إياد العنبر
ينشغل التفكيرُ العربي والإسلامي كثيراً بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة شروط الإمام وصفاته والسجال بشأن مصدر شرعيته، ومِن ثمَّ تأتي عناوين فرعية أو على الهامش لتناقش كيفية الحكم وما هي معايير عدالة حُكمه.
وهنا تحديداً نجد اتجاهَين: الأول يناقش موضوع “كيف يحكم الإمام أو السلطان” من منظور الأدب السياسي الذي يهتم بتقديم النصائح للملوك والسلاطين والأمراء. أما الاتجاه الثاني ويمثله بعض الفقهاء، الذي يرفض الطعنَ بشرعية الحاكم أو الخروج عليه حتى وإن كان ظالماً! وما على الناس إلا السمع والطاعة للأمير حتّى وإن “ضربكم على ظهورِكم وأخذ أموالَكم“.
في العراق ومنذ اليوم الأول لما بعد الانتخابات بات السؤالُ الأبرز في الحوارات الإعلامية هو مَن يكون رئيس الوزراء القادم؟ وبدأت التكهنات وترشيح الأسماء ومناقشة حظوظها في نيل هذا المنصب الذي لا يناله إلا ذو حظ عظيم في العراق، لأنَّ الموضوع لا يتعلَّق بالكفاءة ولا بالخبرة بالسياسة والاقتصاد، وإنما يتطلب عاملَين: الأول أن يحظى بالمقبولية بين الفرقاء السياسيين، وهذه المقبولية لا تعتمد كاريزما القيادة السياسية، وإنما معياراً محدداً من الولاء والسمع الطاعة لزعماء الطبقة السياسية. أمّا العامل الثاني فهو ينحصر بالمقبولية وعدم الاعتراض من أصحاب النفوذ الخارجي.
حتّى الآن تنحصر هذه السجالات بين القوى السياسية الشيعية، وتحديداً بين التيار الصدري الفائز بأكثر المقاعد، وبين قوى الإطار التنسيقي التي تجمع تحالف المالكي مع القوى الخاسرة التي خسرت مقاعدها في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول.
ورغم المهاترات بشأن الوصول إلى الكتل النيابية الأكثر عدداً، فإن الواقع يشير إلى أن الكتلة المعنية بتسمية رئيس الوزراء سوف تتشكل على أساس تحالفات هشّة هدفها الأساس تقاسم مغانم السلطة بين الكتل السياسية من خلال الاتفاق على الرئاسات الثلاث والوزراء وتقاسم المؤسسات والهيئات السياسية.
وما بين (الصدريّ القُح) الذي سيتولّى مهام رئيس الوزراء، كما وصفه السيد مقتدى الصدر في دعايته الانتخابية بتأكيده على التصدي لهذا المنصب بعنوانهم الصريح كصدريين وليس مرشَّح تسوية؛ وبين أطراف الإطار التنسيقي الذي فرض السيد نوري المالكي نفسه زعيماً لهذا التحالف باعتباره صاحب المقاعد الأكثر، باتت السجالات تنحصر اليوم بشخصية رئيس الوزراء لا بمشروع إدارة الدولة في المرحلة القادمة ولا بكيفية تجاوز أخطاء الماضي وإيجاد معالجات عملية لتراكمات الفوضى والفشل والفساد وسوء الإدارة.
حسابات الفرقاء السياسيين تنظر إلى شخصية مَن يكون رئيس الوزراء القادم من خلال منظور مصالحها، لذلك هي تنشغل بالبداية في ترتيب مغانم السلطة وتوسيع دائرة النفوذ السياسي في مؤسسات الدولة، ومن ثمَّ تكون المعايير المطلوب توفرها في شخصية رئيس الحكومة ووزرائه منحصرة في ضمان الالتزام بتنفيذ أجندة المصالح التي جرى تحديدها داخل الكتل السياسية.
وعلى هذا الأساس واهمٌ مَن يتصور أن الكتل السياسية سوف تعمل وفق معادلة التوزان بين مصالحها التي تتجسد في الوصول إلى السلطة والبقاء فيها، وبين تحقيق مصالح المواطنين بصورةٍ عامّة.
وبعيداً عن الأسماء المطروحة أو التي سوف تُطرَح مستقبلاً، وحتى الذي سوف يتسلَّم قيادة الحكومة القادمة، فإن مهمته الأساس تنحصر في إدارة الصراعات بين الفرقاء السياسيين، الذين يرون أن مهمة الحكومة القادمة تنفيذ مشروعهم في ترسيخ بقائهم ضمن منظومة الحكم من جهة، وإضعاف الخصوم المنافسين من جهةٍ أخرى. لا سيما أن نتائج الانتخابات ساهمت بإقصاء الكثير من عناوين الزعامات السياسية التي ستكون نهايتها الحتمية في الابتعاد عن دائرة السيطرة على المؤسسات السياسية.
ولذلك التيار الصدري يريد رئيسَ وزراء قادر على مواجهة القوى التي تريد أن تفرض سيطرتها على الدولة والمجتمع من خلال قوة السلاح الموازي؛ لأنَّ هذا المطلب يجعل التنافسَ محصوراً في المجال السياسي وبعيداً عن نفوذ السلاح، وكذلك يكون قادراً على المساهمة في إنجاح تجربة تصدّيهم لرئاسة الوزراء، والذين يكونون مسؤولين مباشرةً عن نجاحه أو إخفاقه.
أما خصوم الصدريين من داخل البيت السياسي الشيعي، فينقسمون بين مَن يريد أن يعزز رصيدَه السلطوي واستعادة خسارته للكثير من المناصب السياسية والإدارية في السنوات الثمان الماضية، وبين من يريد أن يبقى مشاركاً في السلطة حتّى وإن كانت مشاركته هامشية.
بموازاة ذلك، لا تريد القوى السياسية الكردية أكثر من الإبقاء على التفاهمات السابقة التي تتعلَّق بالرواتب وتصدير نفط الإقليم التي ترسَّخت في الموازنات العامة للسنوات الماضية وتحديداً في حكومتَي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي.
أمّا المكاسب الأخرى التي سوف تبحث عنها فهي لا تتركز في المناصب السياسية وإنما ستكون في النقاش بشأن المناطق المتنازَع عليها، وكيفية ضمان ضمّها إلى مناطق الإقليم. وبالتالي ستكون هذه هي شروطها الرئيسة في المفاوضات مع الكتل السياسية وفيما بعد تبحث عن ضمانات تنفيذها من قبل شخصية رئيس الحكومة القادم.
أمّا القوى السياسية السنية، وبعد أن أصبح التنافس محصوراً بين زعيم تحالف تقدّم وزعيم تحالف العَزم، فإن البحث عن ضمانات ترسيخ الزعماء السياسية السنية هو الشغل الشاغل للقوى المتنافسة، ويبدو أن حظوظ السيد الحلبوسي في توسيع نفوذه السياسي متاحة، وربما قد يطرح مشروع الإقليم السني حتّى يتم استنساخ تجربة إقليم كردستان.
إذاً، في الوقت الذي يبحث الفرقاءُ السياسيون عن رئيس وزراء ينفّذ إراداتهم ويحقق مصالحهم، فهم يفكّرون بأن يكون خاضعاً وخانعاً لهم. وعلى هذا الأساس لا نجد الحديثَ في داخل الأروقة السياسية عن مشروع سياسي لإنقاذ البلاد من الخراب والفشل، وإنما عن شخصية تعمل باعتبارها رئيس شركة خاصة تكون مهمّته الأساس التمتع بالامتيازات التي يوفرها المنصب التنفيذي الأعلى، وضمان تحقيق مصالح أصحاب الشركة، وَهُم الفرقاءُ السياسيون.
المصدر: الحرّة