الـ”deal” ركب… المال مُقابل الترسيم
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
في الوقت الضائع، تنشط “جماعة الصفقات” في إمرار “deal” لبناني – أميركي ظاهرياً، يقوم على إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بعدما تمّ و “بحمد الله”، دفن مشروع تعديل المرسوم 6433 نهائياً، وطبعاً وفق الطريقة التي يريدها عاموس هوكشتين!
يُفهم هنا أن جانباً من النزاع السياسي الداخلي يدور تحت عنوان الترسيم، وبالتالي إن الموضوع الأساس لا صلة له بصفقةٍ ذات موضع سياسي داخلي محصورة بملفات محددة، قيل أنه يتمّ حياكتها بين الأفرقاء قبل أن تسقط بصورتها السابقة ويعمل على محاولة إعادة استنهاضها لاحقاً بصورة أخرى، بل تكاد تكون عملياً “مشروع تغطية” للصفقة الأساس التي يتم “نقشها” مع الأميركيين.
على عكس ما يجري تداوله، ليس ثابتاً بعد أن الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عاموس هوكشتين سيأتي إلى بيروت خلال الأيام المقبلة، بدليل أن “عوكر” لم تحجز المواعيد الرسمية بعد. وعلى ما يظهر تضغط في مجال تأمين موقف لبناني موحد كشرطٍ لإتمام الزيارة، أي الشرط نفسه الذي أبلغه هوكشتين بطرقٍ مختلفة إلى الساسة اللبنانيين سابقاً: موقف رسمي لبناني موحد حيال مبدأ الترسيم أو لا زيارة.
عملياً، يقوم هوكشتين على ابتزاز اللبنانيين بطرق متعددة. في السابق، ابتدع فكرةً تقوم على ضرورة إسراع الجانب اللبناني في “حسم موقفه” من قضية الترسيم، لأن الغاز السائل العائم تحت المياه، بات مصيره على المحكّ، وهي مسألةُ وقتٍ قبل أن يخرج من دوائر الإهتمام الدولية مقابل نموّ سوق الطاقة المتجددة. لقد وضع هوكشتين حينها، بصفته خبيراً في قضايا الطاقة، سقفاً زمنياً يبلغ 10 أعوام تمثل ذروة الإستفادة من المادة، وبعد ذلك تصبح “خردة”!
لاحقاً، جرت مواكبة هذه “الفكرة الغريبة” في الداخل اللبناني على شكل ضخٍّ إعلامي مهول، وقد نشأت عنها حملات إعلامية دافعة من أجل اعتماد “رؤية عاموس” القائلة بتشارك الحقول بين لبنان والعدو “بطريقة ما”، وبالتالي التخلّي عن الخط 29 على نيّة الإستفادة من الأموال ما دام أنه غير قابل للتحقق، فيما البعض “شطح” بتصوراته وصولاً إلى محاولة بيع المخزون وهو تحت المياه والإستفادة من الأموال المتدفقة!
نظرياً، ما يجري تقديمه يفتقد إلى الدقة ويميل صوب رفع قيمة “الطرح الأميركي” ليس إلاّ، ومن الواضح أننا نشهد اليوم على محاولة “كيّ وعي” ، تستهدف الشرائح الشعبية بعدما نجح “فريق الخط 29″، من تكريس نظرية تقول أن مصلحة لبنان تكمن في هذا الخط، وكيّ الوعي هذا يتمّ عبر طرق مختلفة، جميعها تظهر عبر محاولة تيئيس و تهبيط معنويات مع “رشة” بثّ روحٍ انهزامية، تدّعي أن ما في اليد حيلة، وسريعاً سينتهي زمن الغاز، فلماذا لا نستلحق أنفسنا؟ والغريب أن جماعةً من نخبة المثقفين و “الثوار الجدد” والخبراء في مجالات متعددة ومنها الطاقة، هم من يقود تلك الحملة.
وفي الواقع، إن صلة الوصل ما بين ما يطرحه عاموس وبين ما يجري في الداخل واضحة. ما أن طرح “الوسيط” نظريته حتى تحرّك طابور التسويق في الداخل وأخذ يؤجج المشاعر، مستغلاً حالة التراخي لدى فريق “الخط 29” الذي يظهر أنه يتراجع خطوات إلى الوراء، لأسبابٍ مختلفة نذكر منها الخداع والطعن السياسيين. كل ذلك أسهم، وبدرجة معقولة، في تعزيز موقع هوكشتين ورؤيته، ومن خلفهما الوضع الأميركي بالنسبة إلى التموضع في ملف الترسيم، وقد انتقلت الأفضلية من فريق الخط 29 إلى الفريق الأميركي المدعوم داخلياً.
بناءً عليه، أخذ الفريق الأخير يبثّ الدعاية في الداخل، ويبتزّ ويفرض معاييره وشروطه للحضور والمشاركة، وأخذت السفارة الأميركية تتحرك على قاعدة أن الزيارة “الهوكوشونتية” الحالية، يُفترض أن تكون زيارةً يتمّ خلالها وضع المسودّة شبه النهائية للإتفاق، عبر تعاونٍ رسمي لبناني يبدو أنه أُنجز بالفعل، ويقوم فوقه كلّ من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وفريقه المؤلف من المستشارين + وزير الخارجية، بالإضافة إلى الثنائي رئيس الجمهورية ميشال عون ، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، غير المعترضين مبدئياً على طبيعة الحلّ الأميركي طالما أن حصّتهما محفوظة.
في المقابل، لا يحصل ذلك بمعزلٍ عن ضغط دولي. خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى بيروت قبل أيام، ساد ظنٌ، أن الرجل أتى لتسريع وتيرة المساعدات والدفع صوب إنجاز الإصلاحات قبل أن يتبيّن أن “طبق” الزيارة الرئيسي، كان “دفش” خطوات الإتفاق حول موضوع الترسيم إلى الأمام، بشهادة ما طرحه، ولعلّ من اللافت الإشارة إلى أن رئيس مجلس النواب، كان قد بادر ضيفه خلال لقائهما بأسبقية طرح موضوع الترسيم، فسرّ به!
من زاويةٍ أخرى، بدا واضحاً أن الضيف الأممي أخذ يسوّق لنظرياتٍ، تتمّ كلّها وفق الرؤية الأميركية للحلّ، تحت هذا العنوان نشط غوتيرس في إجراء توطئة على قاعدة: مفتاح المساعدات يبدأ بإنجاز ملف الترسيم، وهو ما نمّى شعوراً بأن مفتاح الفرج اللبناني من صندوق النقد بدايةً، إلى تحرير أموال “سيدر” أو ما تبقّى منها وما بينهما، يبدأ من إنهاء الملف الحدودي العالق جنوباً والإنتقال بعدها إلى ملفات أخرى.
ولا بد أن المسوّقون في الداخل لنظرية الحلّ ينشطون تحت هذا العنوان: تحرير الترسيم يعني تحريراً للأموال التي يحتاجها لبنان، وكان قد تلا كل ذلك، حديثٌ صحفي لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أبدى خلاله اعتقاده أن حاجة لبنان للمساعدات العاجلة تقدّر بين 15 و 17 مليار دولار أميركي. فهل عُقدت الصفقة “أو تكاد” بين ملف الترسيم و استقبال الأموال في المصرف المركزي؟
قد يكون هذا الإحتمال ممكناً، بشهادة الإندفاعة الأميركية المسرعة لتلقّف نتائج الزيارات الدولية وترجمتها حين يأتي عاموس، الذي لن يحضر بكلّ تأكيد إلاّ حين ينجز “جدول أعمال الزيارة”، ولن يطول الأمر حتى تتمّ بلورته، طالما أن المهلة التي سبق وأن طرحها لا تتجاوز مرحلة ما بعد موعد الإنتخابات النيابية المقبلة، أي أننا أمام 3 إلى 4 شهور “ماكسيموم” للحلّ المنشود. وعليه سيشتدّ منذ الآن وحتى ذلك الحين، تسويق الحلّ المُشار إليه ذات الطابع الأميركي بشراكةٍ من الجميع.
من هنا يبدأ عصر الصفقات، وهنا ينتهي.