يتحفنا الإعلام السعودي والإعلام اللبناني “المتسعود” عند كل حادثة إعلامية أو خطاب أو تغريدة تقول حقيقة هذه المملكة البائسة بالحديث عن المكرمات السعودية بحق لبنان عن الهبات والهدايا والتقديمات والعاملين اللبنانيين في السعودية، وبعد أن كانت فرنسا الأم الحنون إستلمت السعودية هذه الصفة الكاذبة، طبعًا بفضل الكثير من الشخصيات اللبنانية السياسية والإعلامية التي عادتها لعق ما تبقى من قصاع الأمراء السعوديين ليقدموا صورتهم الذليلة والمغايرة عن الكرامة والسيادة اللبنانية التي تقع في مكان بعيد عن هؤلاء.

على أرض الواقع التي لا يُعبر عن الواقع الفعلي لحال هذه المملكة إلا قلة من الشخصيات بعضهم بجرأة، وبعضهم يزل لسانهم في قول الحقيقة فتفتح عليهم أبواب ألسنة الشياطين في الهجوم عليهم، وهؤلاء الشياطين ملزمون بهذه الصورة دائما أمام أولياء نعمتهم من الأمراء الصغار والكبار.

لنشرح بطريقة واقعية، ومبسطة ما الذي قدمته السعودية للبنان:

1ـ مولّت السعودية العديد من ميليشيات الحرب الأهلية من كل الأطراف المتقاتلة بدءًا من الكتائب اللبنانية والأحرار والجبهة اللبنانية وصولًا الى ياسر عرفات وحركاته اليسارية.

2ـ كان لبنان دائما منصة لتصفية الخلافات السعودية مع باقي الدول العربية من مصر إلى سوريا بفضل فصيلة محددة من بائعي الذمم.

3ـ كان تراكم الخلاف بين السعودية ومصر على لبنان وهل يكون لبنان ناصريًا أو سعوديًا سببًا أساسيًا في الوصول لإشعال الحرب الأهلية فبعد أن كان لبنان بشكل واسع يؤيد عبد الناصر سياسيًا، فكان التدخل السعودي بدعم قوى اليمين اللبناني “المعادي للعروبة” وتسليحها تمهيدًا للسيطرة على لبنان، وفتحت الحرب بعد سنوات قليلة من التخلص من عبد الناصر، ودخول مصر السادات في محور التطبيع.

4ـ بعد وقف النار بين أطراف الحرب اللبنانية الذي نتج عن إتفاق الطائف أرسلت لنا السعودية أحد قراصنة الإقتصاد الذي أفرغ الإقتصاد اللبناني من قواه العاملة، وأعدم القطاعات المنتجة من الصناعة والزراعة وحوّل الإقتصاد اللبناني إلى إقتصاد يعتاش على المساعدات الخارجية وعلى الفوائد الربوية وعلى تحويلات المغتربين، والسؤال البديهي هو أنه لماذا وُقّع إتفاق إنهاء الحرب الأهلية في الطائف السعودية؟؟ والجواب البديهي أن السعودية تمتلك أكثر من “مونة” على القوى المتقاتلة، بل لها الأمر والنهي.

5ـ سلّمت السعودية باتفاق الطائف الدولة اللبناني إلى مجموعة من المجرمين الفاسدين الذين تواطئوا مع أمثالهم من الطاقم السوري الذي أدار السياسة في لبنان، إضافة إلى طاقم متنوع من السلك الدبلوماسي الغربي يبدأ بالسفار الأمريكية ولا ينتهي بالفرنسية فأمعنوا في تخريب وإفساد لبنان الى أقصى الدرجات والنموذج الذي وصلنا إليه حاليا هو نتيجة حتمية لإتفاق الطائف وقراصنة الإقتصاد الذين أداروا البلد بتوجيهات سعودية.

6ـ إذا قفزنا عن فترة الهدوء الكاذب والنسبي من عام 1994 الى عام 2004 حيث عاد لبنان الى نقطة الصراع الذي يشبه الحقبة الناصرية، مع إختلاف جوهري بإستبدال الحالة الناصرية البعيدة جغرافيًا عن لبنان الى حالة المقاومة التي وجدت في لبنان، والتي فرضت وجودها بالقوة الشعبية والعسكرية التي نتج عنها طرد المحتل الصهيوني من الجنوب اللبناني، فرأى السعودي أن هذه القوة الناشئة في لبنان تشكل تهديدا لمصالحة المرتبطة بالمحور الأمريكي ـ الصهيوني فقرر تنفيذ إنقلاب جديد، ومحاولة إعادة عسكرة الصراع في لبنان وإشعال الحرب الأهلية مجددًا من باب طائفي آخر أي صراع ” شيعي ـ سني” بعدما أنهكت الحرب الأهلية السابقة القوى المسيحية، فكان إغتيال رفيق الحريري عام 2005 على يد القاتل  الذي ينفذ الأعمال القذرة نيابة عن الأجهزة الأمنية السعودية الرسمية أي تنظيم القاعدة.

7ـ عام 2006 أعطى السعودي الغطاء “العربي”  لعدوان تموز على لبنان، بعدما فشلت خططه في إشعال الحرب الأهلية مجددا.

8ـ مع الفشل المتلاحق للدور السعودي في لبنان ووجود قوة سيادية حقيقة تتمثل بالمقاومة وحلفائها والتي حاول الإعلام السعودي وتوابعه إلصاق كل الموبقات فيه وإتهامه بالطائفية والتبعية وغير ذلك حاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بالتواطىء مع الأمريكي وإشعال الشارع مجددا بإعتماد إستراتيجية ما يسمى بالثورة اللاعنفية فكان حراك 17 تشرين وما تبعه.

 ومع تنفيس هذا الحراك الخادع عمد السعودي مع الأمريكي إلى ضرب الإقتصاد اللبناني وإفلاسه وشن حرب إعلامية قذرة لإلباس ثوب الفساد للمقاومة بإعتمادة على طبقة لاحسي قصاع أمراءه من قنوات إعلامية، وإعلاميين، وسياسيين، وعمد إلى حصانه الأخير في محاولة تفجير صراع جديد عبر سمير جعجع وما حدث في كمين الطيونه.

مع كل الفشل المتلاحق للدور السعودي في لبنان وفقدانه للحيوية التي كان يتمتع بها عبر ضخ الأموال للقوى التي اعتمد عليها لحرب حزب الله ومحاولة كبح صعوده كقوة سيادية في لبنان، ونتيجة عدم قدرته على ضخ المال بالقوة التي كانت سابقًا نتيجة خسارته للكم الهائل منها أثناء تمويله للحرب في سوريا، وثانيًا نتيجة الأعباء المالية الناتجة عن حربه التي هي أكثر من عبثية في اليمن بل هي خاسرة فرض عليه أن يستخدم من الطلقات الأخيرة على الساحة اللبنانية، وإختلاق خلاف دبلوماسي، وسحب السفراء، والتهديد بقطع العلاقات السياسية والإقتصادية، وهذا ما يُسبب الذعر عند أتباعه لأنهم سيفقدون التمويل الذي يصلهم منه في الدرجة الأولى، وفي الدرجة الثانية يخسر مشروعهم السياسي القائم على عداوتهم للمقاومة.

علينا أن ندرك أن موضوع إستخراج النفط اللبناني تم إيقافه بسبب الضغط السعودي من أيام كميل شمعون، وإن الموقع الإستراتيجي اللبناني لما يمثله من قرب للسوق الأوروبي ينافس السعودية في السوق العالمي في حال تم استخراج النفط والغاز، وعلينا أن ندرك أن الآلاف الذين هاجروا للعمل في السعودية هاجروا نتيجة الحرب الأهلية التي كانت السعودية أول من حرض وخطط ومول ونفذ العديد من العمليات التخريبة عبر أذرعها المختلفة على ساحتنا.

وعلينا أن ندرك أن ما أرسلته السعودية بعد حرب تموز تحت عنوان إعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي إنما هي تحديدا وما يجب أن يعلن عنه أنها أتت كتعويضات فرضها المنتصر على المهزم فلا يتوهم أحد أنها هبة أو مكرمة أو مساعدات كما يروج لها لاعقي بقايا قصاع الأمراء، وهذه التعويضات كانت ضمنيا مع إعلان وقف الأعمال الحربية لأن مجموع هذه الدول التي تم شكرها في الظاهر كي يحفظ ماء وجهها الذي أريق مع ماء وجه الجيش الصهيوني الذي حطم جبروته العسكري على أبواب مارون الراس وبنت جبيل، فقد كانت المكرمة منا كشعب مقاوم ومنتصر أننا لم نعلن أن هذه السعودية هزم مشروعها المتطابق مع الأمريكين والصهاينة في تموز، لكننا اليوم مع هذا العداء الصريح وتبنيهم الحرب علينا، نقول لهم أنكم هزمتم في جنوب لبنان مع الجيش الصهيوني، وهزمتم في حلب والموصل مع الجيش التكفيري، وهزمتم في اليمن مع تحالفكم البائس، وكان الفارق الوحيد بينكم وبين أعدائنا الذين تتطابقون معهم في كل شيء، كان الفارق أنكم تتحدثون لغتنا العربية، أما اليوم فنراكم تتحدثون العبرية وتفتتحون السفارات ومهرجانات التطبيع، وتحتفلون بالصهاينة بين ظهرانيكم وتفتحون لهم باب التجنيس.

  لذا فعلينا أن نقول لهم مع سحب سفرائهم، عليهم أن يسحبوا معهم أجهزتهم المخابراتية، والإعلامية، وبقاياهم السياسية، الذين عاثوا في لبنان فسادًا وإفسادًا وشرورا، لأننا لم نعد نمتلك صبر الأفغان الذين سمحوا لعسس أمريكا التعلق في عجلات الطائرات، فهنا قد لا يكون لا طائرات ولا عجلات، وقد لا يتكرر مشهد عام 2000 على الحدود اللبنانية الفلسطينية.