تحقيقات - ملفات

فَداحَة لبنان

“ليبانون ديبايت” – روني ألفا

ما زلنا نُدَوبِلُ ” السَّرتِفيكا “. نرسبُ في وطَن نُجوم إيليا أبو ماضي. يَدعونا للتطلُّع إلى فَوق فيما نحنُ غارِقون في جورَة فَحص خْروج. تلاشَتْ في ذاكِرَتنا كل أبيات الشعر الوَطَني لصالح موليار وشكسبير. نحن مواطِنون متَّسِخون بكلّ قاذورات السياسَة.

نحنُ جيل الخمسَة قُروش برونز وملبَّس بِقضامي وإمّ قلَيباني وأفلام قَصيرَة قطشَه أبو خليل. المال والجِنس يحكمان منذ نصف قرن طبائِعَنا البوهيميَّة البَهيميَّة. تَعلَّمنا الإنتصابَ الجَندَري قبل انتصابِ الجِباه. ذكورتُنا مُهَودِسَةً بالأسرَّة في المَواخير. وطنٌ لم يدَرِّبنا سوى على رَقص السّامبا على حشرَجات الآخَرين. مارَسنا ساديَّتَنا ونحن صغارٌ على صيصانِ الفِصحِ الملوَّنَة. فَسخناها باسمِ مُتعةِ الإكتشاف. حَبَسنا الضَّفادِعَ في قَطرَميزٍ من زجاج حتى نَفَقَتْ خَنْقاً. داعِش خرَجَ مِن ألعابنا الوحشية مع الحيوانات الأليفَة. كَبِرنا وتَقاتَلنا وصِرنا قِدوَة لِداعِش.

نحنُ بَراميل إنسانيَّة ملوَّثَة بِنفايات طائفيَّة. نُدركُ اليوم لماذا يتندُّر العالم علينا. نحن نكتةُ حضارةٍ في مدنيّة العالم الحرّ. برغم بلاهتنا نضحك. برغم سذاجتنا نظنّ أننا أذكى شعوب العالم.

أُعذروا طفولتَنا. نَشأنا على تَخبئَةِ مَجلّاتٍ إباحيَّةٍ في الشِّنَط المدرسيَّة. على إتقانِ فَكْفَكَةِ مسدّس تِسعة أَربَعْتَعْش قبلَ إتقان جَدولِ الضَّرب وفَهْم نِسبيَّةِ آينشتاين. تمتَّعْنا جَميعاً بِقَنصِ لَمباتِ البَلَديَّة لَيلاً بِالتِّسعة مِيلَة لِنتلذَّذَ بِمشهدِ العَتمةِ وبِرَشقِ الحَمير في الحَقلِ القَريب للإِنصاتِ إلى نهيقِهِم. لا عجب أن يَسيلَ لُعابُنا على مشهدِ رؤوس المقاتلين في حربنا الأهلية مغروزةً على أسطح جيبات عسكرية مترافقةً مع أغانٍ حزبيَّة تمجّد القتل على الهويَّة.

نحن غاضبونَ دائماً من دون سلام داخلي. ممنوع علينا أن نُطرَبَ لِمرسيل خليفة مخافةَ وسمِنا بِلينين ومحظورٌ علينا عشق فلسطين من دون إستثارة مشاعر شاربي الدماء على قبور ملايين الفلسطينيين الأبرياء.

نحن أطفال النَّهب والسرقة. من عَروس اللبنة التي كنّا ننتشلها غفلة من رفقاء مقاعِدِ الدراسة. نأكلُ حراماً ويبكونَ حلالاً. نحن جيل نِفاق. نزوّرُ تواقيع أهلِنا كل نهاية شهر هرباً من جرصَة دَفتَر العلامات. جيلنا كان يفضّل هدايا القطار الكهربائي في عيد الميلاد على كتاب النبي لجبران.

نحنُ إرهابيون لا نقلّ عطشاً للخراب من مُقتَحِمي بُرجَي التجارة في نيويورك ومن جاك السفّاح. نحن ضحايا وطن لم يفسّر اللون الأحمر في عَلَمِه سوى بكميات دماء شهداء الحرب وقتلى الصدفَة وموتَى لم يكن مقدّراً لهم أن يموتوا. نحن مزوَّدون بكل أدوات الجريمة منذ ولادتنا في المستشفيات الحكوميّة. منذ سقوط أسنان الحليب من أفواهِنا لم ننتظر سوى أن يأتينا الفئرانُ بالبسترينَة. هدايا لم نستحقّها يوماً. كل ما جنيناهُ لم يكن باستحقاق ولكن بالنقّ وبالحسد من الجار في الشقَّةِ المقابلة.

نحن أضاحٍ لم تُذبَح تماماً من الوريد إلى الوَريد. نمسِكُ كل يوم بأورِدتنا النازِفَة ونذهب إلى عملنا الذي نكرهه بقدر ما يكرهنا. نحمل قلوبَنا كل يوم لنقنعه بحبّ لبنان. يجيبنا لبنان أنه لا يحبّنا ولا يريدنا ولا يأبه بنا. فداحة لبنان أنه وطن فاقد للحسّ والشّعور مثلنا تماماً. نحن تَفَهة في مواجهة مصيبة نظام لا يمكن أن نتعلّم منه شيئاً سوى الأحقاد.

نحن دموع راجلة. نتسرَّب من شقوق الطوائف ونوافذ الوطن المخلَّعَة. نترنّح بين وثيقَة طلاق ووثيقَة وفاة. نغطِّس أيدينا في جرن المياه المباركة منذ خمسين سَنَة على مداخل الكنائِس الهَرِمَة. لم تقوَ ” الميّ المْصلّايِه ” على شَطفِنا. نحن متخصصون بالبلاهَة في أول حملة إنتخابيّة ومستهلّ خطاب زَعيم. نكسَبُ أوقات فراغنا بالخسارة. لا تضيّعوا وقتنا بترّهات الوطن. ننتظر سفينة فضائيّة تقلّنا بعيداً عن النشيد الوطني. لسنا على ما يرام. الما يرام لا يريدنا أصلاً. نحن لبنانيون حقيقيون في لبنان تَقليد. وطن تَهريب نبيعه كتجّار البالي في سوقِ النّخاسَة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى