إنّها الفوضى…!
إنّها الفوضى…!
|
ملاك عقيل -أساس ميديا- الإثنين 16 آب 2021 |
هو مشهدٌ كان يمكن توقّع حصوله في أيّ وقت وفي أيّ منطقة مع غياب الضمانات بعدم تكراره ما دام رأس الأفعى، أي المنظومة إيّاها، من 17 تشرين 2019 حتى انفجار عكار، ماضية في مشروعها على قاعدة Business as usual.
ومع التقصير الفاضح والمخزي، الذي يرتقي إلى مستوى الجريمة، في تحمّل المسؤوليات بتأليف حكومة، استثمرت “المنظومة” أكثر فأكثر في الفوضى. فقد “ارتاحت على وضعها” وتوسّعت مشاريعها، وفتحت فروعاً للمتاجرة بالأرواح في مستودعات المحروقات والأدوية والمستلزمات الطبية والسلع الغذائية، وتغطية التهريب على الحدود، وتنشيط السوق السوداء للدولار…
والنتيجة المتوقّعة: مزيد من ضحايا الإهمال والتواطؤ، خصوصاً بعد قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رفع الدعم عن المحروقات من دون التنسيق مع السلطة السياسية، الذي أدّى إلى حالة من فوضى شاملة اجتاحت المناطق وعرّضت للخطر الطوابير أمام محطات المحروقات ومستودعات المازوت والبنزين التي تحوّلت إلى قنابل موقوتة تحتاج إلى “وَلعة” أو رصاصة لتنفجر.
أمّا الجيش “المُستنزَف” فكان يَختبر قطوعاً قاسياً ومصيرياً بين استكمال مهمّته في مصادرة المحروقات المُخزّنة في كلّ المناطق، ومواكبة الطوابير أمام محطات البنزين، ومعالجة التداعيات الكارثية لانفجار التليل وما أفرزه من غليان شعبي أنذَرَ بالأسوأ.
وترافق ذلك مع دعوة النائب جبران باسيل إلى إعلان عكار منطقة عسكرية، وحديث رئيس الجمهورية عن “جماعات متشدّدة”، وردّ الحريري عليهما بالتأكيد أنّ “عكار ليست قندهار، ومَن يتسبّب بالفوضى هو المسؤول عن إدارة الحكم والانهيارات التي لم تتوقّف منذ سنتين”، داعياً عون “إلى الرحيل”.
والطامة الكبرى أنّ اجتماعين أمنيّين خلال 48 ساعة لم يمنعا من حصول الكارثة.
فبعد يومين من انعقاد المجلس الأعلى للدفاع الأربعاء في 11 آب، عُقِد اجتماع في اليرزة بدعوة من قائد الجيش العماد جوزف عون، وبحضور القادة الأمنيين، وتركّز على معالجة تداعيات قرار رفع الدعم عن المحروقات، وتقديم تقارير عن ضبط كميّات المازوت والبنزين في المناطق، والحدّ من الإشكالات الأمنية في المناطق.
وقال مسؤول أمني لـ “أساس”: “اُتُّخذ القرار في هذا الاجتماع بحسم ملفّ المحروقات بكل طاقتنا، بالتعاون مع الأجهزة القضائية. وأُخِذ القرار بفتح كل محطة خزّاناتها ممتلئة بالبنزين على أن يركّز الجيش على مسألة التخزين غير الشرعي للمحروقات”.
لكنّ السبب الأساس لاجتماع اليرزة يوم الجمعة، وفق المعلومات، هو طلب رئيس الجمهورية في اجتماع الأربعاء من قادة الأجهزة الأمنيّة تخصيص اجتماع للتباحث في كلّ التقارير الأمنيّة المرفوعة سابقاً عن منطقة الشمال، وتدارسها واستخلاص القرارات في شأنها، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة الأعمال التخريبية هناك ومهاجمة صهاريج المازوت وقطع الطرقات والمشاركة في أعمال شغب بين طرابلس وبيروت.
وقد عاد عون أمس وسأل القادة الأمنيّين هل تباحثوا في لقائهم الجمعة في هذه التقارير. ولذلك ضمّن موقفه بعيد انتهاء الاجتماع إشارة إلى أنّه “سبق وعرضت في الجلسة الأخيرة للمجلس تقريراً عن الوضع في منطقة الشمال، وتحديداً أنشطة جماعات متشدّدة، لخلق نوع من الفوضى والفلتان الأمني”. وقد جرّ هذا الموقف الرئاسي ردود أفعال غاضبة من الحريري وفريقه السياسي.
وتفيد المعلومات أنّ قائد الجيش قدّم رواية لِما حصل فجر الأحد في عكار بدءاً من مصادرة مخزن البنزين، وأخذ القرار بتسليم مواطنين كمّيات منه من دون مقابل بعد نقل الكمية الكبرى في صهاريج تابعة للجيش للاستفادة منها في قطاعات أخرى. وحتّى الآن لا يزال التحقيق مفتوحاً في السبب الفعلي الذي أدّى إلى تفجير الخزّان بعد تهافت المواطنين لأخذ حصّتهم من البنزين، مع تأكيد حصول إشكال بين الحاضرين سبق الانفجار.
ومنذ اليوم تخضع كلّ المناطق لِما يُشبه حالة طوارئ، حيث أشار البيان الصادر عن المجلس إلى “صدور مرسوم، بعد موافقة مجلس الوزراء، بتكليف القوى العسكرية والأمنيّة والشرطة البلدية فرض الرقابة على مصادر الطاقة وتنظيم توزيعها لمدّة شهر، أي حتى 15/9/2021، والعمل على تفريغ وإقفال المستوعبات المخالفة للأصول والأنظمة المرعيّة الإجراء”. ولم يُعرَف لماذا لمدّة شهر فقط، وليس حتى انتهاء الأزمة.
وهو إجراء، بتقدير كثيرين، أتى متأخّراً، وكان يُفترض أن يعمّم على كلّ المناطق اللبنانية منذ أشهر منعاً للاحتكار، مع العمل المركّز على منع التهريب على الحدود.
وفي الوقت الذي كان رؤساء الأجهزة الأمنية يستمعون إلى رواية الجيش لِما حدث، ويحدّدون المسؤوليات ويضعون الخطط لعدم تكرار حدوثه، كانت عكار تشتعل “ثأراً”، و”ثوّارها” والأهالي يُطالبون نوّابها السبعة بالاستقالة فوراً، والجيش يُنفّذ المداهمات، ويحاول لجم ردّات فعل أهالي ضحايا التليل.
لم تكن مأساة عكار سوى نموذج عن التواطؤ المُستنسَخ في كلّ المناطق بين السياسيين ومهرّبي ومخزّني المحروقات لبيعها في السوق السوداء.
وقد غطّى تراشق الاتّهامات بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل في شأن الهوية السياسية لجورج إبراهيم صاحب الأرض في التليل، وعلي صبحي الفرج مالك خزّان الوقود، على المأساة نفسها، حيث اُستُثمر المشهد فوراً في السياسة وتصفية الحسابات، فيما السؤال الأساس: ماذا كانت تفعل كلّ القوى الأمنية طوال الأشهر الماضية لمنع المحتكرين والمهرّبين من حرمان اللبنانيين من حقّهم بالكهرباء والمازوت، وجرّ هؤلاء إلى الهلاك والتفحّم طلباً لتنكة بنزين؟!
وتفيد المعطيات أنّ الجيش، منذ إصداره البيان غير المسبوق بدهم محطات الوقود المقفلة ومصادرة كميات البنزين وتوزيعها من دون بدل على المواطنين، تمكّن من مصادرة عشرات آلاف الليترات في العديد من المناطق. وقد واجه عراقيل كثيرة ناتجة بشكل أساس عن تجمّع المواطنين بكثافة وتدافعهم من أجل الحصول على البنزين. وهو واقع يشي بحجم الفوضى وفقدان السيطرة تدريجيّاً على الشارع.
وتوضح مصادر مطّلعة ومعنيّة أنّ “ضبط صهاريج المازوت والبنزين، والكشف عن المستودعات والخزّانات، هما مهمّتان محفوفتان بالمخاطر، فالنفوس محقونة جداً، والمواطنون في حالة شبه هستيرية، بحيث تحوّلت بعض محطات الوقود أو المستودعات التي تُخزَّن فيها المحروقات إلى مناطق اشتعال بحدّ ذاتها. والجيش يتعرّض لضغط هائل بسبب الحاجة إلى حضوره في الوقت نفسه بنفس الثقل العسكري والجهوزية في أكثر من منطقة وبقعة، إضافة إلى عدم قدرته على ضبط ردّات فعل الناس. هي الفوضى الشاملة التي تستدعي استنفاراً على كامل الأراضي اللبناني قد لا تستطيع تنفيذه أكبر جيوش العالم”.
فيديو من انفجار خزّان الوقود في عكار