موقع اليمن الاستراتيجي: حارس باب المندب
محمد أبو راس* – خاص الناشر
تتعدد الأطماع الخارجية في اليمن بتعدد المناطق الحيوية فيه، سواء كانت هذه المناطق ذات أهمية جيوسياسية أو عسكرية أو اقتصادية. من أهم هذه المناطق باب المندب، ذلك المضيق الذي كان ولا يزال شاهدًا على العديد من النزاعات والصراعات والحروب الطاحنة، أبرزها إغلاقه بوجه ناقلات النفط المتجهة لدعم الكيان الصهيوني في حرب أكتوبر التحريرية عام 1973.
يقع المضيق بين دولتي اليمن وجيبوتي، ويفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا، ويتوسط القارات الخمس، وما يميزه أنه يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة، والبحر الأبيض المتوسط من الجهة الأخرى، عدا عن عرضه البالغ نحو 30 كم، وتقسمه جزيرة بريم اليمنية إلى قناتين، الشرقية البالغ عرضها 3 كم وعمقها 30 مترًا، والغربية بعرض نحو 25 كم وعمق 310 أمتار.
ظلت أهمية باب المندب محدودة حتى افتتاح قناة السويس 1869 وربط البحر الأحمر وما يليه بالبحر المتوسط وعالمه، فتحول إلى واحد من أهم ممرات النقل والمعابر على الطريق البحرية بين بلدان أوروبية والبحر المتوسط، وعالم المحيط الهندي وشرقي أفريقيا. زاد في أهمية الممر أن عرض قناة عبور السفن، الواقعة بين جزيرة بريم والبر الإفريقي 16 كم وعمقها 100 – 200م، مما يسمح للسفن وناقلات النفط بعبور الممر بسهولة على محورين متعاكسين متباعدين. وازدادت أهميته بوصفه واحدًا من أهم الممرات البحرية في العالم، مع ازدياد أهمية نفط الخليج. ويقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه في الاتجاهين، بأكثر من 21000 قطعة بحرية سنويًا (57 قطعة يوميًا).
وقد مر عبر المضيق نحو 3.8 ملايين برميل في اليوم عام 2013، أي نحو 6.7 في المائة من تجارة النفط العالمية. وتدفق نحو 4.8 ملايين برميل يوميًا من النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة عبر باب المندب عام 2016 في اتجاه أوروبا والولايات المتحدة وآسيا وفقًا للإدارة الأميركية لمعلومات الطاقة. ويمثل مضيق باب المندب أهمية بالغة لمصر، لأن نحو 98 في المائة من البضائع والسفن الداخلة التي تمر عبر السويس تمر من خلال المضيق.
لليمن أفضلية استراتيجية في السيطرة على الممر لامتلاكه جزيرة بريم، إلا أن القوى الكبرى وحليفاتها عملت على إقامة قواعد عسكرية قربه وحوله، لأهميته العالمية في التجارة والنقل. وتبقى أهمية باب المندب مرتبطة ببقاء قناة السويس أولًا وممر هرمز ثانيًا مفتوحين للملاحة، أمام ناقلات النفط خاصة.
وباعتبار اليمن حارسًا لباب المندب لما يمثله المضيق من أهمية استراتيجية كونه يصل ما بين البحر الأحمر والمحيط الهندي عبر قناة السويس، وبسبب معركة النفوذ على هرمز تود الدول المجاورة بسط نفوذها على باب المندب كبديل. ولدى الكيان الصهيوني نفوذ في باب المندب بالتنسيق مع جيبوتي وأثيوبيا واليمن وإن كان خسر بعض نفوذه بسبب التدخل الأميركي خلال العقود الماضية.
ثورة 21 سبتمبر 2014
بعد ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014 والتي قامت بالأساس رفضًا للوصاية الأميركية والسعودية وغيرها، وحافظت على سيادة القرار اليمني وحماية ووحدة أراضيه، ومحاربة الجماعات التكفيرية الإرهابية، بعد هذه الثورة بأشهرٍ قليلة قررت الإدارة الأميركية حينها (25 مارس 2015) شن عدوان على اليمن بمشاركة صهيونية وبأدوات رجعية عربية تتقدمها السعودية والإمارات وغيرهما. بعد هذا العدوان على اليمن بأربعة أيام أعلن رئيس وزراء كيان العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن مخاوفه الشديدة من سيطرة القوى اليمنية الجديدة على باب المندب، واعتبر نتنياهو أن اليمن أصبح ضمن محور يشكل تهديدًا حقيقيًا ووجوديًا على إسرائيل ويجب التصدي له. وفي العام 2018 عاد نتنياهو مجددًا للحديث عن باب المندب مهددًا بتشكيل قوة عسكرية لحماية المضيق، وجاءت تصريحات نتنياهو بالتزامن مع بيان تحالف العدوان على اليمن حول التنسيق مع المجتمع الدولي من أجل تواجدهم في باب المندب بحجة حماية الملاحة البحرية والتجارة العالمية.
مؤخرًا شرعت الإمارات بإنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة بريم (ميون) التي تتوسط باب المندب وتأهيل المطار فيها، بعد أن فككت قاعدتها في عصب الإرتيرية، فضلًا عن ذلك، أنشأت كيانات سياسية وميليشيات عسكرية في هذه المناطق الحيوية، حيث إن سيطرة الإمارات تعني حضورًا أو تواجدًا إسرائيليًا في هذا المضيق، خاصة بعد العلاقات المتطورة بين البلدين وإعلان التطبيع رسميًا. كذلك فإن باب المندب يعني لإسرائيل ما يعني لمصر من أهمية، لا سيّما إذا ما نُفذ مشروع قناة بن غوريون الذي تروج له بديلًا لقناة السويس.
على الرغم من العدوان والحصار على اليمن منذ مارس 2015 إلا أن القوى الوطنية اليمنية المواجهة للعدوان تتقدم بشكل متسارع وخصوصًا باتجاه الساحل الغربي والبحر الأحمر ومعلنة أكثر من مرة عن استمرار حمايتها للملاحة الدولية. بالمقابل سرعان ما ظهرت أهداف غير معلنة لتحالف العدوان، ترجمها على الأرض تواجد قوات أجنبية أميركية – بريطانية – صهيونية – سعودية – إماراتية، من خلال السيطرة على المناطق الحيوية والاستراتيجية، وإنشاء ودعم كيانات سياسية وميليشيات عسكرية، الأمر الذي يستدعي قراءة تأثير الجغرافيا السياسية في تطور اشتباك العلاقات اليمنية بمحيطها الإقليمي، لا سيّما مع الدول الخليجية التابعة للتوجيهات الأميركية والصهيونية.
*كاتب يمني