تحقيقات - ملفات
لماذا حلال على “الطالبان”.. حرام على “حماس” التي لم تَقتُل أمريكيًّا واحِدًا يا سيادة الرئيس بايدن؟ وهل تنجح جولة بلينكن الحاليّة في إنقاذ نِتنياهو وسرقة نصر صواريخ المُقاومة؟ ما هي السّيناريوهات القادمة التي نتوقّعها؟
عبد الباري عطوان
الهدف الرئيسيّ من الجولة العربيّة التي بدأها اليوم أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي في المِنطقة بدءًا من تل أبيب ورام الله، ومن المُتوقّع أن تشمل القاهرة وعمّان، هو سرقة الانتِصار الفِلسطيني الذي تحقّق خِلال حرب الأيّام الـ11 الأخيرة، وتفتيت الوحدتين الجُغرافيّة والديمغرافيّة الفِلسطينيّة غير المسبوقة في التّاريخ الحديث، والغطاء هو تثبيت وقف إطلاق النّار وإعادة إعمار قِطاع غزّة.
بلينكن حرص على التّأكيد في مُؤتمره الصّحافي الذي عقده بعد اجتِماعه مع بنيامين نِتنياهو على التِزام بلاده بحقّ “إسرائيل” في الدّفاع عن نفسها أوّلًا، وعدم السّماح لحركة “حماس” وفصائل المُقاومة الأخرى باستِغلال المُساعدات الماليّة وعمليّة الإعمار لصالحها بالتّالي، لإعادة بناء ما تهدّم من بُنى تحتيّة عسكريّة.
الأموال ستأتي من دول سلام أبراهام، إلى جانب السعوديّة وقطر، والإشراف على عمليّة الإعمار والمواد اللّازمة لها سيكون من مسؤوليّة أجهزة المُخابرات المِصريّة والفِلسطينيّة وربّما الأردنيّة أيضًا، بمعنى آخَر ممنوعٌ حُصول حركة حماس على أيّ كيس إسمنت أو قضيب حديد واحِد لترميم أنفاقها ومخازن أسلحتها التي تضرّرت من القصف الإسرائيليّ.
حركة “حماس” وفصائل المُقاومة الأخرى التي حقّقت انتصارًا مُشَرِّفًا غير مسبوق، وهزّت صواريخها الكيان الإسرائيلي، وأرسلت أكثر من خمسة ملايين مُستوطن إلى الملاجئ بحثًا عن الأمان، وأغلقت المطارات، ستكون مِثل “شاهِد الزّور”، أو الأيتام على مائدة اللّئام، ومَمنوعٌ عليها القِيام بأيّ دور في إعادة بِناء القِطاع الذي تُديره، وصاحبة الكلمة العُليا في شُؤونه.
***
إدارة الرئيس بايدن التي سارعت بإرسال وزير خارجيّتها في جولة شرق أوسطيّة، لا تُريد إنقاذ قِطاع غزّة وأهله من جرائم الحرب الإسرائيليّة وإنّما كسب الوقت وإنقاذ إسرائيل نفسها من صواريخ المُقاومة، وإيصال أسلحة حديثة لها، والحرب الأهليّة التي باتت تُهدِّدها من جرّاء الانتِفاضتين في المناطق المُحتلّة عام 1948 أوّلًا، والضفّة الغربيّة ثانيًا، والحيلولة دُون وصول الأسلحة والصّواريخ إليهما على غِرار القِطاع، بتحشيد حُلفاء واشنطن، وأجهزة مُخابراتهم، لتحقيق هذه المَهمّة مُقابل ما تيَسَّر من فُتاتِ المُساعدات الماليّة.
الطّائرات الإسرائيليّة تُدَمِّر وترتكب جرائم حرب، وتقتل 252 شهيدًا من بينهم 66 طفلًا، وتتولّى الدّول العربيّة الخليجيّة تمويل هذه الجرائم، وعمليّة إعادة الإعمار التي قد تترتّب عليها، ولا تدفع الدّولة المُجرمة دولارًا واحِدًا من جيبها تعويضًا عن جرائمها، هذه هي المُعادلة التي يعمل وزير الخارجيّة الأمريكيّة على تسويقها وتثبيتها في جولته الحاليّة.
لا نَعرِف كيف سيكون ردّ تحالف فصائل المُقاومة على هذه الجولة، وعمليّة التّهميش له التي تُصاحِبها، والتّعاطي معه كتحالف “إرهابي” لا يجب التّعاطي والحديث معه، وإعادة إحياء عمليّة تفاوضيّة مُتعَفِّنة وعبثيّة على حِساب انتِصاره، ولكن ما نَعرِفه، بل ونُطالب فيه، هو الإصرار على حقّه، أيّ الحِلف المُقاوم، بالتّواجد بقوّة داخل عمليّة الإعمار هذه، وأيّ عمليّة سياسيّة يُمكِن أن تتبعها، أو تترتّب عليها، ليس لأنّ هذا حقّه المشروع، وإنّما لمنع أيّ سرقة لمُستحقّات أبناء القِطاع من قِبَل الضّباع التي تَسُنّ أسنانها لنَهشِ الغنيمة، وامتِصاص دِماء ضحاياها الأموات والأحياء معًا.
كيف يقبل هذا التّحالف المُقاوم، وبعد هذا الانتِصار الكبير لصواريخه ورِجاله وشُهدائه، وجرحاه، هذا التّجاهل المُهين له، من قِبل الولايات المتحدة وحُلفائها العرب، وهو صاحِب العُرس ومُحَقِّق هذا الإنجاز العظيم الذي غيّر كُل قواعد الاشتِباك في المِنطقة، واجتثّ الحُلُم الصّهيوني من جُذوره، وأوصل الملايين من الإسرائيليين إلى قناعةٍ بانهِياره كمَلاذٍ عُنصريّ آمِن مُستقر لمُستَوطنيه، ومُعظم اليهود في العالم؟
إدارة اليمين المُتطرّف الأمريكي اضطرّت إلى الجُلوس على مائدة المُفاوضات مع حركة طالبان التي كانت تعتبرها حركةً إرهابيّة، وأعلنت سحب جميع قوّاتها من أفغانستان مع نِهاية أيلول (سبتمبر) المُقبل، بعد أن وصلت خسائرها إلى تريليون دولار و2600 قتيل وثلاثين ألف جريح، فلماذا لا تتفاوض هذه الإدارة مع حركة “حماس” في فِلسطين المُحتلّة، لأنّها تعتبرها حركة إرهابيّة، وهي التي لم تَقتُل أمريكيًّا أو أوروبيًّا واحِدًا؟ أيّ نِفاق هذا، وأيّ ازدواجيّة هذه، إنّها ذروة الاحتِقار للعرب، مُقاتلين، أو مُمَوِّلين، أو وسطاء، ومن يقول غير ذلك لا يَمُتُّ لقيم هذه الأمّة وعقيدتها وكرامتها بأيّ صلة.