خريطة طريق فرنسية لخرق التشدّد السعودي… واستقالة قرداحي «غير سالكة»
محمد بلوط- الديار
ابواب مجلس الوزراء مقفلة… وميقاتي الى التعايش مع «العمل بالمفرّق»
لم تحرز الجهود والمساعي الداخلية والخارجية لمعالجة أزمة العلاقات المتفاقمة بين لبنان والسعودية أي تقدم، ما يعطي انطباعا بأن القطيعة بين البلدين مرشحة للاستمرار لفترة غير قصيرة بسبب تعذر ايجاد المخارج الممكنة لهذه الازمة.
ووفقا للمعلومات المتوفرة فان المسعى الفرنسي، الذي لم يتوقف منذ اندلاع التوتر بين الرياض وبيروت، اصطدم بموقف سعودي متشدد شأنه شأن المسعى الاميركي. لكن باريس حرصت على ابقاء حلقة التواصل مفتوحة مع المسؤولين السعوديين واللبنانيين على حدّ سواء، علّها تهتدي الى مخارج او خريطة طريق تلحظ في المرحلة الاولى تخفيف الاحتقان وارساء اجواء التهدئة المناسبة لاستكمال جهودها في سبيل معالجة ما انقطع بين البلدين.
ويقول مصدر سياسي يتابع اجواء المسعى الفرنسي ان القيادة الفرنسية ابلغت المسؤولين المعنيين في لبنان ان الرياض لا تخفي استياءها الشديد من الوضع الذي وصلت اليه العلاقات مع لبنان، وأنها عازمة على عدم التراجع عن الخطوات التي اتخذتها على الصعيد الديبلوماسي والاقتصادي ما لم تبادر السلطات اللبنانية الرسمية الى اتخاذ «موقف واضح وعملي» من تصريح الوزير جورج قرداحي ومن الاساءات التي تتعرض لها المملكة من فرقاء لبنانيين شركاء اساسيين في الحكم والحكومة.
ووفقا للمصدر فان فرنسا لم تتمكن من اقناع السعودية بفتح حوار مباشر مع لبنان حول الاسباب التي ادت الى تدهور العلاقات بين البلدين، الامر الذي صعّب ويصعب مهمتها.
ورغم فشل مسعاها فان فرنسا تشعر بشيء من الرضى والارتياح لصمود الحكومة اللبنانية وعدم استقالتها، معتبرة ان بقاءها يشكل عنصرا مهما واساسياً في عدم انعكاس هذه الازمة على الاستقرار في لبنان.
ويقول المصدر ان كلا من واشنطن وباريس تحرصان على بقاء حكومة ميقاتي كما هو معلوم، وان موقفهما هذا لاقى ويلاقي تجاوباً لبنانياً، اكان على صعيد صمود الرئيس ميقاتي والتزامه بالاستمرار في مسؤولياته على رأس الحكومة، ام على صعيد حرص الاطراف المشاركة فيها على عدم اتخاذ موقف مغاير، وهذا ما عكسه تصريح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مؤخراً حين شدد على اهمية استمرار الحكومة واشاد بموقف رئيسها.
وعلى الصعيد الداخلي فان المشهد لا يؤشر الى انفراج قريب، ذلك ان المواقف تبدو متباعدة حول ايجاد مخرج للازمة مع السعودية وقضية تصريح قرداحي التي تعتبر احد اوجه هذه الازمة بغض النظر عن حجمها الحقيقي والملابسات التي تحيط بها.
وتقول المعلومات ان الرئيس ميقاتي ما زال مقتنعاً بان المدخل الممكن لمعالجة القطيعة مع السعودية هو في استقالة او اقالة الوزير قرداحي واستبداله بوزير آخر، وانه يعتبر ان اتخاذ مثل هذه الخطوة لا تعني انتقاماً من سيادة وقرار لبنان بقدر ما تشكل عنصرا مهما لفتح الباب امام معالجة وحل الازمة مع السعودية ودول خليجية اخرى.
وفي المقابل يرفض الثنائي الشيعي والمردة سلوك هذا المخرج، باعتبار ان الوزير قرداحي لم يرتكب خطأ او يتجاوز موقف الحكومة لان تصريحه سبق توزيره باسابيع. كما ان استقالته لا تضمن الحل الحقيقي للقطيعة السعودية بدليل ان المسؤولين فيها ومنهم وزير الخارجية اعلنوا غير مرة ان اسباب الموقف السعودي هي اعمق وابعد من مسألة تصريح الوزير قرداحي.
وفي تقدير مصادر مقربة من الثنائي الشيعي ان تصريح قرداحي ليس سوى ذريعة تسلّحت بها لاتخاذ قرارها الحصاري بمقاطعة لبنان ديبلوماسياً واقتصادياً، وان الاسباب الحقيقية باتت مكشوفة وهي تتعلق بمحاولة المملكة الضغط على لبنان والتصويب على حزب الله الذي تتهمه بلعب دور داعم اساسي للحوثيين في اليمن.
وفي ظل هذا المشهد المعقد لأزمة العلاقات بين لبنان والسعودية وتعذر ايجاد المخارج والحلول لها، يبقى الأمر الايجابي الوحيد هو سلامة الحكومة من شظايا القرار السعودي واستمرارها بفعل ارادة دولية وداخلية.
غير ان صمود الحكومة وبقائها يبقى منقوصا في ظل تعذر انعقادها بسبب ازمة التحقيقات في شأن انفجار مرفأ بيروت والانقسام الحاصل حول مسار التحقيق الذي يجريه القاضي طارق البيطار.
ووفقا للمصادر المطلعة فان المحاولات التي جرت وتجري لمعالجة هذا الموضوع لم تحقق بدورها اي تقدم، ذلك ان «الاشتباك القضائي» الأخير اضاف مادة خلافية جديدة في مسار هذا الملف وطرح علامات استفهام جديدة حول مسار التحقيق.
وتشير المصادر ان الاراء ما زالت متباينة ومتباعدة حول المخارج الممكنة لعودة جلسات مجلس الوزراء. فالثنائي الشيعي ما زال على موقفه الرافض استئاف الجلسات دون حل قضية القاضي البيطار وكف يده عن التحقيقات بشكل نهائي وحاسم.
ويرى الثنائي «امل» وحزب الله ان القاضي المذكور تجاوز كل الاصول الدستورية والقانونية، وانه لا يجوز او يمكن التهاون في هذا الموضوع، خصوصا ان هناك محاولة واضحة للتطاول والنيل من صلاحيات مجلس النواب في ما يتعلق بموضوع محاكمة الرؤساء والوزراء، او في موضوع خرق المادة 40 من الدستور التي تمنع ملاحقة النواب في العقد العادي تحت اي ذريعة باستثناء حالة الجرم المشهود.
اما الرئيس عون والتيار الوطني الحر فانهما يدعمان بقوة ما قام ويقوم به القاضي البيطار، وبالتالي فانهما يتمسكان ببقائه واستمراره في الامساك بهذا الملف.
ويحاول رئيس الجمهورية تجاوز موقف الثنائي الشيعي من هذا الموضوع والعودة الى جلسات مجلس الوزراء، معتبراً أن لا شأن للحكومة بهذا الملف القضائي.
ويبدو ان هذا الخلاف مرشح للاستمرار في ظل غياب المخارج القضائية حتى الان، ما يعني ان لا جلسات لمجلس الوزراء حتى اشعار آخر.
ويعتقد مصدر سياسي بارز ان الوضع سيبقى على ما هو عليه لفترة غير محددة، وان رئيس الحكومة بات مقتنعاً بالتعايش مع هذا الوضع في الوقت الراهن بانتظار احداث خرق في جدار هذه الازمة.
ويضيف المصدر ان الحكومة في غياب جلسات مجلس الوزراء ستعمل «بالمفرّق»، وان الرئيس ميقاتي لا يجد سبيلاً حتى الآن سوى عقد اجتماعات وزارية متفرقة لمعالجة الامور والقضايا الملحة بانتظار حل ازمة تحقيقات المرفأ وازمة العلاقة مع السعودية.