربحة مع أيران ! و لمصلحة مَنْ ؟
ليت المملكة تدرك ايضاً ، الآن و قبل فوات الآوان ، بأنَّ من مصلحتها مّدْ يد العون للبنان و أنْ لا تعامله كساحة خلفيّة لايران . إنْ خسرت بعض اصدقاءها وحلفائها في لبنان ،لفشلهم و لفسادهم ، لتربحْ كل الشعب اللبناني ،من خلال مساعدته ، لا تخسرهُ من خلال شبه حصار اقتصادي بمنع استيراد منتجاته الزراعية بذريعة المخدرات .
سياسة فرض العقوبات الامريكية على لبنان ، وسياسة الاعتداءات العسكرية الاسرائيلية على لبنان ،وسياسة فرض الحصار و تجويع لبنان لم ولن تفلحْ في تغيير ارادة الشعب و متبنياته، بل العكس تماماً ،ستدفع لبنان الى الميل اكثر بالاتجاه الاخر والى التمسك بعزّته وبكرامته . لتكن حرب اليمن الفاشلة عبرة لتدخل عسكري وسياسي فاشل ، و لتكن حرب سوريا ايضاً درساً آخر لتدخل عربي عسكري و سياسي فاشل .
لنستخلص من هذه التجارب الفاشلة ، و التي ارتكزت على تدخل سلبي ،دروس سياسيّة ،تقودنا الى استبدال التدخل السلبي بتدخل ايجابي يرتكز على دعم الدولة و دعم الشعب و احترام خياراته و تطلعاتهِ .