مقاومة ومقاولة وأشياء أخرى
لا مهرب مما تقود إليه قوة الأشياء، بصرف النظر عما تفعله قوة التخطيط. وليس من المفاجآت، إلا لمن يتجاهلون دينامية الأحداث، أن يوظف”حزب الله”ما يسمى”فائض القوة” في كل مجال من دون الإضطرار لإستخدام القوة. فمن طبائع الأمور أن تصبح المقاومة الإسلامية في لبنان الضعيف المأزوم أكثر من مقاومة. ومن أحكام المسار، بعد الإنتقال من الخطاب الى العمل في الواقع على أهداف الولادة، أن يلعب “حزب الله” أدواراً عدة ويقوم بمهام متنوعة. مقاومة، مقاولة، عمليات أمنية، حماية الستاتيكو الى أن يأتي وقت التغيير، إنخراط في حروب خارج لبنان بينها حرب سوريا، وأمور أخرى. فهو متفرد بالقرار العسكري، مهيمن على القرار السياسي، وشريك في القرار الإقتصادي.
ذلك “أن المقاومة ليست موجودة بفعل الظرف بل بفعل المبدأ، والمبدأ لا ينتهي ولا يتغير، ولو تغيرت الظروف” كما قال نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم. فلا مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، على أهميتها، كانت السبب الوحيد لتأسيس “حزب الله” إذ جاء في بيان تأسيسه عام 1985إنه “ملتزم قيادة حكيمة عادلة تتجسد في ولاية الفقيه”. ولا سلاح المقاومة مرتبط فقط بمواجهة أي إعتداء إسرائيلي. ولا نزعه يتوقف على إمتلاك الدولة للقوة، ولا حتى على إستعادة القدس. إنه سلاح الولاية.
وكل شيء بحساب في ممارسات “حزب الله” على الطريق الى الهدف البعيد ضمن المشروع الإقليمي الإيراني. من حماية العهد الذي يضمن له مظلة شرعية وتغطية مسيحية الى الإمساك بالأكثرية النيابية التي تسهر على إبقاء التركيبة السياسية الفاسدة في واجهة السلطة. ومن المساهمة في ضرب “ثورة17تشرين” التي تعاني أصلاً من إنقسامات ونواقص بنيوية الى السعي لمنع القضاء من الوصول الى النهاية في التحقيق في إنفجار المرفأ. فضلاً عن القتال في سوريا وتكريس المعابر غير الشرعية كأمر واقع لمرور البضائع والمازوت الإيراني من دون أن تجرؤ السلطة على إتخاذ موقف.
ومن باب التبسيط أن نقرأ قصة المازوت الإيراني على أساس أنها مجرد سد نقص في السوق وجزء من الحملة الإنتخابية. فالمسألة هي، كما يوحي باحثون، بداية”المقاومة الإقتصادية” بعد المقاومة العسكرية. شيء على طريقة النموذج الإيراني المسمى”بنياد”. وشيء من إخراج لبنان من دائرة “رأس المال الغربي”. ومتى؟ وقت الإندفاع الرسمي نحو صندوق النقد الدولي حيث يصر الأميركيون والأوروبيون والعرب على أنه المفتاح الوحيد لإنقاذ لبنان عبر المال الغربي والعربي.
لكن مقاومة إسرائيل لا تحجب كل شيء، ولا هي إجازة لتغيير طبيعة البلد. والتجارب تعلّم الجميع أن لبنان، مهما ضعف، عصي على من يحاول تغيير هويته وتراثه. وأبسط ما على اللبنانيين أن يتعلموه هو قول المؤرخ سيمون شاما: “اللا إهتمام بالتمييز بين الحقائق والأكاذيب هو الشرط المسبق للفاشية، وعندما تموت الحقائق تموت الحرية”.