الحدث

ثانويّات لبنان تصرخ: إرحمونا “كورونا” يحاصر المدارس الرسمية والمعلّمون يعيشون الذلّ

الجائحة مستمرة

نوال نصر-نداء الوطن
بلا لفٍّ ودوران، واقع جائحة كوفيد-19 في مدارس وثانويات لبنان، يُنذر بخطرٍ نهرع في اتجاهه كمن يلقي نفسه في النار. فهل نقول: ما يصيبنا، نصيبنا؟ أم نطالب وزارة التربية بإجراءات عاجلة ونلحّ عليها قبل فوات الأوان؟

مدارسنا محاصرة بكورونا. ثمة همس كثير، في الموضوع، بين مدراء المدارس والثانويات. ثمة قلق كبير بأن الآتي “وبائياً” قد يكون أشد إيلاماً. ننصت الى مدراء المدارس وهم يتبادلون الحديث، في مجالسهم الخاصة المغلقة، عن توجساتهم. ننصت إليهم يتكلمون همساً ما يُمنع عليهم إعلانه من دون إذن رسمي “فالإذن يُعطى من الوزارة” والوزارة نائمة على حرير أن الموسم الدراسي “عال العال”. وشتان ما بين الواقع والظنّ.

أيامٌ قليلة وندخل في شهر الأعياد. ألا تتذكرون ما حدث قبل عام ونحن نخرج من شهر الأعياد؟ مئات الوجوه غابت. عائلات إستسلم فيها أكثر من فرد وانهزم في معركة شرسة ضد كورونا. يومها لم تكن المدارس مفتوحة. لكن، كان المطار مفتوحاً. اليوم المطار مفتوح والمدارس مفتوحة والخطر بدأ يدقّ الأبواب. يومياً نسمع عن مدارس خاصة أقفلت إداراتها صفوفاً فيها. لكن، ماذا عن المدارس والثانويات الرسمية؟ هنا الخطر أكبر.

على طبقة واحدة

إكتظاظ

جلس أربعة مدراء مدارس وثانويات رسمية وبدأوا “يفضفضون” ويروون وقائع خطيرة تتكرر عندهم. مدير ثانوية في الشمال وصلته للتوّ رسالة عبر هاتفه من معلمة “داخت” قبل يوم لكنها أصرّت أن تدخل الى الصف. رآها تعبة، منهكة، لونها غير طبيعي، فطلب منها العودة فوراً الى منزلها وإجراء PCR والنتيجة أصبحت الآن لديه: “بوزيتيف”. أستاذ آخر كان “مبلبل” الأفكار، مشتتاً، كرر عليه نفس الطلب والنتيجة ايضاً: إيجابية. مديرة مدرسة في الكورة نقلت هي أيضاً واقع مدرستها: أربع معلمات في مدرستها أصبنَ بكورونا في أسبوع. مديرة ثالثة في القبيات إعترفت بدورها أنها “مكورنة”. ومديرة مدرسة في طرابلس، في الأحياء الشعبية، إنضمت في معلوماتها الى هؤلاء: ثلاثة من المعلمين لديّ أيضاً تأكدت إصابتهم. الأرقام تزيد. الإصابات كثيرة. والطلاب يتعلمون. لكن، ماذا عن هؤلاء؟ هل أقفلت تلك المدارس والثانويات صفوفها؟ وما هي الإجراءات التي اتخذت؟

يبدو أن المشكلة وما فيها أن الصفوف إستمرّت عادية. وأكثر من 90 في المئة من تلك المدارس لا تضم ممرضة خاصة. كما أنها تشهد إكتظاظاً في الصفوف لا يراعي بروتوكول وجود مسافة متر ونصف بين طالب وآخر. الطلاب يجلسون جنباً الى جنب، على نفس الطبقة، وهناك صفوف تضم أكثر من 35 أو 36 طالباً. إحدى المرشدات الإجتماعية أتت البارحة الى ثانوية في الشمال فسألها المدير: ألا يقول البروتوكول بوجوب وجود مسافة بين طالب وآخر؟ هزّت برأسها قائلة: “ليس كل ما يقال ممكن… وهيك قرّر الوزير”.

هل تحمي الكمامة وحدها؟

من أجل الـ 90 دولاراً

بين “القرار” و”الممكن” فارق يتجاوز المسافة بين السماء والأرض. ليست هنا فقط “كل الحكاية”. فهناك معلمون ومعلمات يخفون الآن إصابتهم لسببٍ قد لا يخطر في بال أحد. هؤلاء حريصون على ألا يتغيبوا عن الدوام لأن القرار “التحفيزي” الصادر عن وزارة التربية والقاضي بحصول كل معلم على علاوة شهرية وقدرها 90 دولاراً، يحضر كل أيام الدراسة، يتوقف إذا سجّلت على المعلّم نسبة غياب تعدّت الـ 10 في المئة. يعني عند غيابه يوماً واحداً فقط قد يلغى حصوله على المبلغ التحفيزي. وهذا ما يرى فيه مدراء المدارس نوعاً من الذل اللاحق بأساتذتهم، ويجعلهم لا يهتمون بما قد يسببونه إذا أخفوا الإصابة. مبلغ 90 دولاراً أصبح أهم الى هؤلاء في وقتٍ أصبح مجموع راتبهم الشهري يعادل مئة دولار وأقل. وهذا، كما يراه المدراء، جريمة.

وزارة التربية كانت قد أعلنت في 15 تشرين الأول الماضي أنها استطاعت تأمين منح قيمتها 14 مليون دولار للمدارس الرسمية، سيتم الدفع من خلالها مبلغ 90 دولاراً لأساتذة الملاك في المدارس الرسمية كمساعدة خلال العام الدراسي الحالي. ومنذ يومين أعلنت الآلية: تعطى الحوافز المالية من مساهمة البنك الدولي لتأمين وصول الأساتذة والمدرسين والموظفين وسائر العاملين في الثانويات والمدارس الرسمية الى مراكز عملهم في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة، شرط الإلتزام بالقيام بالمهام المطلوبة من كل منهم، على ألا تتجاوز فترة الغياب المبرر عن نسبة 10 في المئة من أيام الحضور المطلوبة. أما بالنسبة الى المتعاقدين فيتقاضون 20 دولاراً للذين يبلغ حضورهم الأسبوعي 4 حصص وما دون، على ان يتقاضى من يحضر بين 5 و17 ساعة أسبوعياً 5 دولارات عن كل ساعة إضافية. هي حسابات رجل مصرفي هو معالي وزير التربية الذي بملك أفكاراً تحفيزية لكن ما حصل أن المعلمين والاساتذة دفعتهم ظروفهم الى الإذعان على حساب الصحة العامة. هو إذعان الذل لمن يفترض أن يكون رسولاً.

من يأخذ القرار الملائم؟

مدارس وثانويات لبنان في خطر. الأساتذة والطلاب وأهالي الطلاب في خطر. هذا ليس معناه طبعاً إقفال المدارس بالمطلق لكن إتخاذ الإجراءات الصحية، بالتباعد المطلوب، بحسب البروتوكول المنصوص عليه وهو لا يُطبق بعلم وزارة التربية وبرضاها. ثلاث مشاكل تعترض القطاع اليوم: أولها، لا تباعد أبداً واكتظاظ مخيف. ثانيها، لا إرشاد صحياً في تلك المدارس والثانويات. وكل ما هناك من هذا النوع من الإرشاد هو وجود أستاذ، في بعضها، قارب خروجه على التقاعد هناك عرف بوضعه في ذاك الموقع وهو يعلم في الموضوع كما يعرف “دويك في المدينة”. وثالثها، هو الذلّ اللاحق بالأساتذة والمعلمين الذين يقبلون بمخاطر كورونا مقابل عدم خسارة 90 دولاراً إضافية ستعطى لهم على سعر المنصة لا “فريش”.

ماذا عن أصول التبليغات التي يقوم بها مدراء المدارس حين يكتشفون حالات كورونا لديهم وهي كثيرة؟ يجيب أحد مدراء تلك المدارس: “نتصل أولاً بالخط الساخن في الوزارة، وفي أغلب الأحيان ليس من مجيب. الخط دائماً مشغول، ويعود القرار في الموضوع، بإقفال الصف من عدمه، الى رئيسة دائرة التعليم الثانوي هويدا خليل التي ترفض دائماً إعطاء الإذن بإقفال الصفّ. كما تلوم المدراء في حال أخذوا القرار منفردين بقولها: “من سمح لكم بذلك؟”. هنا يقع المدراء بين شاقوفين: إما الإبقاء على الصفوف التي فيها مخالطون بكورونا مفتوحة مع ما قد يتسبب ذلك من أخطار أو الإقفال رغماً عن “الوزارة” مع ما قد يستتبع ذلك من ورطة يقعون فيها.

ممنوع إقفال أي صفٍ يظهر المعلم فيه مصاباً بكورونا. وهذا أمر شبه محسوم فالوزارة تدعي أن هناك مسافة آمنة بين المعلمين والطلاب الملتزمين بوضع الكمامات طوال وجودهم في الصف ما يؤمن حمايتهم. من ميل آخر، يتحدث المدراء عن طلاب يأتون غالباً، خصوصاً مع بداية البرد والزكام، مصابين بأعراض شتى، صعب أن تحسم المدارس أسبابها، خصوصاً ان الأهالي يعطون أولادهم المسكنات التي تخفي أعراض الحرارة. إنها مشكلة. والحلّ؟ قد يكون الحلّ تأخر ويتمثل بتوزيع طلاب الصف الواحد المكتظ على صفين لكن الوزارة تحاول ألّا تتكبد كلفة أجور إضافية لأساتذة متعاقدين فتحسم الأمر بالإبقاء على الوضع على ما هو عليه.

القرار لديه

على طريق الإقفال!

البارحة، شعرت مديرة مدرسة رسمية في طرابلس بسوء وضع إحدى الطالبات فسألتها عن حالها. فقالت: زكام عادي. فأتت بمعقم وسألتها إذا كانت تتنشق الرائحة فأجابت بالنفي. فقالت لها: مطلوب منك إجراء PCR. وطبعاً لا قدرة لأهل تلك الطالبة على ذلك فأرسلتها الى البلدية حيث هناك حملة فحوصات مجانية. مدراء المدارس والثانويات الرسمية باتوا يلعبون دور التحري اليوم لالتقاط الإشارات. وهذا ما زاد طين الأزمة التي يمرون بها بلاء.

هناك شبه إجماع بين هؤلاء المدراء على أنه لن يمرّ وقت طويل قبل صدور قرار إقفال المدارس، ربما بعد أن تكون المدارس الخاصة قد تقاضت بعض أقساطها. فالوضع الصحي جد متردٍ ولا يختلف إثنان على ذلك. اللهمّ ألّا يحدث ذلك بعد أن تكون الأزمة قد تجاوزت إمكان استيعابها.

نحن نعيش أزمات لا تنتهي، فما بالكم بأزمة إشتداد جائحة كورونا، كالتي حصلت قبل عام بالتمام والكمال، مع فارق أن اليوم لا مستشفيات قادرة على استيعاب الأزمة ولا أدوية ولا من يحزنون.

كورونا بدأ يحاصر المدارس جدياً. فهل هناك، في زمن الصمّ الرسمي، من يبالون؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى