«التيار الوطني» و«حركة أمل» يكسران الجرّة
لا يلبث لبنان أن يصل إلى محطّة استحقاقٍ، من أيِّ صنفٍ كانت، حتّى يستعر صراع البيانات والتصريحات المضادّة والمزايدات بين المسؤولين السياسيين، غير مبالين بسوى مصالحهم، فيما اللبنانيون يتأوّهون نتيجة اشتداد وطأة الأزمة الاقتصادية.
بهذه الصورة، استهلّ «التيار الوطنيّ الحر» و«حركة أمل» العام الجديد، مكيليْن، عشية الانتخابات النيابية، الاتهامات بالفساد والتعطيل والسرقات.
وقد افتتح رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، هذا المشهد، أمس، عبر رفع سقف الهجوم غير المسبوق، على حزب الله وحركة أمل ورئيسها، ما دفع برئيس مجلس النواب، نبيه بري، إلى استباق خطاب مرتقب للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، وانتداب معاونه السياسي، النائب علي حسن خليل، للردّ على هذا الهجوم ودعوة رئيس التيار إلى «الكفّ عن البطولات الوهمية والاستعراضات».
باسيل الذي اتهم بري بتحويل «الديموقراطية التوافقية» إلى حق نقض يستعمله حتى يشلّ مجلس الوزراء، ردّ عليه خليل بالقول إنّ اللبنانيين «يشهدون من شوّه الديموقراطية التوافقية بتعطيل الدولة والقرارات في مجلس الوزراء من أجل تمرير الصفقات، وأنتم من عطّلتم التصويت في مجلس الوزراء في ملفات الطاقة والاتصالات والبيئة»، معتبراً أنّ رئيس المجلس حريصٌ دائماً على المناصفة والعيش الواحد في لبنان.
ورداً على اتهام باسيل حركة أمل بأنّ قيادتها من «أمراء الحرب»، قال خليل: «نحن أمراء الدفاع عن لبنان ووحدته ولا نعرف ما إذا كان مؤسس التيار الوطني الحرّ أي ميشال عون هو من أمراء الحرب الذين أشار إليهم جبران باسيل أم رئيسهم؟»، متّهماً التيار بممارسة «لعبة شعبوية انتخابية».
وقال خليل إنّه كان يتطلّع «من منطلق المسؤولية الوطنية» أن يختصر باسيل كلامه بالدعوة إلى الحوار حول الدولة المدنية وتطوير النظام من داخل الطائف وحماية الدستور، والتأكيد على وحدة الوطن «وهو المشروع الذي حملناه كحركة أمل ونادى به الرئيس نبيه بري ومهّد له باقتراح قانون رفضتم حتى البدء بمناقشته»، ولفت إلى أنّ «الرئيس بري أدار حواراً داخلياً جامعاً أعاد تواصل اللبنانيين في ما بينهم ورسم خريطة طريق أنقذت لبنان».
وغاص خليل في الرّد على اتهامات باسيل للحركة، وقال رداً على اتهامه لبري بوضع قوانين في الجوارير، «إنّ الاتهامات الباطلة عن قوانين موضوعة في الأدراج هي محض افتراء، ورئيس المجلس لا يضع قوانين في الجوارير والقانون الوحيد الذي وضعه جانباً هو قانون تخفيض سن الاقتراع بتمنّ من البطريرك صفير والذي عبّر حينها عن هواجس المسيحيين من إقراره»، معتبراً أنّ عون «يؤخّر الكثير من القوانين»، وأنّ «معظم القوانين العالقة هي في اللجان التي يرأسها نواب التيار الوطني الحر وباسيل وضع تشكيل الهيئة الناظمة في أدراج وزارة الطاقة ولم يفرج عنه لغاية اليوم».
وعن التدقيق الجنائي، رأى خليل أنّه «ليس شعاراً بل ممارسة فعلية لتحقيقه، وهذا ما قام به رئيس المجلس النيابي بإقرار قوانين ونزع كلّ الألغام من أمامه بوقت «كنتو عم تحكو وبس». وأنتم الذين أردتم أن تمرّروا سرقة 50 مليون دولار أميركي وانكشفتم في مجلس الوزراء»، وقال: «تحدّيناكم سابقاً ونجدّد، من رئيس الجمهورية إلى آخر واحد، أن يكشف الغطاء عن كلّ ما حصل في البلد منذ سنة 1989 حتى الآن، وأن يحدّد التدقيق الجنائي مكامن الهدر والفساد والإفساد ومن هو الحزب أو التيار الفاسد ومن هم الأشخاص المسؤولون عن هذا الأمر».
واعتبر أنّ هجوم التيار الوطني الحر على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة «كذبة لن تغشّ الرأي العام»، وقال: «أنتم من بادر للتجديد بعد ما استفدتم من بنوكٍ محسوبة عليكم مستفيدة بدورها من الهندسات».
أما عن مقولة «ما خلّونا» في ما يخصّ ملف الكهرباء، فقال: «أنتم من أراد على مرأى من ديوان المحاسبة أن تمرروا سرقة 50 مليون دولار أميركي، وانكشفتم في مجلس الوزراء عندما عارضنا قرار الفرفة المختصة برفض دفعه».
ورأى خليل أنّ الكل يعرف أنّ التيار الوطني «رفض التوقيع على تعيين الناجحين في مجلس الخدمة المدنية بحجة الخلل الطائفي».
وعن اتهام باسيل للرئيس بري بتعطيل التصويت الإلكتروني في مجلس النواب، اعتبر أنّ «التصويت الإلكتروني يحتاج إلى تعديل دستوري لم تبادر أي مجموعة إلى طرحه فكفى بطولات وهمية واستعراضات».
وفي ما يتعلق باللامركزية الإدارية الموسّعة، رأى أنّ «هذا نصّ ثابت واضح في اتفاق الطائف، والخطير هو الحديث المتكرر عن اللامركزية المالية التي تنسف أساس الدولة الموحّدة، وهذه المطالبة تقدّم معطوفة بتحريضهم على بعضهم البعض».
وحول ملف انفجار مرفأ بيروت، اعتبر خليل أنه «لا يمكن لعاقل أن يقدّم نفسه حامياً للدستور ويغفل عن تجاوز نصوص واضحة تحدد كيفية التعاطي مع جريمة المرفأ، ولا نعرف كيف يتحوّل حق التظاهر إلى عدم إدراك ومؤامرة وتصرفات خارجة عن الدولة في وقت يُسمح للجميع بالتظاهر والاعتراض».
أمّا عن «الكابيتال كونترول»، فأعلن خليل أنها «بقيت في لجنة المال وعُرضت على الهيئة العامة وأُعيدت لأن فيها هدراً لحقوق المودعين وهي الآن أمام اللجنة مجدداً»، وقال إنّه «مع قانون يحمي حقوق المودعين لاستعادة أموالهم لحمايتها لا لحماية المصارف».
واعتبر خليل أنّ «باسيل ينادي بحقوق التيار والجماعة، لا بحقوق المسيحيين التي تم هدرها في الصناديق السود».
وكرّر خليل القول إنّ هناك رئيسين للجمهورية، في إشارة إلى باسيل وعون، وقال إنّ «المشكلة في الدولة عندما ننتخب رئيسين للجمهورية في الوقت نفسه، هنا تضيع المسؤولية».
وعن العلاقة بين حركة أمل وحزب الله: قال خليل «نحن نعتزّ بأنّنا في ثنائي وطني مع حزب الله، ثنائي تحمّل مسؤولية الدفاع عن لبنان أرضه وشعبه وحماية مقاومته في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وإننا ملتزمون بهذا التوافق والتكامل حماية للداخل اللبناني ومشروع الدولة الحقيقية وبناء مؤسساتها ودعماً لكلّ ما يعزز أدوار ومشاركة اللبنانيين في صناعة مستقبلهم الأمثل وحياتهم الكريمة».
وأضاف أنّ «الثنائي لن يعرّضه كلام تحريضي لأيّ اهتزاز، لأنّه مبنيّ على أسس من الصراحة والثقة واحترام خصوصيات الآخر ولم يكن ولن يكون يوماً مصادراً لرأي طرف على حساب الآخر».
وكان باسيل قد شنّ هجوماً أمس، خلال مؤتمره الصحافي، على رئيس مجلس النواب نبيه بري، وقال: «إذا بدّو يمشي شي قانون فالتصويت على ذوق رئيس المجلس النيابي لأنّو مانع التصويت الإلكتروني، ونحن رضينا بدستورنا ولا نريد تطييره بل تطويره وفق وثيقة الوفاق الوطني وبالتوافق».
وأضاف: «نريد التغيير الكبير بالحوار تلبيةً لدعوة رئيس الجمهورية ومن يعتقد أنه قادر على كسر غيره بالقوّة ومن خارج الحوار فأدعوه لمراجعة تجربة الآخرين». واعتبر أنّ «هذه الدولة المركزية التي تسلب رئيس الجمهورية صلاحياته بالقوة من قبل مجلس النواب والمجلس الدستوري وتسلب بقية الطوائف حقها بالمداورة بوزارتي المالية والداخلية هذا الأمر لم نعد نريده. هذه الدولة المركزية فاشلة بقيادتكم وبسبب منظومتكم ونحن لا نريد العيش بدولة فاشلة والدولة المركزية نريدها مدنية علمانية». ورأى أن «نظامنا السياسي معطّل حاله لأنّه عندما تمّ القيام باتفاق الطائف، كان هدفه أن يبقى لبنان محكوماً من الخارج. وأبسط برهان انّه مغيّب عن قصد المهل الزمنية المقيّدة لرئيس الحكومة والوزراء ومجلس النواب ورئيسها».
واعتبر أن «البعض حوّل التّوافقية لحق نقض أو فيتو لكل مذهب من المذاهب، يتم استعماله لشلّ مجلس الوزراء، ويُمنع التصويت بصدور قرارات غير موافق عليها».
وعن اتفاق «مار مخايل» مع حزب الله، دعا باسيل إلى «تطويره»، وقال في الوقت عينه إننا «قمنا بتحالف مع حزب الله لا حركة أمل، وحين نكتشف أن الطرف الآخر الذي بات يقرر مقابلنا في التفاهم هو الحركة، من حقنا أن نعيد النظر»، معتبراً أنّ «من غير المقبول أن تصبح الثنائية الشيعية أحادية بالقرار وتختزل قرار طائفة على حساب مصلحة البلد».
واعتبر أنّه «إذا فككنا التفاهم، لن نربح أصواتاً انتخابية، ولكن الموضوع بات يتعلق بلقمة عيش الناس، ونحن إذا تحالفنا مع الحزب في الانتخابات سنكون أقوى، ونحن اتفقنا على هذا الموضوع، ولكن بين أن نربح الانتخابات وأن نربح أنفسنا، نحن نختار أنفسنا وصدقيتنا».