مخاوف بريطانية على لبنان..الأمن والحرب
مهند الحاج علي|المدن
أثارت النصيحة البريطانية للرعايا بعدم السفر الى لبنان باستثناء “الضروري منه” ودون “المناطق التي تنصح وزارة الخارجية بعدم زيارتها”، الكثير من التساؤلات. حتى وردت في تقارير ومقالات بعض التأويلات القائلة باحتمال معرفة لندن بحدث أمني كبير سيحدث، بناء على معلومات استخباراتية أو تقويمات محددة.
الواقع أن هناك مزيجاً من التقويمات المتراكمة وراء هذا التحذير، وليس حدثاً واحداً، على المستويين الداخلي والخارجي.
أولاً، ليس هناك اتفاق مع صندوق النقد الدولي في الأفق. الصندوق يُريد من الجانب اللبناني مجموعة شروط غير قابلة للتحقق، وليست هناك رغبة فعلية في الاتفاق مع هذه الحكومة بالذات، بل ربما مع حكومة أخرى بعد الانتخابات النيابية، وهذا يُؤجل الموضوع لأكثر من سنة. في موازاة ذلك، يُواصل الوضع الاقتصادي والاجتماعي التفكك، بما يرفع احتمالات تردي الأمن بشكل أوسع مما حصل خلال الشهور الماضية، أكان لجهة الاشتباكات أو السرقات أو الحوادث الأمنية. وهذا كان متوقعاً قبل سنة، لا بل تأخر نتيجة عوامل اجتماعية بحتة. وهو وحده كاف لإصدار التحذير عينه.
ثانياً، احتمالات إعادة الاتفاق النووي ضئيلة، وبات الخيار العسكري الإسرائيلي مقلقاً. هناك سباق بين الجهود الأميركية للعودة للاتفاق، ولو بشكل تدريجي، وبين القدرات الإيرانية في المجال النووي، ومعها القلق الإسرائيلي المتنامي. هنا، يبدو أن لدى الجانب البريطاني معلومات مُحددة، وربما بناء على نقاشات مع مسؤولين إسرائيليين، حيال احتمالات الضربة، مهما كان شكلها، أكانت عسكرية مباشرة، أو أمنية الطابع كما حصل مع اغتيال محسن فخري زاده أبرز وجوه البرنامج النووي الإيراني في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أي قبل عام بالتمام والكمال. في حال وقوع الضربة بأي شكل، عمليات قصف أو تفجير متزامنة، وعجزت طهران عن ردها، ألن تلجأ الى استخدام ورقتها اللبنانية؟ ذاك أن لبنان هو الاستثمار الأكبر والأنجح للجانب الإيراني، ولا قدرة تنفيذية كاملة سوى فيه، إذ أن الرد من سوريا ممنوع روسياً، ومن العراق مُعقّد لوجستياً وسياسياً كذلك. أصل الاستثمار الإيراني في لبنان، هو من أجل هذه اللحظة: أن يفتح وكلاؤها جبهة ضد إسرائيل حال وقوع الضربات ضدها.
في هذا السياق، يصير التفكير الغربي بأسره عملانياً، ومبنياً على تجربة حرب عام 2006. هناك حاجة ملحة لتخفيف عدد المواطنين المطلوب اخلائهم من لبنان، من أجل تجنب التعقيدات المحيطة بتأمين عمليات النقل الجوية والبحرية، كما حصل قبل 15 عاماً. الاستعداد التدريجي لمثل هذا الاحتمال، يُجنّب الحكومات الغربية عناء إخلاء الآلاف في غضون أيام.
والواضح هنا أن الساسة الإسرائيليين يتحدثون بشكل أكثر تحديداً مع حلفائهم في الغرب، حيال احتمالات الضربة وتوقيتها. كان لافتاً حديث الرئيس السابق لجهاز الموساد يوسي كوهين الى صحيفة “هآرتس” عن ضرورة ضمان قدرة إسرائيل على توجيه ضربة وحدها ضد البرنامج النووي الإيراني، “تماماً كما فعلت مع البرنامجين السوري والعراقي”. “أفترض أنها ستكون مُعقدة عسكرياً”، قال كوهين، “لكنها ليست مستحيلة”. كوهين كان مسؤولاً عن ضربات سرية ضد البرنامج النووي الايراني، وهو بالتالي يُعبّر عن رغبة في صفوف النخبة الإسرائيلية في تنفيذ مثل هذه الاعتداء.
ثالثاً وأخيراً، احتمال وقوع حوادث أمنية وارد لكنه ليس في مقدمة المخاطر. ذاك أن التفجير مثله مثل الاشتباك، موضعي وينتهي، وبالتالي من الصعب التعامل معه كأنه حاصل، إلا في حال وقوع سلسلة اعتداءات.
لكن السببين الأولين، أي التدهور الأمني المرتبط بتمادي الانهيار المالي والاقتصادي وتبعاتهما، وأيضاً إمكانية اشتعال مواجهة مع إسرائيل، يكفيان للتحذير بهذا الشكل، سيما في ظل غياب أي لاعبين فاعلين اقليمياً لضمان الاستقرار، أو محليين يكترثون بالمصلحة العامة.