فرنسا وأميركا: الحكومة العسكرية أو الفوضى
منال زعيتر -اللواء
مات لبنان، مات اللبنانيون…فيما يتفرج السياسيون ويصفقون للانهيار… هنا «كلكن يعني كلن» متهمون… لم يعد هناك فارق بين حزب وآخر وبين زعيم او رئيس او نائب او وزير، طالما ان خطيئة قتل الوطن وتدميره ارتكبوها جميعا تارة باسم الدين والطائفة والمذهب وطورا باسم الزعامة والقيادة والتاريخ وكل هذه الترهات التي لم تعد «تغني او تسمن من جوع».
مات لبنان، مات اللبنانيون… وما زال البعض يحاول اقناعنا بان العقبات التي تمنع تشكيل الحكومة داخلية محض، وان الدنيا ستبتسم لنا اذا تشكلت الحكومة التي يصح تسميتها بالمصيبة على افتراض ان اية مساكنة بين الحريري والعهد وتياره في هكذا حكومة تشبه زواج الاكراه بكل تبعاته ومشاكله، ولهذا اصبح لزاما علينا ان نصرخ وبالفم الملان «عمرا ما تتشكل حكومة» و«ليسقط العهد الذي لم يعد هناك من داع لبقائه مهما كانت التبريرات التي تساق لاسقاط تهمة تعطيل الحكومة والبلد عنه».
مات لبنان، مات اللبنانيون… وما زال الحكام بامرهم يتقاذفون التهم… هنا قد تكون تبرئة الحريري فيها وجهة نظر، ولكن قد تكون تبرئة باسيل وعون مستحيلة طالما ان هذا العهد عهدنا، عهد من يفترض ان يلتزم بخط المقاومة قولا وفعلا، وهل هناك مقاومة اسمى من الترفع عن كل الصغائر والتضحية في سبيل الوطن، وهل هناك مقاومة اسمى من اعطاء الحريري او غيره فرصة ما زالت ممكنة كي يتنفس لبنان حتى لو كانت على حساب حقوق اي طائفة… فالوطن اسمى من الطوائف والغايات والشخصانيات.
مات لبنان، مات اللبنانيون…وللاسف ما زال المسيحيون يمارسون الاقطاعية ويمانعون اعطاء اي شريك اخر في الوطن حقه، وللاسف ساهم حزب الله بتغذية هذه النزعة عند مسيحيين من امثال باسيل حين منحوه سلطة اعتبروها حقا مكتسبا فيما هي اكراميات اذا جاز التعبير، وفي لحظة اقليمية ودولية حاسمة سوف يضطر الجميع بمن فيهم ثنائي «حزب الله-امل» الى وضع النقاط على الحروف، طبعا لن يفرط الثنائي بحق المسيحيين كما يتوهم باسيل وغيره وهو الاحرص «اي الثنائي» على شريكه في الوطن والتجربة منذ الطائف اثبتت ذلك، ولكن في تلك اللحظة لا بد من اتفاق سياسي جديد في لبنان وفقا للاحجام والتوازنات الجديدة في المنطقة، وعلى ما تؤكد مصادر قيادية في ٨ آذار فان دور المسيحيين سيبقى محفوظ في اية تسوية، ولكن ما يمر اليوم عبر البوابة الشيعية مواربة من خلال الاقرار الدولي والعربي بامساك الثنائي بالقرار السياسي في البلد سوف يصبح رسميا في المستقبل، فهل يتحمل باسيل وامثاله اعادة تشكيل البلد بهذه الطريقة، وهل يستوعب حينها ان تجربة الشيعة والمسلمين بشكل عام قد تكون الاقدر على حماية السلم الاهلي والوطني.
مات لبنان، مات اللبنانيون…والاتي اعظم فجهنم التي وعدنا بها عون قطعناها بمراحل، وما ينتظرنا سوف يحرق الاخضر واليابس ويرتد على الجميع…هنا تؤكد المصادر القيادية بان ما حصل في طرابلس ليس نموذجا عابرا ولا يمكن اعتباره مجرد غضب شعبي بسيط، طرابلس قد تكون بوابة جهنم الحقيقية التي ستؤدي وفق ما يتم تسريبه الى اخذ البلد باتجاه حكومة عسكرية… المعلومات المتوافرة من مصادر قيادية واخرى دبلوماسية تؤكد بان فتح الباب الفرنسي والاميركي والعربي امام قائد الجيش العماد جوزيف عون كان من اجل تكوين تصور عام لكيفية ايجاد سيناريو غير صدامي مع الثنائي الشيعي تحديدا لجهة اعطاء الجيش الاولوية في المرحلة الفاصلة عن الانتخابات للامساك بقيادة البلد.
وكشفت المصادر الدبلوماسية انه جرى التوافق خلال اللقاء الثلاثي بين وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن والفرنسي جون ايف لودريان والسعودي فيصل بن فرحان على ضرورة الضغط على السياسيين اللبنانيين للسير بحكومة تلتزم الخيارات الدولية، ومع استبعاد امكانية اتفاق العهد مع الحريري او غيره على تشكيل حكومة كهذه، فان لبنان وفقا للمصادر امام خيارين لا ثالث لهما «الحكومة العسكرية لتغيير الستاتيكو السياسي القائم او الفوضى».
وعليه، اعلنت المصادر الدبلوماسية للمرة الاولى بان قائد الجيش العماد جوزيف عون يحظى بغطاء دولي وعربي لترؤس حكومة عسكرية انتقالية تجري الانتخابات النيابية وتشرف عليها، واذا استبعدنا فشل سيناريو الحكومة العسكرية التي رفضها الفاتيكان وروسيا ودول عربية وجهات لبنانية داخلية، يجري التداول بسلة رئاسية ونيابية وحكومية متكاملة للعهد الجديد لجهة ان يتولى قائد الجيش رئاسة الجمهورية ومدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم رئاسة مجلس النواب في حين ما زالت السعودية معارضة على الشخصية السنية المطروحة لتولي رئاسة الحكومة.
وهذا يقود بطبيعة الحال الى تاكيد المؤكد بان الحريري لن يستطيع تشكيل الحكومة «الا اذا حصلت معجزة»، حتى ان اقرب المقربين من الرجل والداعمين له داخليا وعربيا ودوليا باتوا يبحثون عن الصيغة المثلى لانسحابه دون ان يدفع ذلك الى انفجار الوضع الامني والاجتماعي بشكل كامل مما يؤدي تلقائيا الى فرض الحكومة العسكرية كحكومة «الامر الواقع».