لبنان في فكّ الجامعة العربية (كما يطلقون عليها)!
} جمال محسن العفلق-البناء
عاد نشاط الجامعة العربية للواجهة من بوابة بيروت ولمن لا يعرف من هي تلك الجامعة التي اشتق اسمها من مصطلح الجمع والاجتماع والإجماع العربي على المواقف المصيرية والقضايا العربية وهموم المواطن العربي وآخر إنجازات تلك الجامعة التي يمكن ان تسجل لها هي قمة الخرطوم أو القمة اللاءات الثلاث، ومضى على تلك القمة أكثر من نصف قرن من الزمن ليغيب نشاط الجامعة العربية إلا ببعض المواقف والتصريحات التي يمكن وصفها بالفارغة ودون أيّ إنجاز على الأرض، فبقي المواطن العربي يقف على حدود الدول العربية في وقت تفتح تلك الدول حدودها أمام أيّ أجنبي ولا يحتاج لتصريح دخول او تأشيرة إقامة…
ولكي نختصر الوصف والتوصيف يمكننا القول انّ الجامعة العربية كانت مجرد بروتكول ومصاريف مالية تدفع للموظفين والسفراء والمؤتمرات دون جدوى او نتيجة واضحة .
وعندما عادت الجامعة للواجهة ذلك عبر بوابة ريح السموم العربي وما أطلق عليه إعلامياً «الربيع العربي» فكان أول إنجاز لها طلب التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا وتمّ ذلك برعاية الناتو وحلف الصهيونية، ومن بعدها كان دور الجامعة في سورية وفريق البعثة الذي ترأسه الفريق الدابي وتزوير تقريره وحذف صفحات منه وتشكيل مجموعة لنقل طلب الجامعة العربية الى الأمم المتحدة لوضع سورية تحت البند السابع كما حدث في العراق سابقاً، وقرّرت الجامعة حينها تعليق عضوية الجمهورية العربية السورية وتمّ في حينه إغلاق أكثر السفارات العربية في دمشق العروبة.
وبعد عشر سنوات تطلّ علينا الجامعة العربية من بيروت ولا أعلم هل من اللباقة القول إنّ من جاء لبيروت هو ممثل الجامعة العربية أم ممثل السعودية، فالمطالب التي يطرحها ومنها استقالة وزير الإعلام اللبناني ودون ضمانات بتغيير السعودية لخطابها أو تصرفاتها اتجاه لبنان هو كلام يستحق النقاش أم لا؟
فمن المخزي وصف وفد الجامعة بأنه وفد توافقي إنما هو وفد جاء لينقل نفس الشروط التي أعلنتها السعودية عبر سفيرها وإعلامها وكذلك عبر مقال أقلّ ما يُقال عنه إنه رديء بالعنوان والمضمون حين وصف السياسيين اللبنانيين بما وصفهم عبر صحيفة «عكاظ» السعودية. وإذا كانت استقالة وزير تعني بالنسبة للبعض تضحية من اجل وطن فالأجدر أن ينسحب جميع من قبل بما كتب في مقال الصحيفة السعودية من ألفاظ نابية وغير أخلاقية بحق السياسيين اللبنانيين، وكان من واجب حلفاء السعودية قبل غيرهم احتجاج على ما جاء في المقال وما يُنشر من تصريحات بحق لبنان وشعبة، والواجب الدبلوماسي يفرض على الجامعة العربية تشكيل وفد والذهاب الى الرياض أولاً ومطالبتها بالكفّ عن هذا التنمّر والفوقية على لبنان ونقاش الواقع كما هو… فالتصريح الذي أطلقه الوزير قرداحي لا يوجد فيه مساس بالكرامة او اعتداء أو تحريض على أيّ بلد عربي، ولا يُعتبر تصريحاً باسم الحكومة اللبنانية لأنه ببساطة لم يكن يمثلها حتى لو فرضنا أنه أطلق التصريح وهو وزير فهو من حقه إبداء رأيه والتعبير عنه. أليس حق التعبير والحرية من أهداف الربيع العربي المزعوم الذي دفعت دول الخليج عليه مليارات الدولارات إعلامياً وعسكرياً؟
فوضع لبنان اليوم في فكّ ما يُسمّى جامعة الدول العربية هو جريمة جديده بحق بلد تحمّل الكثير وجرت على أرضه كلّ المعارك مع الصهيونية واستطاع لبنان البقاء والصمود أمام كلّ تلك العواصف ليأتي اليوم وفد الجامعة لخنقه وتهديده وتقديم اقتراحات ساذجة وغير منطقية، فدور الجامعة اليوم أصبح في خدمة دول محدده تنفذ مشروع الصهيونية وتخدم التطبيع ومشروع صفقة القرن وليس لدى لبنان ما يخسره اليوم، لأنّ التهديد والوعيد الخليجي لن يكون له أيّ أثر بعد معركة مأرب التي شارفت على النهاية والهزائم السعودية لم يعد بالإمكان التغطية عليها بأزمة هنا وتصريح هناك، كما أنّ سياسة النأي بالنفس التي ينادي بها البعض لم تعد اليوم صالحة في عالم انقسم على نفسه، ولا يمكن إبقاء بيروت مركزاً للابتزاز السياسي والاقتصادي في وقت يملك فيه قوه ضاربة، والأهمّ أنّ لبنان يمتلك الحق وليس هو المعتدي كما تصفه القنوات الإعلامية والإعلانية الخليجية، وما ذكر عن طرح إحدى السفارات للبيع فهذا يُسمّى اللهو الطفولي وليس القرار السياسي او السيادي، فكيف لعاصمة عربية تغلق سفارتها في بلد عربي ولها سفارة لدى الكيان الصهيوني ان نصفها بالدولة؟
ستمرّ هذه الريح وسمومها وسيستردّ لبنان عافيته من جديد ولن نتوقع ان تتعلم الجامعة العربية من التجارب السابقة لأنها تدار وفق مصالح العدو لا مصالح الدول التي يجب ان تمثلها.