ٍَالرئيسية

لماذا أصبحت عودة نتنياهو إلى المشهد السياسي في إسرائيل أقل احتمالاً

بواسطة نيري زيلبر

من خلال إقرارها الميزانية، وتجنبها الاستقطاب، وتخفيفها من حدة الخطاب (إن لم يكن من الضغط العسكري) على إيران، ربما تكون الحكومة الإسرائيلية الائتلافية الحالية برئاسة نفتالي بينيت قد همشت رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو على المدى الطويل.

في خطابه الأخير كرئيس للحكومة الإسرائيلية في حزيران/يونيو، بعث بنيامين نتنياهو برسالة إلى أتباعه ومنتقديه على حد سواء، داخل البلاد وخارجها، قائلاً: “سنعود قريباً!” وبعد خمسة أشهر، يبدو أن الوفاء بهذا الوعد يصبح مستحيلاً أكثر فأكثر.

فالحكومة الجديدة بقيادة رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت حققت انتصاراً سياسياً مهماً في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر من خلال الموافقة على ميزانية وطنية للمرة الأولى منذ 2018. وجاء ماراثون التصويت الذي دام ثلاثة أيام في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) متوافقاً مع سياسة الحزب حيث حصل على 61 صوتاً مقابل 59، فأخذ أعضاء الحكومة يهللون ويلتقطون صور سلفي احتفالاً بالفوز.

وقد بشّر مشروع قانون الميزانية بنوع من الاستقرار الاقتصادي في إسرائيل بعد عامين على إعداد موازنات مخصصة. والأهم من ذلك أنه أشار إلى أن الإئتلاف الحالي سيدوم أكثر مما كان متوقعاً وقد يصمد حتى انتهاء ولايته في عام 2025 – رغم أن حكومة بينيت تحتفظ بالهامش الأضيق في الكنيست وتضم أحزاباً لديها أجندة سياسية متضاربة.

وخلال المداولات التي دارت في الأسبوع الأول من هذا الشهر في الكنيست بشأن الميزانية، قال بينيت أن إسرائيل عانت من “الفوضى والإدارة الفاشلة والشلل الشامل” خلال السنوات القليلة الماضية في ظل حكم نتنياهو؛ مضيفاً أن البلاد تحولت إلى “أداة في لعبة شخصية”، في إشارة إلى المناورات السياسية الكثيرة التي نفذها نتنياهو بهدف التهرب من تهم الفساد الموجهة ضده. وكانت إحدى المناورات قد شملت عدم تمرير ميزانية أواخر العام الماضي عن قصد والتسبب بانهيار حكومته – مما دفع بالبلاد إلى انتخابات وطنية رابعة في غضون عامين.

وكانت نتائج ذلك التصويت الذي جرى في آذار/مارس، على غرار الدورات السابقة، غير حاسمة إلى حدّ كبير. لكن بينيت تمكّن من تشكيل ائتلاف مستبعد تألف من فصائل يمينية مؤيدة للاستيطان (بدءاً بحزبه)، وأحزاب يسارية داعمة للسلام وعدد محدود من الأحزاب الوسطية، وللمرة الأولى فصيل إسلامي إسرائيلي-عربي.

تجدر الملاحظة أن حزب بينيت لديه 6 مقاعد فقط في الكنيست، مما يجعله أضعف رئيس وزراء في تاريخ البلاد. وفي إطار اتفاق الإئتلاف، سيتولى وزير الخارجية يائير لابيد – الذي يحمل أيضاً لقب رئيس وزراء بديل وكان المهندس الفعلي للحكومة الجديدة – رئاسة الحكومة في آب/أغسطس 2023.

وفي هذا السياق، قال أحد كبار المسؤولين في الحكومة، طلب عدم الكشف عن هويتة لكي يتحدث بصراحة لمجلة “فورين بوليسي” في الأسبوع الأول من هذا الشهر إن “أي دولة طبيعية تعمل وفق ميزانية. والآن سنصبح مجدداً دولة طبيعية”، مضيفاً “وهذا أيضاً إثبات على أن الحكومة تؤدي عملها بشكل جيد، حتماً أفضل مما كان قد توقعه بعض المشككين. لقد تجاوزنا عقبة كبيرة قوّضت العديد من الإئتلافات في الماضي”.

وكان إقرار الميزانية أولوية مركزية للحكومة الجديدة خلال الأشهر الأولى من عهدها: فوفقاً للقانون، على الحكومة الإسرائيلية الموافقة على الميزانية أو يتم حلها تلقائياً. كما نجحت الحكومة في التصدي لموجة رابعة من جائحة “فيروس كورونا”، حيث أطلقت أول حملة جرعة معززة في العالم وسط إبقاء اقتصادها مفتوحاً. وكانت أعداد الحالات قد تراجعت خلال الأسابيع القليلة الماضية بعد ارتفاع ملحوظ في أواخر الصيف.

أما نتنياهو، فكان يشجع علناً أعضاء الإئتلاف الأفراد على الانشقاق قبل التصويت بهدف إلغاء الأغلبية التي يتمتع بها بينيت. لكن الآن بعد إقرار مشروع قانون الميزانية، يرى المحللون أن الإطاحة بحكومة بينيت-لابيد أصبحت أكثر صعوبة بكثير.

فاقتراحات حجب الثقة لا تتطلب تصويتاً بالأغلبية في الكنيست فحسب بل أيضاً حكومة ورئيس وزراء بديلين مناسبين يتمّ الاتفاق عليهما مسبقاً. وبما أن نتيناهو لا يزال شخصية مثيرة للجدل في السياسة الإسرائيلية، ففرص إجماع أغلبية النواب على جعله يترأس حكومة بديلة تبدو مستبعدة.

ومن شأن خيار ثانوي يقضي بحل الكنيست أن يؤدي بشكل شبه مؤكد، بحكم القانون، إلى جعل لابيد رئيس حكومة تصريف أعمال قبل إجراء انتخابات جديدة أخرى – وهو إجراء من المستبعد أن يختاره بينيت وحلفاؤه.

وكان نتنياهو على ما يبدو قد بدأ بالتمهيد لهذا الواقع السياسي الجديد واستيعابه. ففي هذا الإطار، صرّحت تال شاليف رئيسة مراسلي القسم السياسي لمدخل الويب الإسرائيلي “أخبار ولّا”، لمجلة “فورين بوليسي” بأن “نبرة نتنياهو قد تغيرت في الآونة الأخيرة، وهو الآن يقول لمناصريه إن عودة “حزب الليكود” إلى السلطة قد تستغرق المزيد من الوقت – ليس أسابيع بل سنوات”.

بدوره، أعلن أحد النشطاء في “حزب الليكود” بزعامة نتنياهو يولي إدلشتاين، الذي كان في الماضي عضواً في حكومة رئيس الوزراء السابق، الشهر الماضي أنه سينافس نتنياهو في الانتخابات التمهيدية داعياً الناخبين إلى “التفكير ملياً”. وحتى الآن، فشل مسعى نتنياهو لإجراء انتخابات مبكرة على مستوى القيادة. وأضاف إدلشتاين “عندما وقفنا في صف بنيامين نتنياهو، فشلنا أربع مرات في تشكيل حكومة. فكيف لنا أن ننجح فجأة في المرة الخامسة؟”

غير أن شاليف رأت أنه من السابق لأوانه استبعاد نتنياهو – الذي ترأس حكومة إسرائيل خلال 15 عاماً من الأعوام الخمسة والعشرين الماضية، قائلةً “لا يزال نتنياهو يحقق نتائج جيدة في صناديق الاقتراع، وطالما يبقى الوضع على ما هو عليه فمن المفترض أن يكون مناسباً له”. وتابعت “لكن بصراحة من الصعب معرفة ما الذي يفكر به حالياً، فلا أحد يفهم فعلاً ما الذي يخطط له”.

وذكرت شاليف أن نتنياهو يأمل بروز انقسامات يتمكّن من استغلالها ضمن الإتئلاف الحاكم – أي خلافات حول مسائل شائكة بما فيها العلاقات مع الفلسطينيين أو تصعيد عسكري في غزة أو لبنان، قائلةً: “خلاصة الأمر إنه ثمة عدة أسباب تدعو للتفكير بأن الإئتلاف لن ينهار”، مضيفةً “لكن قضايا صغيرة في السياسة قد تتحول بسرعة إلى أزمات كبيرة”.

ومن المؤكد أن التوترات بين معسكر اليمين واليسار في الحكومة قد تزايدت خلال الأسابيع القليلة الماضية بشأن خطط إنشاء مستعمرات في الضفة الغربية وتصنيف وزير الدفاع لست منظمات فلسطينية غير حكومية على أنها إرهابية. وقد حث بينيت ولابيد شركاءهما على وضع الخلافات جانباً والتعاون لإقرار الميزانية. وبعد تحقيق هذا الهدف، يعتقد بعض المحللين أن الأحزاب الأكثر إيديولوجية في الإئتلاف قد تميل في الواقع إلى الاختلاف كوسيلة لكسب تعاطف القاعدة الأساسية لمؤيديها.

من جهته، لفت كبير المسؤولين في الحكومة إلى أن “الإئتلاف لا يزال ضيقاً بحيث أنه يضم 61 مقعداً [أي أغلبية نيابية بمقعد واحد]، وأضاف أنه “لن تبرز مشاكل جدلية كبيرة. فالأمر الإيجابي حيال هذه الحكومة هو أن أعضاءها لا يزالون قادرين على التمسك بمعتقداتهم”. واستطرد متحدثاً عن سلسلة من المبادرات التشريعية المقبلة التي تركز جميعها على مشاكل محلية، بما فيها الاتحادات المدنية في إسرائيل ومنع أي شخص صدر بحقه قرار اتهامي – على سبيل المثال نتنياهو الذي لا تزال محاكمته بتهمة الفساد تسير ببطء – من أن يصبح رئيس وزراء.

أما على صعيد الشؤون العسكرية والخارجية، فمن المرجح أن تكون هناك استمرارية أكثر من تغير كبير. فقد واصلت الحكومة الجديدة ضرب أهداف إيرانية في سوريا وأفادت بعض التقارير أنها نفذت هجمات سيبرانية داخل إيران. ويعارض بينيت عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015، تماماً كنتنياهو، لكنه قلل من أهمية الخلافات مع إدارة بايدن حول المسألة.

وفيما يتعلق بغزة، وفّرت الحكومة الجديدة بعض الارتياح الاقتصادي إلى حركة «حماس» والجيوب المحاصرة مقابل تخفيف الأعمال العدائية والهدوء المؤقت – وهي السياسة نفسها التي انتهجها نتنياهو. وفي هذا الصدد، قال عاموس هارئيل، الصحفي العسكري المتمرس في صحيفة “هآرتس” لمجلة “فورين بوليسي” إنه “على صعيد الشؤون العسكرية، ربما يكون قد برز تحول بمقدار 20 أو 30 درجة في مسائل محددة بين نتنياهو وبينيت، لكن ثمة فجوة بين خطاب هذه الحكومة وأفعالها” من ناحية مدى اختلاف سياساتها عن نتنياهو.

وأضاف هارئيل أن مقاربة الحكومة إزاء الفلسطينيين أثبتت أنها نوعاً ما أكثر توافقاً من تلك التي انتهجها نتنياهو، ويعزى ذلك عموماً إلى مشاركة الأحزاب اليسارية في الإئتلاف الجديد. فقد وضعت حكومة بينيت سياسة من تدابير بناء الثقة – معظمها اقتصادية حتى الآن – من خلال دعم “السلطة الفلسطينية” في الضفة الغربية.

ووفقاً للمسؤول المذكور سابقاً، ستواصل الحكومة السماح بتوسيع الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية لاحتواء “النمو الطبيعي”، رغم أنه من المرجح أن يدحض أعضاء الحكومة من اليمين المتطرف هذا التعريف إلى أقصى حدّ ممكن. فأي توسع استيطاني كبير، ولا سيما في عمق الضفة الغربية أو القدس الشرقية قد يواجَه بإدانة أمريكية.

فضلاً عن ذلك، يبدو أن أزمة تلوح في الأفق مع واشنطن حول نية إدارة بايدن إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، التي كانت تقدّم خدماتها للفلسطينيين لكن الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب أمر بإغلاقها عام 2019. وأضاف المسؤول أن تلك الخطوة كانت “خطاً أحمر مطلقاً” بالنسبة لبعض أعضاء الحكومة وقد تؤدي إلى اضطرابات داخل الإئتلاف. من جهتها، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستنتظر إقرار الميزانية للمضي قدماً بهذه المسألة.

كذلك، أشار هارئيل، المحلل العسكري، إلى أن المسألة الأساسية هي كيفية محاولة بينيت حشد الدعم الشعبي قبل انتهاء ولايته. فالتركيز على الشؤون الداخلية بدلاً من تلك العسكرية قد يكون المسار الأكثر سهولة، نظراً إلى دمج حزب عربي في ائتلافه. وفي هذا الإطار طرح هارئيل السؤال التالي: “هل سيرث مشاكل تغيير المناخ والقضايا المحلية أو فقط السياسة الخارجية كما حصل مع رؤساء الوزراء السابقين – أي ممن يقولون سأكون أنا من يضع حداً لبرنامج إيران النووي؟”

وفيما يخص القضية الأخيرة، خفف كبار المسؤولين الإسرائيليين من حدة الخطاب الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، مما سمح بإجراء محادثات أكثر تفاوتاً. وقد رأى هارئيل أن “المؤسسة الأمنية على الأخص قد تنفست الصعداء، فأصبح بإمكانها التحدث بحرية أكبر عن استئناف المحادثات النووية”، مضيفاً أن “كل شيء أقل جنوناً وأكثر واقعية ووضوحاً” بالمقارنة مع عهد نتنياهو.

وقد بعثت هذه الاختلافات بين بينيت ونتنياهو، رغم أنها تركز أكثر على الأسلوب من الجوهر، ببعض الارتياح في الخارج أيضاً. فقد أمضى بينيت بداية هذا الشهر في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021 في غلاسكو حيث استقبله قادة العالم بحفاوة. أما داخل إسرائيل وبعيداً عن الأضواء، فقد تُرك نتنياهو يُصدر تغريدات تندد بالحكومة.

وكان نتنياهو قد حذر خصومه في حزيران/يونيو الماضي بينما كان يستعد لمغادرة منصبه قائلاً “تعلمون أنني عدت مرتين – مرتين – من معسكر المعارضة”. لكن عودة ثالثة تبدو أقل احتمالاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى