صراعات ما بعد الانتخابات: ضريبة نبذ التوافق
الأخبار- سرى جياد
لم يكن إطلاق النار على المتظاهرين السلميين المعترضين على نتائج الانتخابات، وقتل وجرح بعضهم، ومن ضمنهم قيادي في «عصائب أهل الحق»، ليمرّ مرور الكرام. ولذلك، أحاط المعنيّون على الضفة السياسية المؤيّدة لـ«الحشد الشعبي»، حادثة محاولة اغتيال الكاظمي بطائرة مسيّرة مفخّخة، وفق إعلان السلطات العراقية، بالتشكيك، باعتبار أن الرجل فقد الكثير من رصيده السياسي، وما عاد يحظى بفرص كثيرة للبقاء في منصبه، حتى بين القوى المتحالفة معه، مع اتجاه «التيار الصدري» لتسمية رئيس وزراء من بين صفوفه، لسببَين: الأوّل هو أن الصدر يريد أن يحكم، مستنداً إلى نتائج الانتخابات، بغضّ النظر عن الشوائب المحيطة بها؛ والثاني أن الكاظمي مرفوض من الجهة الأخرى التي تُحمّله مسؤولية هندسة نتائج الانتخابات، قانوناً وتزويراً مباشراً وفتحاً للباب أمام التمويل الخارجي، ولا سيما الخليجي.
ما يجزم به «الحشد الشعبي» هو أن محاولة اغتيال الكاظمي يُراد منها خلط الأوراق، من خلال تحميله مسؤوليتها، للقضاء على أيّ احتمال لعودة الانسجام السياسي بين العراقيين، وخاصة في «الصفّ الشيعي».
يشدّد القيادي في «الحشد»، جبار المعموري، في حديث إلى «الأخبار»، على ضرورة أن «يكون هناك تحقيق في كيفية حصول محاولة الاغتيال، ولماذا لم تعمل الدفاعات الأميركية في المنطقة الخضراء، ولم تنطلق صفارات الإنذار التي تعمل بشكل ذاتي عند انطلاق أيّ مقذوف باتجاه المنطقة»، معتبراً أن «العدو الأميركي يتربّص ويريد أن يخلط الأوراق بين أبناء الشعب العراقي، ولذلك إذا أظهر التحقيق أن الحدث حقيقي وصحيح، فيجب أن يكون المتّهمُ الأول هو الأميركيين لأنهم هم تبنّوا حماية المنطقة الخضراء». ويضيف المعموري أن «الجانب الأميركي هو مَن أشعل نار الحرب، وهو من أطلق الرصاص باتجاه المتظاهرين العزّل الذين يطالبون بأصواتهم التي سُرقت جرّاء هذه المؤامرة الكبيرة التي أديرت إقليمياً من دول مثل السعودية والإمارات، وكذلك دولياً من قِبَل أميركا وإسرائيل اللتين كانتا أوّل من بارك هذه الانتخابات التي كان يشوبها الكثير من التزوير وسرقة أصوات العراقيين، ولذلك خرج الشعب العراقي، وفُتحت عليه النار من قِبَل عناصر يعملون وفق أجندة غير معروفة تقف وراءها الجهة ذاتها التي استهدفت المتظاهرين العراقيين في التحرير والناصرية سابقاً. والأصابع تشير أيضاً إلى الأميركيين وإلى تدريبهم الذي يريدون من ورائه إشعال نار الفتنة بين مكوّنات الشعب العراقي».
داخلياً، كانت الكُرة، منذ صدور نتائج الانتخابات، وما زالت، في ملعب «التيّار الصدري»، الذي ساهم، عن قصد أو غير قصد، في إيصال البلاد إلى الانسداد السياسي المترافق مع تطوّرات أمنية خطيرة، من خلال قيادته عملية تشكيل الحكومة الجديدة قبل الاتفاق على نتائج الانتخابات. وحتى لو جرى التوصّل إلى مثل هذا الاتفاق، فإن التيّار معنيّ بالتوصّل إلى تسوية مع الأطراف «الشيعية» الأخرى التي تكاد، مجتمعة، توازيه في عدد المقاعد. وتفيد المعلومات بأن الصدر والأطراف المذكورة كانوا قد اتفقوا على صيغة للحكومة بعد وساطة إيرانية، تشمل سلّة كاملة أساسها أن يكون رئيس الوزراء متّفَقاً عليه بين الجانبين، لكن الذي فرط الاتفاق هو إصرار رئيس «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، على أن يكون هو رئيس الحكومة، ما أدى إلى خروج الصدر بتغريدته التي عاد فيها إلى نغمة حكومة الأغلبية، وانتقد التدخّل الإيراني في الشؤون العراقية. وجاء تصريح المالكي عن طرده ممثّلي إحدى الجهات الخارجية من العراق، ليؤكد هذه الواقعة.
لكن التيار الصدري عاد وأظهر ميلاً إلى التهدئة بعد أحداث المنطقة الخضراء التي قُتل خلالها المسؤول في «العصائب»، وجُرح عدد آخر برصاص القوى الأمنية التي تأتمر بأوامر الكاظمي. وفي هذا الإطار، اعتبر القيادي في التيار، عصام حسين، في حديث إلى «الأخبار»، أن قرار «تحالف الفتح» إقامة خيمة عزاء للقيادي القتيل عند المنطقة الخضراء هو رسالة واضحة جدّاً «بأنه يريد الذهاب إلى التهدئة بدل التصعيد، كي لا يتسبّب بالفوضى باعتبار أنه تحالف سياسي وليس جهادياً، لكنه استخدم خطاب الجهاد في قضية سياسية ما أدّى إلى حصول بعض الاضطرابات. أعتقد أنه أذكى من أن يصل إلى مرحلة صدام مسلح مع الدولة على اعتبار أن لديه طموحاً سياسياً». لكن حسين أعاد ترداد مقولة التيّار بأن الحكومات التوافقية السابقة هي «سبب الفشل الذي أدى إلى خروج كثير من الناس إلى الشارع، والتصادم مع القوات الأمنية، والانسداد السياسي والضمور الاقتصادي»، مضيفاً: «أعتقد أن الحلّ الذي يُنقذ الكلّ هو حلّ حكومة الأغلبية الوطنية، على اعتبار أنها تعتني بالشعب ولا تعتني بالأحزاب، وتكون هناك أحزاب مسؤولة عنها وأحزاب تعارضها. ونترك الموضوع للشعب في التقييم في انتخابات 2025».
وفي ما يتعلّق بالمشاورات لتشكيل الحكومة، أكد حسين أن مقتدى الصدر «رسم تحالفات من خلال اتصاله بمجموعة من القوى السياسية أو اللقاء بها، وبدأت تتبيّن ملامح التحالفات المقبلة، لكن ستكون هناك مفاوضات مضنية على اعتبار أن العراق عبارة عن بؤرة من المشاكل منذ عام 2003 وما قبله حتى اليوم»، ودعا الكتل السياسية «إلى إظهار التفهّم لأن هذه المشاكل لا تُحلّ بين ليلة وضحاها». وعن الاعتراض على نتائج الانتخابات، قال القيادي «الصدري» إن «المفوضية العليا للانتخابات ردّت على هذا الموضوع، وقالت إن من لديه طعوناً فليقدّمها إليها، وهناك اعتراف دولي بنزاهة الانتخابات، خصوصاً أن المعترضين على الانتخابات هم فصائل مسلحة ولا يمتلكون سوى خمسة مقاعد في البرلمان. فحتى السيد هادي العامري ليس لديه اعتراض وهو يعترف بنزاهة الانتخابات، وكذلك السيد المالكي لم يشترك في التظاهرات ولم يدعمها». وفي شأن التدخلات الخارجية، اعتبر حسين أن «الفاعل الخارجي يرى أن التدخّل في هذه المرحلة قد يتسبّب بتصدّع هذا النظام وانهياره. لذلك هم يريدون مصالحهم فقط».