بعيدا عن الازمة الاقتصادية الخانقة، ومسؤولية كل من تعاقب على ادارة الشأن الاقتصادي والسياسي، من احزاب وقوى وشخصيات فاسدة عما وصلت اليه البلاد من «خراب»، او من احزاب لم تضع في اولويتها محاربة الفساد، لاسباب لم تعد مفهومة او مقبولة، ثمة حرب مفتوحة تشن في هذه الآونة على حزب الله، ليس الاولى من نوعها، بل تكاد «الكليشهات» المكررة في سردياتها تصيب المرء «بالملل» ، بعدما اصبحت الدعاية المدفوعة الثمن ضد الحزب مفضوحة بخفتها وعدم مقاربتها للواقع، لكن الجديد هذه المرة وجود «تخبط» غير مسبوق لدى خصوم واعداء حزب الله في الخارج، انعكس ضعفا، وهشاشة لدى خصومه في الداخل بعدما وجدوا انفسهم في دائرة مفرغة من صراع مفتوح دون افق، لان التغيير بالقوة مستحيل، وبالطرق الديموقراطية غير مضمون النتائج، «والانكى» انهم ليسوا بمنأى عن تداعيات الازمة الخانقة، وقد تحولت المعركة الراهنة الى «لعبة عض اصابع» موجعة بانتظار التفاهمات الاقليمية والدولية، ولا «تبشر» النتائج حتى الآن بان الحزب في صدد «الصراخ اولا»…

وفي هذا السياق، يبرز التباين الواضح بين الولايات المتحدة الاميركية و»اسرائيل»، مع المملكة العربية السعودية في تصعيدها الاخير مع لبنان، ليس حبا بالحزب، ولكن ادراكا لمحدودية تأثير موجة الضغط الجديدة، مقابل انزلاق لبنان الى فوضى تبين بعد نحو 3 سنوات من الضغوط انه اقل المتضررين منها، بينما يغرق الآخرون في ازمات عميقة ستترك ندوبا كبيرة في التوازنات اللبنانية الهشة عندما يحين وقت الجلوس على «الطاولة» واعادة انتاج النظام.

وبعد ايام من دخول واشنطن وباريس على خط «شد ركاب» رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لمنعه من الاستقالة اثر «العاصفة» الخليجية، برز تناقض واضح بين واشنطن وحلفائها ازاء استراتيجية «بائسة» تقوم على نظرية فاشلة باستعادة سوريا مقابل تخلي النظام السوري عن تحالفه مع حزب الله وايران، كذلك لا تبدو «اسرائيل» مرتاحة ايضا من الاندفاعة السعودية خلف الفوضى في لبنان، وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، اكد مسؤولون «اسرائيليون» رفيعوا المستوى خلال اجتماعهم بالسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، ليندا توماس-غرينفلد، التي تزور «إسرائيل» حالياً، أن الاستقرار في لبنان هو «مصلحة إسرائيلية واضحة»، لكنهم طالبوها بأن تربط الولايات المتحدة تقديم المساعدات الأميركية بإبعاد نشطاء حزب الله عن الحدود الشمالية، والتزام الجيش اللبناني بالعمل على فرض صعوبات على الحزب لإنتاج الصواريخ الدقيقة، ومنعه من تهريب الأسلحة إلى البلاد. كما طلب المسؤولون تدخّل السفيرة، لمضاعفة جهود قوات «اليونيفيل» بمراقبة المناطق جنوب لبنان، التي «يسيطر عليها حزب الله ولا تدخلها القوات الأممية».

ووفقا لاوساط ديبلوماسية، فان السفيرة الأميركية التي جالت على الحدود الشمالية بمرافقة «السفير الإسرائيلي» في الأمم المتحدة، غلعاد أردان، و»نائب رئيس هيئة الأركان» هرتسي هلفي، والتقت «وزير الأمن الإسرائيلي» بيني غانتس، لم تقدم اي ضمانات لجهة الزام الجيش اللبناني بمواجهة حزب الله او وقف نشاطاته، معتبرة الامر «غير واقعي»، مشيرة الى ان بلادها مستمرة بتقديم دعمها «المحدود» والمقيد للمؤسسة العسكرية كي تبقى قادرة على الامساك بامن البلاد وعدم الانزلاق الى فوضى يستفيد منها الحزب وتتضرر منها «اسرائيل»، مقرة «بالعجز» عن تعديل مهام قوات «اليونيفيل» لاسباب كثيرة وفي مقدمتها رفض الفرنسيين لخلق ازمة قد تؤدي الى جعل تلك القوات غير مرغوب بها على الجانب اللبناني.

ومع الجواب الاميركي الحاسم «للاسرائيليين» بعدم التعويل على اي صدام محتمل بين الجيش اللبناني وحزب الله، لاسباب كثيرة شرحها باسهاب قائد الجيش الجنرال جوزاف عون خلال زيارته الاخيرة الى واشنطن، يبدو واضحا للعيان ان «اسرائيل» ايضا غير مستعدة لخوض مواجهة مفتوحة مع الحزب، ولعل ابرز»المفاجآت» الصادمة خلال الساعات القليلة الماضية، كانت رفض مئات جنود في الاحتياط الدخول إلى مناطق 48 في إطار مناورة عسكريّة جرت يوم الأربعاء الماضي، وحاكت حرباً مع لبنان تتضمن احتلال مدن لبنانية، ما جعل المشاركة في المناورة تقتصر على ضباط من رتبة قائد سرية وما فوق، وتنفيذ ما يُسمى مناورة «هيكل عظمي» وقد شرح رئيس شعبة التكنولوجيا واللوجستيك في «الجيش الإسرائيلي» اللواء إسحاق تُرجمان، الموقف قائلا» إنّه «في الحرب المقبلة لن تمر قوافل الجيش الإسرائيلي في وادي عارة ومنطقة ام الفحم لانها قد تواجه عقبات لوجستية، على الطرقات المركزية بتأثير أعمال العنف في الداخل الفلسطيني على حركة قوافل الجيش الاسرائيلي، ما سيعيق قدرة حشد القوات على الحدود..» فيما خلص مفوض شكاوى الجنود في «الجيش الإسرائيلي» سابقاً اللواء إسحاق بريك الى القول «لا توجد دروس مستفادة في الجيش الإسرائيلي، القوات البرية غير مستعدّة لخوض الحرب المقبلة والتي ستكون متعددة الساحات»…!

هذا العجز الخارجي، يقابله عجز داخلي من قبل المجموعات المناوئة للحزب، وقد اثبتت الاحداث المفتعلة في البيئة الدرزية في شويا، والسنية في خلدة، والمسيحية في عين الرمانة، ان الحزب قادر على احتواء تداعياتها، ونجح في تطويق ذيولها، وتبين انه الاكثر قدرة على التحمل اجتماعيا وخدماتيا، في بيئته، وقد ادت محاصرته الى مزيد من شد عصب جمهوره فيما ينهار الجميع من حوله!

وفي هذا السياق، يشرح سياسي بارز الموقف بالقول» رئيس تيار المستقبل سعد الحريري تلقى ضربة موجعة من السعودية في العام 2017 ولم ينجح حتى الآن من استعادة توازنه، وهو مشغول بترتيب أوضاعه المالية الخاصة ومستقبله السياسي مجهول فيما تياره تفكك. من جهته لا يزال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط متمسكاً بالتهدئة مع الحزب الذي لم يكترث بتصعيده الاعلامي الاخير، وهو بادر الى توجيه «رسائل» من تحت الطاولة الى «حارة حريك» طالبا تفهم حراجة موقفه مع السعوديين. اما رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع فهو «يتهيب» خوض «مغامرة» في الشارع وحيدا مع حزب الله في ظل اختلال التوازنات الداخلية وغياب الدعم الخارجي الرافض لاندلاع حرب اهلية.

ووفقا لتلك المصادر، لا يبدو الرهان على الانتخابات النيابية في مكانه ايضا، لانه ومع افتراض خيالي باضعاف حضور «الثنائي الشيعي» داخل مجلس النواب، فان هذا لن يضمن تغييرا في موازين القوى خارجه، فقد سبق ان حققت قوى 14 آذار الاكثرية، ولم تتمكن من الحكم واضطرت الى تشكيل حكومة «وحدة وطنية»، والعكس صحيح بعد انتخابات عام 2018، وقد سبق لسفير دولة غربية كبرى ان نصح زملاء خليجيين، «بتنظيم المواجهة مع حزب الله تحت «سقف الشرعية» لان منازلته خارجها والاصرار على نزع «الشرعية» عنه ستؤدي الى مواجهة اقسى ودون ضوابط، والبقاء سيكون «للاقوى»، ولهذا فان المطلوب راهنا «الصمود» وعدم الدخول بمغامرات غير محسوبة ريثما تنضج التسويات الكبرى!