ايران؛ الغاء العقوبات مقابل التعاون الاقليمي
تحت عنوان “لا تراجع عن الخطوات التي حققتها في البرنامج النووي” تستقبل ايران مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي في زيارة استطلاعية ذات طابع استعراضي بمهمة واضحة ومحددة، هي اعادة ترطيب الاجواء بين الوكالة الدولية والنظام الايراني من جهة، وتهيئة الاجواء لإنجاح المفاوضات المقررة في التاسع والعشرين من الشهر الجاري في فيينا بين ايران من جهة ومجموعة 4+1 وواشنطن من جهة اخرى، بما يسهل عملية التوصل الى تفاهمات جدية وعملية تخرج ازمة الملف النووي من الطريق المسدود التي وصل اليها.
الشرط الجديد وغير المدرج على اللائحة الايرانية للتفاوض، سيحمله الوفد الايراني الى فيينا ويضعه على الطاولة امام الاطراف المعنية، ما يعني ان على الدول المشاركة في الاتفاق النووي الاعتراف بالمستويات الجديدة التي حققتها ايران على صعيد تخصيب اليورانيوم بدرجة 60 في المئة، على قاعدة تمسكها بهذا التقدم وصعوبة التراجع عنه، وبالتالي على الدول المفاوض الانطلاق من هذه النقطة وما تعنيه من اعتراف بهذا الواقع والتعامل معه في المستقبل في اطار المزيد التعاون الايراني في تسهيل عمليات الرقابة والاشراف في مسار يعزز الثقة بين الطرفين ويقطع الطريق على انتقال طهران الى المستويات العسكرية.
في الطريق الى فيينا، يبدو ان كل الاطراف المعنية بالوصول الى طاولة التفاوض لن تترك في جعبتها ما يمكن ان تستخدمه لتحسين شروط الجلوس والتفاوض، مع تمسك الطرفين الامريكي والايراني بالسقوف العالية للشروط التي وضعت امام عجلة اعادة احياء الاتفاق النووي. اذ لم توقف واشنطن سياسة اللجوء الى فرض مزيد من العقوبات على افراد وكيانات ايرانية على علاقة بالبرنامج النووي، ويؤكد البيت الابيض استمراره في سياسة العقوبات لدفع ايران للقبول بشروط التفاوض، في المقابل، فان طهران تتمسك بمبدأ ان المفاوضات المرتقبة في فيينا ستجري تحت بند واحد هو الغاء العقوبات من دون ادخال اي تعديل على نص الاتفاق القديم على الرغم من الاعتراضات عليه داخل الادارة الجديدة للملف في حكومة الرئيس ابراهيم رئيسي.
الاشارات التي حاولت واشنطن ارسالها الى طهران من خلال الاجتماعات التي عقدتها في الرياض مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والاردن بمشاركة ممثلين عن الترويكا الاوروبية، وما صدر عنها من اتهامات لطهران باستمرار سياساتها في تقويض استقرار المنطقة بما تملكه من طائرات مسيّرة وبرنامج صاروخي باليستي والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الاقليم، لم تقتصر على الجانب التصعيدي، بل استتبع بمغريات اقتصادية وانفتاحية وامكانية بناء شراكات اقتصادية مع الدول الخليجية من بوابة العودة الى التعاون مع المجتمعين الدولي والاقليمي وانهاء حالة الخوف والقلق من طموحاتها النووية بالعودة الى تفعيل التزاماتها في اتفاق فيينا.
القيادة الايرانية والنظام في طهران لم يتأخر في التقاط الرسائل الامريكية، ففي الوقت الذي تولى المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده ايصال رسالة المجلس الاعلى للامن القومي بضرورة حصول ايران على ضمانات بعدم العودة الى سياسة الرئيس السابق دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق في المستقبل، وبان توقيع الرئيس الامريكي وحده لا يقدم هذه الضمانة، قدم وزير الخارجية حسين امير عبداللهيان المخرج العملي الذي يسهل عملية التفاهم من بوابة الغاء العقوبات الاقتصادية بداية، كمدخل لاعادة احياء اتفاق فيينا من دون تعديلات، وقدم في الوقت نفسه مخرجا للطرف الامريكي المتمسك بالتفاوض حول النفوذ الاقليمي والبرنامج الصاروخي من خلال التأكيد بان الغاء العقوبات يمهد الطريق امام طهران للمساعدة في معالجة ازمات المنطقة وملفاتها.
هذه التطورات سواء تلك الناتجة عن الحراك الامريكي باتجاه عواصم الدول الاقليمية المعنية بالازمة الايرانية وملفاتها العالقة في النووي والصاروخي والدور، او تلك التي تقوم بها طهران باتجاه العواصم الاوروبية وتلك التي تقف الى جانبها كموسكو وبكين، تساعد على وضع جدول تقريبي لما ستكون عليه المفاوضات المقررة في فيينا اواخر الشهر الجاري، والموضوعات التي يمكن ان يطرحها الطرفي الازمة – الامريكي والايراني- على الطاولة، ويمكن تلخيصها من وجهة النظر الايراني بالتالي:
1 – ان لا تكون المفاوضات من اجل التفاوض وتتحول الى استنزافية.
2 – الغاء جميع العقوبات الاقتصادية التي سبق ان اعادت الادارة الامريكية فرضها عام 2018.
3 – احياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 من دون اي تعديل في مواده
4- احتفاظ ايران بما حققته من تقدم في عمليات تخصيب اليورانيوم بالمستويات التي وصلت اليها بنسبة 60 في المئة.
5 – الحصول على ما يشبه الالتزام الامريكي بعدم العودة الى سياسة العقوبات او الانسحاب من الاتفاق النووي، وان على الادارة الامريكية البحث عن الاليات المطلوبة لتحقيق ذلك، كون توقيع الرئيس لا يشكل ضمانة لدى طهران.
6 – التزام ايران بوقف تطوير برنامجها النووي عند النقطة التي وصل اليها وفتح المنشآت النووي امام عمليات التفتيش المباغت لمفتشي الوكالة الدولية وحتى لمراقبين امريكيين في اطار خطة تنسيق واضحة.
7 – استعداد ايران لتوسيع دائرة التعاون مع المجتمع الدولي بما يساعد على الحد من مصادر الخوف والقلق لدى العواصم الاقليمية من الطموحات الايرانية، وذلك من خلال التعاون في ايجاد حلول للمسائل الاقليمية والازمات التي تعيشها المنطقة.
في المقابل، يبدو ان واشنطن لا تمانع في ملاقاة النظام الايراني في منتصف الطريق، باعتماد مبدأ التخفيف المتدرج للعقوبات وصولا الى الغائها بشكل كامل، بناء على التزام ايران بتنفيذ تعهداتها، وهذا يعني ان ما يمكن ان يطرحه الامريكي على طاولة التفاوض يمكن ان يشمل:
1 – الغاء جميع العقوبات الاقتصادية التي سبق ان تم التوافق حولها في الجولة السادسة من التفاوض قبل اشهر.
2 – فتح الباب امام الحوار والتفاوض من اجل الغاء العقوبات المتبقية والتي لا تندرج في اطار البرنامج النووي.
3 – اعادة احياء اتفاق فيينا الكامل، ويمكن تطويره بناء على التزام طهران بتعهداتها.
4 – وضع اسس التفاوض المباشر بين واشنطن وطهران، بما يسمح ببحث موضوع تطبيع العلاقات الثنائية بينهما.
5 – التعاون الجاد في موضوع مصادر القلق المتأتية من البرنامج الصاروخي وسلاح الطيران المسيّر,
6 – تعاون ايراني فاعل في حل الازمات الاقليمية في مناطق تشكل ساحات للنفوذ الإيراني.
7 – ضمانات بعدم تعريض امن واستقرار اي من دول المنطقة لاي مصادر خطر او تهديد عسكري او أمني.
8 – المساعدة في تعزيز الانفتاح الاقليمي وتحديدا العربي على ايران، وفتح مجالات التعاون الاقتصادي مع دول العالم.
يبدو ان الايام المتبقية لموعد الجولة السابعة ستكون طويلة على الطرفين، وقد تشهد الكثير من التصعيد واللقاءات والحوارات الثنائية، الا ان جميع الاطراف تبدو متمسكة بمسار اعادة احياء هذا الاتفاق، في الوقت نفسه لا تستبعد امكانية الاصطدام بحائط عدم احراز التقدم المطلوب، وتضع سيناريوهات للتعامل مع مثل هذا التطور، لذلك قد يكون من الصعب على الجميع الذهاب الى خيار التفاوض من اجل التفاوض، لان نتيجته لن تكون في صالح اي من الطرفين، فواشنطن ستلجأ لتصعيد العقوبات، في المقابل ستزيد طهران من تسارع انشطتها النووية، الامر الذي سيفرض على الطرفين التخلي عن الحد الاعلى من مطالبه واللجوء الى تنازلات لا تمس جوهر موقفهما. لان اعلان وفاة الاتفاق يعني مواجهة خيارات لا يرغب اي منهما في الوصول اليها.