الحدث

وزير الصحة يؤمّن الدواء بأسعار منخفضة: لبنان حقل تجارب؟

سيوفّر القرار الدواء في الصيدليات بمعدّل أعلى (المدن)
خضر حسان|المدن
خاضَ اللبنانيون رحلات بحث شاقة ويائسة عن الأدوية خلال العام الجاري. وصعَّبَت عملية الاحتكارات ورفع الأسعار، مسار البحث، حتى بات الكثير من المرضى، وفي مقدّمتهم أصحاب الأمراض المزمنة، ضحايا العشوائية التي عالَجَت بها السلطة ملف الدواء، وصولاً إلى قرار رفع الدعم جزئياً عن أدوية الأمراض المزمنة، بهدف توفيرها في الأسواق، كما أمِلَ وزير الصحة فراس أبيض، بعد اتخاذه القرار الشهر الماضي.

توفير الدواء في السوق
حاول أبيض كتابة سيناريو جديد لملف الدواء، عماده توفير الأدوية المقطوعة، وتحسين مستوى أسعارها لتتلاءم مع انهيار القيمة الشرائية لرواتب وأجور اللبنانيين. لكنه اصطدم بواقع الحاجة لرفع الدعم عن الأدوية، تماشياً مع رفع الدعم كلياً او جزئياً عن الكثير من السلع المستوردة، فكان الخيار بالرفع الجزئي عن أدوية الأمراض المستعصية، فنال الوزير حصّة من الاستنكار، فالقرار يرفع أسعار الأدوية بما لا طاقة للمرضى على احتماله.

عملية التعويض على المرضى عبر توفير الدواء في السوق بكميات أكبر وبأسعار منافسة لما تستورده الشركات الكبرى، التي تمارس احتكاراً فعلياً للاستيراد، أتت عبر قرّاره يوم الإثنين 20 كانون الأول، إطلاق عملية “التسجيل المبدئي للدواء”، التي ستؤمّن الدواء بـ”جودة عالية وبأسعار مقبولة ومنافسة في السوق”. فالتسجيل المبدئي “سيؤدي إلى تسريع تسجيل الدواء في لبنان، باعتبار أن دورة التسجيل المتّبعة في الوزارة تستغرق وقتاً قد يطول لسنتين”. أي أن أي شركة تريد استيراد الدواء، عليها التقدّم بطلب لوزارة الصحة، ليدخل الطلب في دورة إدارية وتقنية طويلة قد تدوم لسنتين قبل إعطاء الإذن بالاستيراد، وهو ما يحرم السوق من أدوية هو بحاجة لها.

ضمان الجودة والسعر
حرص أبيض على عدم السماح بالنفاذ من ثغرات قد يخلقها التسجيل المبدئي، إذ في هذه الحالة يمكن استغلال الحاجة للسرعة، لتمرير أدوية غير ذات جودة. فأكّد أبيض على أنه “سيتم الحفاظ على ضمان جودة الدواء وتسعيره قبل طرحه في السوق، مع السماح للمستوردين بحضور أكثر ديمومة وتأمين استقرار السوق”.

ولضمان الجودة، على المستورد إظهار حصول الدواء المنوي استيراده على شهادة معترف بها عالمياً من منظمات مثل “الوكالة الأميركية للدواء FDA والوكالة الأوروبية للأدوية EMA أو منظمة الصحة العالمية”. أما الأسعار، فعليها أن تكون “منافِسة ومقبولة، لأن الهدف ليس استيراد أي دواء، إنما استيراد الدواء الذي يتمتع بجودة عالية مع توفير العبء المادي على المريض”.
على أن الاستيراد السريع بموجب الموافقة المبدئية، لا يعني التخلي عن الموافقة الأساسية المعتمدة في الوزارة. ولذلك، فإن “كل الأدوية التي ستستفيد من القرار الجديد ستعطى مهلة سنة حتى تستكمل عملية التسجيل العادية وتبقى في السوق اللبنانية”.

ترحيب بالقرار
بموجب قرار أبيض، “سيتوفّر الدواء بكميات أكبر وسيخفف ذلك حدّة التصادم مع المرضى الذين يحتاجون الدواء”. يقول أحد الصيادلة.

وفي حديث لـ”المدن”، يعرب الصيدلاني عن ترحيبه بالقرار الذي “يمثّل خطوة في طريق كسر الإحتكارات. فليس مقبولاً أن تحتكر شركة واحدة استيراد الأنسولين على سبيل المثال، فيما تصنيعه يأتي من عدّة مصادر قد لا تجد لها وكيلاً في لبنان يستورده، وبموجب القرار قد يتوفّر أكثر من مستورد”.
في المقابل، يحمي تسهيل الاستيراد “عملية نقل الدواء”. فالأزمة أجبرت المواطنين على طلب الدواء من الخارج عبر المغتربين الآتين إلى لبنان، وهؤلاء “لا ينقلون الدواء وفقاً للشروط الآمنة، ومنها درجات الحرارة وطريقة التخزين. وبتسهيل الاستيراد، ينقل المستورد الدواء بصورة آمنة”.
التأثير الأوّلي على الصيادلة إيجابي، ليس على مستوى الأرباح “فالمسألة لا تقاس من هذه الناحية فقط. فربح الصيدلاني محدد بنسبة 22.5 بالمئة على الدواء، يطرح منها بين 2.5 و3 بالمئة كضرائب ورسوم، لكن الربح الأساسي هو بتوفير الدواء وتحريك السوق، وإن كان الدواء الجديد أرخص”.

الرقابة ضرورية
يتحتَّم على كل دواء يدخل لبنان، الخضوع لفحوص المختبرات المحلية، وبغياب المختبر المركزي من جهة، والجديّة في المراقبة من جهة ثانية، لا يمكن الوثوق بكل الأدوية، حتى وإن أبرَزَت شهادات خارجية وصادقت عليها المختبرات المحلية. إذ يروي رئيس الهيئة الوطنية الصحية، الدكتور إسماعيل سكرية، حادثة تدل على صعوبة ضبط جودة الدواء الآتي من الخارج.

ففي إحدى المحاضرات عن الدواء في نقابة المحامين، “أشار محامٍ إلى أحد أصدقائه الذين يستوردون الدواء من فرنسا، قائلاً أنه عمل على استيراد دواء بسعر ينافس مثيله في لبنان، ولنجاح مسعاه، طلب من المَصنَع الفرنسي تأمين شروط المنافسة، فكان جواب المصنع، أن تخفيض السعر يجب أن يكون على حساب الجودة. ولدى سؤال المستورد مستغرِباً، عمّا إذا كانت هذه الطريقة متّبعة في فرنسا، أجابه مَن يتواصَل معه باسم المصنع، بأن المواطن الفرنسي يأتي أولاً”، في إشارة إلى عدم التلاعب بالنوعية مع المواطن الفرنسي.
هذا المثال ليس بسيطاً، وإنما يؤكّد إمكانية التلاعب حتى في بلد المنشأ. ومع ذلك، يؤيّد سكرية في حديث لـ”المدن”، قرار أبيض، سائلاً إياه التشدد في الرقابة. وخاصة حيال فتح باب الاستيراد بشكل فعلي وجدّي، ما يسمح بمنع الشركات الاحتكارية الكبرى من “استيراد الدواء وحجبه عن السوق، فقط لمنع أخرين من استيراده. فهناك شركات تسجّل أدوية معيّنة في وزارة الصحة، وتقطع الطريق على الآخرين لاستيراده، لكنها لا تطرح الدواء في السوق إلاّ وفق ما تراه مناسباً، على المستوى المادي”. ولذلك، يرى سكرية بأن على الوزير “استكمال قراره وتحريك ملف المختبر المركزي”.

بموجب القرار، سيتحرّك جمود سوق الدواء. لكن على أحدهم أن يراقب السعر والجودة كي لا يتحوّل لبنان، بموجب التساهل في الاستيراد، إلى حقل تجارب كبير، تطرح فيه أدوية مجهولة، ويصبح سعرها المنخفض أداةً لزيادة الفاتورة الصحية على المرضى، من خلال إحالتهم على المستشفيات بفعل الآثار الجانبية للأدوية الجديدة، وهو ما تشير إليه علامات الاستفهام التي يطرحها سكرية وبعض الصيادلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى