سيناريو الحل ليس صعباً.. متى ستموّل السعودية لبنان؟
محمد الجنون
لم يكُن وارداً لدى الخصوم السياسيين للحكومة في الدّاخل أن تكون هناك مُبادرة سعوديّة جديدة صوبَ لبنان. ففي ذروة الأزمة الديبلوماسية التي طرأت بين لبنان ودول الخليج بسبب تصريحات وزير الإعلام المُستقيل جورج قرداحي، كانت بعض الأصوات تتحدّث باستمرار عن “انقلابٍ سعودي” نهائي على بيروت، في حين أن هناك من صوّر المرحلة المُقبلة بـ”اليائسة” على صعيد العلاقات بين بيروت والرّياض.
في الواقع، فإنّ مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة بشأن لبنان مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كشفت عن معطيات ثابتة لا يُمكن التغاضي عنها، وهي تنبعُ من مطالب سعودية تعتبرُ مُحقّة جداً ولا يمكن للبنان أبداً التساهل بها بتاتاً.
في بادئ الأمر، تشيرُ أوساط سياسية مُتابعة إلى أنّ الرّياض ستبادر أكثر باتجاه بيروت، وأمر عودة العلاقات الدبلوماسية سيكون مرهوناً بخطوات عملية يجب أن تحصل قبل أي شيء. وهنا، يطرُح الشق الأمني والمخابراتي نفسه بقوّة، إذ بات مطلوباً من لبنان هذه المرّة الالتزام بتعهداته للسعودية بمكافحة تهريب المخدرات منه. وعلى ما يبدو، فإن الأجهزة الأمنية اللبنانية تلّقت هذا الأمر بشكل حازم هذه المرّة، وأي إخلال بالوعود المتعلقة بملف المخدرات، سينعكسُ سلباً على لبنان مرّة جديدة.
ومن هذا المُنطلق، جاءت الاجتماعات الوزارية والأمنية قبل أيام، وقد جرى خلاله التأكيد على ضرورة مكافحة التهريب وتشديد الإجراءات التي تضبط المعابر الحدوديّة المختلفة. وهنا، تقول مصادر أمنية لـ”لبنان24″ إنّ “القرارات باتت واضحة لضبط الحدود وإحباط عمليات تهريب المخدرات”، مشيرة إلى أنّ “الأجهزة الأمنية المختلفة باتت على أهبّة الاستعداد لتكثيف جهودها، وقد نشهد عمليات جديدة وشاملة تطال بؤراً مختلفة لتصنيع المخدرات في مناطق مختلفة”.
على صعيد “حزب الله”، فإنّ الاتهامات التي طالته بشأن تهريب المخدرات، شكّلت مدار حديثٍ كبير خلال الفترة الماضية، حتى أن بعض الجهات اتهمته بزعزعة العلاقات بين لبنان والسعودية عبر إرسال الحبوب المخدرة من لبنان إلى السعودية.
وتعليقاً على هذا الأمر، قالت مصادر مقرّبة من “حزب الله” لـ”لبنان24″ إنّ “هذه الادعاءات تندرج في إطار الاتهام السياسي”، مشيرة إلى أن “حزب الله لم يغطّ أحداً كانت له صلة بصناعة أو تهريب المخدرات”، وأضافت: “خلال الفترة الماضية، نفذ الجيش مُداهمات في مناطق بقاعية مختلفة وضبط خلالها مصانع لتصنيع حبوب الكابتاغون. حينها، لم يمنع حزب الله الجيش من ضرب تلك المصانع ووقف عملها ومصادر معداتها”.
مطلب سعوديّ آخر
ما تضمّنته المبادرة الفرنسية – السعودية بشأن لبنان كان كافياً لتوضيح الطريق نحو الحل، ومن وجهة نظر السعوديين والفرنسيين، فإنه بات لزاماً على الحكومة المضي قدماً في ما هو مطلوبٌ منها بأسرع وقتٍ ممُكن.
اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، يحتاجُ لبنان إلى مساعداتٍ وودائع مالية تُنعش اقتصاده ونظامه النقدي، لكن هذا الأمر بات مُرتبطاً بإصلاحات فعلية، ملموسة وواقعيّة. وضمنياً، فإن الأمر هذا كان واضحاً جداً في البيان السعودي – الفرنسي المشترك بشأن لبنان، في حين أن ماكرون أكّد أن السعودية مستعدة لتقديم المال لكن شرط تحقيق الإصلاحات. غير أن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو: كيف ستقدّم السعودية الأموال إلى لبنان؟
خلال السنوات الماضية، كانت المملكة تقدم الأموال للبنان بشكل متواصل، وذلك على هيئة ودائع مالية وهبات، كما أن المساعدات للجيش لم تكن محصورة أبداً. أما اليوم، فإن ما يتبين هو أن السعودية لن تقُدم الأموال إلى لبنان بشكل مُباشر كما كان يحصلُ سابقاً، والمطلب الأساس اليوم بالنسبة لها ولجميع دول الخليج، هو أن تكون هناك أسس واضحة لكيفية صرف الأموال والمساعدات، والجهات التي ستستفيدُ منها.
إضافة إلى ذلك، فإن السعودية ترى أن الحكومة في لبنان يجب أن تلتزم الشفافية في هذا الأمر، في حين أن المطلوب اليوم المضي نحو إصلاح النظام النقدي والمالي لتدخل ضمنه المساعدات والأموال والاستثمارات الخليجية بشكلٍ واضح، وهذا الأمر يحتاجُ معالجة داخلية للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
مع هذا، فإنّ المستثمرين الخليجيين والسعوديين والغربيين لن يُبادروا إلا عندما تكون هناك أرضية نقدية واضحة وثابتة، وهذا مطلب الاقتصاديين أولاً والخبراء الماليين. وهنا، فإن عدم ضبط الدولار وغياب بنية نقدية متينة، يجعل من الصعب على أي مستثمر المخاطرة لدفع دولارات في لبنان، لأنها قد تضيع وتتبخر بسبب عدم وجود ضوابط للسوق. وبالتالي، فإن تحقيق الإستقرار النقدي يعني دخولاً للاستثمارات وبالتالي تدفق إلى الدولار إلى لبنان وانتعاشاً للعملة الوطنية.
في المحصّلة، فإن كل هذه الأمور مرهونة بالإصلاح الداخلي في لبنان، وهذا الأمر يقع على عاتق الجهات السياسية مُجتمعة التي يجب أن تدرِك أولاً وأخيراً أهمية التعاون مع الحكومة لتمرير الإصلاحات المطلوبة واستقطاب الاستثمارات الخليجية من جديد إلى لبنان.
المصدر: خاص “لبنان 24”