“عين” واشنطن على وزارة الصحة!
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
لم يشهد بيت الوسط، منذ تكليف رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري مهمة تشكيل الحكومة الجديدة قبل أكثر من اسبوع، اي حركة دبلوماسية تُذكر. في العادة، كانت الوفود تحج إلى الدار في مناسبات مماثلة طمعاً في إبداء دعم، ولو من خلال صورة!
كثُر الحديث في الآونة الاخيرة عن توافر دعم للحريري مصدره أكثر من جهة، عربية ودولية، خوّلته الالتفاف على شروطه السابقة حيال العودة الى السلطة والمضي تجاه تأليف حكومة جديدة في خريف عهد الرئيس ميشال عون الذي سبق وان اعلن القطيعة السياسية معه قبل أن يعود عنها. منذ تاريخ تكليفه، تتردد معلومات حول “قبة باط” متعددة الجنسيات نالها الحريري لقاء التزامات معينة لها صلة بعملية الاصلاح داخل بنيان الدولة المفكك، لكن لم يظهر لغاية الآن أي بوادر عملية على الارض.
باستثناء التسريبات التي نقلت عن لسان الدبلوماسي الاميركي ديفيد هيل قبل عدّة ايام حيال توفير “جهة اميركية” جانباً محدوداً من الدعم إلى الرئيس سعد الحريري في مهمته الجديدة، بقيت كل الاحاديث الاخرى من هذا النوع مجرد كلام. السفير السعودي وليد بخاري مثلاً تجنب القيام بأي زيارة تجاه بيت الوسط أو حتى إصدار أي موقف سياسي حول التطورات الراهنة ومنها تأليف الحكومة كي لا يفسّر كلامه على انه موقف سعودي رسمي
باستثناء القنبلة الصوتية التي انفجرت عبر صحيفة “المدينة” السعودية وكبدت خسائر دبلوماسية جسيمة للمملكة، بعدما اخذ الكلام في اتجاه “تبريد للعلاقة مع الحريري ومنحه هامش تغطية”، فان “عبارة إنشاء الله وبالتوفيق” هي اكثر ما يصدر عن المستوى السعودي وفق ما تدعي أوساط لبنانية قريبة منه، وعلى ذمتها “دخل الحضور السعودي في الداخل اللبناني بمرحلة ركود منذ فترة ليست بقصيرة، وهذا الركود إنما يخفي بين طياته أكثر من اشارة”. في المقابل جرى التعامل سريعاً مع “موقف المدينة” فتم احتواؤه بطريقة “استئصال المقال وانتزاعه”!
الاميركيون، تحديداً ممثليتهم في بيروت، تعتمد نفس الاسلوب تقريباً. لا تواصل أو زيارة منذ تكليف الحريري رئيساً، كأنها أخذت حيزاً مستقلاً لنفسها بعيداً عن بيت الوسط في موسم التشكيل، وعلى الارجح مرد ذلك كله إلى عدم تفسير أي تواصل او زيارة على أنه نوع من انواع الدعم في ظل رفع واشنطن لشروطها امام مهمة للحريري، والامر ذاته ينسحب على سائر سفراء الخليج العربي.
اكثر من مصدر مطلع على الخلفيات الدبلوماسية العربية يؤكد أن دول الخليج تحديداً وضعت الرئيس الحريري تحت خانة المراقبة المجهرية، وإنطلاقاً مما ستكتشفه في التشكيلة الحكومية العتيدة ستبني علاقتها المستجدة معه كرئيس وزراء وموقفها من مهمته. وعملاً بالمفاهيم السابقة، كانت دول الخليج قد رفعت من شروطها حيال منح الحريري دعماً، اولها الالتزام بتشكيل حكومة من الاختصاصيين غير السياسيين والحد من نفوذ حزب الله داخل الدولة، وهو في الاساس مطلباً سعودياً – اميركياً تتماهى معه عدد من دول الخليج على رأسها الامارات.
في درجة أخرى، تنتظر الدول تلك مضمون البيان الوزاري حتى تبني على الشيء مقتضاه. بالنسبة إليها تريد من الحريري الالتزام بعدة مقتضيات، يبدو من خلال التدقيق ان بند “شعب جيش مقاومة” موضوع على رأس لائحة المطالب. وعلى ذمة المصادر، الدول الخليجية سترسم خطوطها بناءاً على شكل تعامل الحريري مع البيان الوزاري وبند المقاومة بالذات. طبعاً الحريري قد استبق كل ذلك بإعلان أن بيانه الوزاري، سيتضمن بنود المبادرة الفرنسية بشقيها السياسي والاقتصادي.
في جانب آخر، رفعت الولايات المتحدة من لاءاتها مع قرب إعلان الحريري لتشكيلته الحكومية. على رأس القائمة، رفض أي شكل من أشكال دخول حزب الله جنة الحكومة تحت أي صفة، ثم بعدها إخراج حقائب محددة من تحت ابط الثنائي الشيعي، كالصحة مثلاً. والولايات المتحدة وفق أكثر من مصدر، ابلغت اصدقائها في بيروت أنها تعمل على التدقيق في أي تشكيلة سيرفعها الحريري إلى رئيس الجمهورية، وستبني موقفها من الحكومة تبعاً لهيكلية هذه الحكومة.
في المقابل يتعامل “الثنائي الشيعي” مع تسريبات واشنطن ببرودة شديدة، وقراءته المبدئية انها تحضر في زمن التأليف كنوع من انواع الضغط التي تسعى الى فرض شروطها عبرها، وبالتالي فان “الثنائي” غير ملزم بتوفير اي شرط من الشروط الاميركية. من جهة اخرى، هو اوكل مهمة مفاوضة الحريري إلى “الخليلين” وسقفه بات معروفاً “الدخول الى الحكومة بحصة كاملة تناسب حجمه ووزراء يتفرد بتسميتهم”. ويفترض انه وحين يفرغ الحريري من حلحلة العقد المستجدة امامه وآخرها العقدة الدرزية التي فرملت التأليف جزئياً، سيكون امامه على الطاولة كلام من اعيرة سياسية مختلفة.