هل يمكن للتوافق، توافق الحد الأدنى، بين السعودية وايران أن يكون معقداً، ومضنياً، بل ومستحيلا، الى ذلك الحد ؟ الحد الذي يدفع بالمنطقة الى ما قبل التاريخ، ربما الى ما قبل آدم، و… تفاحة آدم.

هذا ما يقوله ديبلوماسي خليجي مخضرم، بالنظرة البانورامية، والبراغماتية، لمسار النيران في الشرق الأوسط: «حين يكون آيات الله في لبنان، وفي سوريا، وفي العراق، وفي اليمن، والبلدان الأخيران متاخمان للمملكة، ويشكلان الأساس في أمنها الاستراتيجي، وبوجود أميركا في المنطقة، هذا ما يجعلنا نأخذ بقول دونالد ترامب، وان كان مهيناً وفظاً، لولانا لاستطاع الايرانيون اسقاط عروشكم خلال دقائق لا خلال أيام».

أضاف «نعلم كيف ينظر الأميركيون الينا، وكيف يتلاعبون بمصيرنا، ولقد صدمني كلام أخير لتوماس فريدمان على قناة «الجزيرة» لم ير فينا أكثر من حرس بالعباءات الزاهية لآبار النفط، وللمضائق، نعلم أيضاً أن عوائق شتى حالت، ولا تزال تحول، دون تحوّلنا الى دول مقاتلة، وهنا نعترف بالفارق بيننا وبين الايرانيين، وبيننا وبين الأتراك، ولكن ما جدوى أي كلام الآن»؟

الديبلوماسي الخليجي واثق من أن الشرق الأوسط لم يعد أولوية في الأجندة الأميركية.»في اعتقادي أن خروجهم الآن، وفي ظل الضبابية الراهنة، يدفع بالمنطقة الى فوضى مروّعة أقرب ما تكون الى الجحيم، ما لم نبادر، وعل ضفتي الخليج، الى بناء علاقات تقوم على الثقة لا على الريبة والخوف».

وقال «هذا ما نحتاج اليه، وما يحتاج اليه الايرانيون المهددون، بدورهم، باخطار داخلية وخارجية، سواء اتفقت الأمبراطوريات أم لم تتفق على صيغة ما لعالم متعدد الأقطاب …».

تابع «لنتصور سوياً كيف يمكن للمشهد الأقليمي أن يتغير، وكيف لبلداننا أن تزدهر، وأن تتفاعل مع الايقاع الثوري للقرن، اذا ما تخلينا عن السياسات العدمية التي تتحكم ببعض الرؤوس، وتكرس دوراننا السيزيفي في الدوامة ما دامت الأمبراطوريات لا ترى في المنطقة سوى ساحة خلفية للصراع كوننا خزان الطاقة للشرق الأقصى».

لكننا أمام ايام سريالية، ان لم نكن أمام أيام غرائبية، فجأة، تصريحات متفائلة حول الحوار بين الرياض وطهران، وفجأة تتساقط الصواريخ الباليستية على المملكة لتقابلها مواقف سعودية في منتهى العداء، حتى أن تغريدة للسفير السعودي في لبنان وليد البخاري أعادتنا الى مقتل الخليفة عمر بن الخطاب.

البخاري قال «أحفاد ملوك حمير، وافيال اليمن، وقوم تبّع وكهلان، لا يصبرون على ضيم أحفاد المجوســي أبو لؤلؤة وآيات الشيطان»، ربما فاتته صرخة سيف بن ذي يزن، أشهر ملوك بني حمير، لكسرى أنو شروان الذي أنقذ اليمن من أبرهة الحبشي، وان كانت قــناعتنا أن ندع التاريخ للتاريخ ما دام يسكننا بتلك الطريقة الجهنمية …

كثيرا ما نستخدم كلمة «المجوس»لاظهار وثنية الفرس، كما لو أن آباءنا لم يكونوا عبدة الأوثان، مع الاشارة الى أن الزرداشتية وجه من وجوه المجوسية، وقد أثرت الى حد ما، في البنية الفقهية للتراث الاسلامي.

الديبلوماسي الخليجي اذ يرى ضرورة التخلي عن هذه «اللغة البائدة»، يأمل في أن تكون ايران «التي نتوجس منها»صاحبة المبادرة، ومن اليمن بالذات، وهو الخاصرة الفائقة الحساسية،وبعدما حوله الصراع الى حطام قبلي، وحطام سياسي، وحطام مناطقي، للاتفاق على رعاية مشتركة لمؤتمر  يتمثل فيــه كل أفرقاء القــتال، وليكن ذلك في بلد لا صلة له بجيوبوليتيكا الشرق الأوسط.

لا ينفي أن الأجواء التي تحيط بمفاوضات فيينا «الضجيج الاسرائيلي» حول الخيار العسكري، ناهيك عن الاهتزازات الغامضة في الموقف الأميركي، تجعل الايرانيين أكثر توتراً، وأقل قابلية للتفاعل مع الخيارات السياسية.

الديبلوماسي الخليجي يرى ضرورة وقف، وفي الحال، ذلك الرقص على حافة الهاوية، والدخول في حوار خلاق بين ضفتي الخليج لاعادة ترتيب العلاقات، وارساء قيم مشتركة للتعاون البعيد المدى، بعدما كان الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران يدعونا الى التخلي عن سياسات المراوحة بين … الوجود والعدم !!