ماذا لو حدث الانهيار؟ سيناريوهات ما بعد السلطة الفلسطينية
إعداد: محمد حسن دارخليل
الخبراء المشاركون: د. أحمد عطاونة، د. أسعد غانم، د. جهاد حرب، د. حسن عبيد، د. سامي العريان، عريب الرنتاوي، د. عمرو دراج، د. محسن صالح.
تجتمع العديد من المعطيات السياسية القائمة؛ لتدل على إمكانية استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن في سياق تغيب فيه السلطة الفلسطينية. فقد باتت السلطة تفقد، بشكل متتالٍ، عوامل بقائها في ظل تفاقم التحديات الكبيرة التي تواجهها، كالانغلاق في الأفق السياسي ووصول أوسلو لطريق مسدود، مما يعزز فرص استيقاظ الفلسطينيين والعالم يومًا ما، وقد يكون قريبًا، على مشهد سياسي جديد يُعلن فيه عن انهيار السلطة الفلسطينية.
تواجه السلطة الفلسطينية اليوم الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرّفًا، والأكثر إيمانًا بضرورة تجريد الفلسطينيين من أي كيان سياسي سيادي على الأراضي التي تعتبرها إسرائيل ضمن حدودها الجغرافية. بل تعمل هذه الحكومة جاهدة لمحو أي فرص لإقامة دولة فلسطينية، فبعد نجاح نتنياهو في تشكيل حكومته، شرعت في الإعلان عن خطط استيطانية تشمل بناء آلاف الوحدات الاستيطانية، وإعادة “شرعنة” بعض المستوطنات التي تم الانسحاب منها بعد انتفاضة الأقصى عام 2000م. كما قامت حكومة نتنياهو بفرض عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية، تحت حجة صرف الأخيرة لرواتب الأسرى والشهداء الفلسطينيين. يأتي هذا مصحوبًا بعجرفة إسرائيلية واستباحة لمناطق السلطة الفلسطينية، وارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين، كالمجزرة الأخيرة في كانون الثاني/ يناير 2023 في مخيم جنين، والتي راح ضحيتها تسعة شهداء فلسطينيين، والاجتياح لذات المخيم في شهر تموز/ يوليو 2023 أيضًا، والذي تسبب في استشهاد ما يقارب العشرة من المواطنين الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية والعديد من المنازل في المخيم.
تقف السلطة الفلسطينية عاجزة أمام هذا التطرف الإسرائيلي، وغير قادرة على مواجهته على أي صعيد، حتى سياسيًا وقانونيًا لم تتمكن السلطة من متابعة أي قضية على المستوى الدولي، رغم توافر كل مقومات نجاح بعض القضايا في المحاكم الدولية. كما يهيمن على حركة فتح، كفصيل مسيطر على السلطة، حالة من الارتباك والغموض حول خلافة الرئيس عباس، مما يشير إلى عدم الوضوح في مدى التصدع الداخلي، وغموض حول مستقبل الوراثة، وذلك بالنظر إلى اشتداد المنافسة بين متنافسين متساوين، مع غياب شخصية فتحاوية تملك مقومات الوراثة دون منافسة، كما ورث أبو مازن ياسر عرفات عام 2005. ليس هذا فحسب، تعيش حركة فتح اليوم فجوة بين قيادتها الرسمية وبين قواعدها التي يخرج من بينها مقاومون مسلحون متناقضون مع توجهات الحركة الرسمية، كما تبدو أجهزة السلطة الأمنية اليوم فاقدة للسيطرة على الواقع الأمني في بعض مناطقها، كتكتل المسلحين في مخيم جنين، والبلدة القديمة في نابلس.
يشكل التفكك المحتمل للسلطة الفلسطينية تحديًا كبيرًا يتطلب التفكير المسبق في السيناريوهات المحتملة، وتحضيرها بدقة وتأنٍ. فإذا رحل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أو حدث انهيار في هيكلية السلطة الفلسطينية، ستكون هناك حاجة ملحة لتحديد وتنظيم الآليات اللازمة لتأمين استمرارية الحياة السياسية والحكومية الفلسطينية، بما يخدم المشروع الوطني الفلسطيني. هذا يعني أنه يجب على القادة الفلسطينيين، والشعب الفلسطيني بصفة عامة، التحضير لمرحلة ما بعد الرئيس عباس، أو ما بعد السلطة الفلسطينية، وذلك من خلال بحث السبل الممكنة للخروج بأفضل نتيجة ممكنة.
قد يستمر وجود السلطة بشكل أو بآخر لسنوات طويلة، وقد تنهار في أي لحظة، ويعود هذا الأمر للفرص المتاحة أمام نتنياهو واتخاذه للقرار، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن:
ماذا لو انهارت السلطة الفلسطينية؟ ولصالح أي مشروع سياسي جديد؟ وكيف سيبدو المشهد؟ ما هي مخاوف كل طرف من الأطراف؟ وما هي مصالحه؟ وكيف ستتحرك الأطراف المختلفة؟ وماذا سيترتب على ذلك؟ ما مدى واقعية فرض سياسات احتلالية جديدة، كالتهجير؟ أين ستكون غزة؟ وتحت أي إدارة وأي بديل مدني يجب أن يخضع الفلسطينيون (بالنسبة لمختلف الأطراف)؟
للإجابة على هذه التساؤلات، عقد مركز رؤية جلسة محاكاة سياسية بهدف استشراف المرحلة القادمة المحتملة. إذ إن فهم مواقف الدول العربية المعنية، مثل الأردن ومصر، وكذلك الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة، التي تعتبر الداعم الأساسي للسياسات الإسرائيلية، هو أمر ضروري في حالة حدوث سيناريو يؤثر على توازن الساحة الفلسطينية.
تعتبر هذه المحاكاة السياسية محاولة جادة لاستكشاف وتحليل مستقبل السلطة الفلسطينية، وفهم تداعيات انهيارها المحتملة على المستوى السياسي والاجتماعي والإقليمي. ومن خلال هذه المحاكاة، يسعى مركز رؤية إلى توفير منصة للنقاش والتبادل البناء للآراء والتوصيات بين الخبراء والمختصين في هذا المجال، بهدف صقل الرؤى المستقبلية، وتقديم رؤية شاملة وواعية لمستقبل القضية الفلسطينية.
مواقف الأطراف المؤثرة: استنادًا لآراء الخبراء المشاركين في هذه المحاكاة
حركة فتح
تاريخيًا، تبنت حركة فتح في كفاحها من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، هوية ثنائية تجمع بين الاعتماد على القنوات الدبلوماسية والحراك الثوري المسلح. وبالرغم من ترجيحها لكفة العمل الدبلوماسي وفقًا لمنطق السياسة الواقعية، إلا أن ذلك لا ينفي تجذر فكرة العمل المسلح لدى قاعدة كبيرة من أعضاء الحركة. فحركة فتح انطلقت كحركة ثورية تهدف إلى تحرير فلسطين، والسعي لبلوغ تقرير المصير من خلال الفعل الثوري المباشر.
لا تتضمن خيارات قيادة حركة فتح فكرة حل السلطة الفلسطينية، إذ تنظر إليها الحركة كخطوة أولى نحو بلوغ الدولة الفلسطينية المستقلة. وإن حدث انهيار السلطة الفلسطينية كنتيجة لانقسامات داخلية، أو احتجاجات شعبية، أو بقرار من الاحتلال الإسرائيلي، فلن تتخلى الحركة عن مكتسباتها السياسية التي حققتها خلال العقود الماضية، ولا يعني ترجيح كفة دبلوماسيتها خلال العقود الماضية، استحالة إعادة إحيائها لخيار المقاومة المسلحة من جديد.
وفي حال انهيار السلطة الفلسطينية لأي سبب، فستعمل قيادة الحركة على البقاء في مراكز التحكم والقوة القائمة، بما فيها الأمن، كما سيكون الإبقاء على الخدمات المدنية والموظفين الذين عينتهم الحركة، والحفاظ على أقصى حد ممكن من النفوذ والعناصر، أولوية لدى قيادتها، مع الحرص على عدم تكرار سيناريو غزة بغض النظر عن الطرف القادم. بالإضافة إلى سعيها للحفاظ على الشركات الكبيرة، مثل شركات الاتصالات وغيرها، بهدف الإبقاء على الاقتصاد بأفضل حالة ممكنة.
أما إذا كان سبب انهيار السلطة هو الاحتلال الاسرائيلي، فقد تتجه نخبة حركة فتح إلى إعادة تشكيل قوى عسكرية، وبالتالي إعادة إحياء جناحها العسكري. ومما يزيد من فرص ذلك، إمكانية تشكل قناعات أكبر عند فئات مثل الشباب، بأن المقاومة المسلحة هي الخيار الوحيد للشعب الفلسطيني، وبالتالي التعاون مع باقي الفصائل الفلسطينية. وسيصاحب إعادة تبني الخيار المسلح، السعي الجاد للتمسك بكل المكتسبات السياسية والمؤسساتية.
أما سيناريو انهيار السلطة بسبب الاحتجاجات الشعبية، فسيكون مستبعدًا، إذ سيتم عرقلة ذلك من قبل حركة فتح والأجهزة الأمنية بنجاعة.
حركة حماس
تتبنى حركة حماس، كفاعل محوري في المشهد السياسي الفلسطيني، تصورًا مختلفًا حول التوجه والفعل السياسي في حال انهارت السلطة الفلسطينية. حيث سيكون سلوكها، حتى وإن أبدت براغماتية في بعض الملفات، أكثر ارتباطًا بالأيديولوجيا السياسية الداعية إلى مقاومة وإنهاء الاحتلال. وستتبنى تصورًا عن إدارة الحياة المدنية والخدماتية مستفيدة من تجربتها في الحكم، بحيث لا تنفصل الأبعاد الخدماتية والحياتية عن البعد السياسي المقاوم.
من المرجح ألّا تسعى الحركة لملء الفراغ السياسي والمؤسساتي الذي يخلفه انهيار السلطة في الضفة الغربية، بقدر تركيزها على ضرورة المقاومة كمنهج أمثل لمجابهة الاحتلال وتحقيق التطلعات الفلسطينية، خاصة بعد فشل تجربة التسوية السياسية كما في أوسلو، ويزيد من احتمالية ابتعاد الحركة عن ملء الفراغ، رفضها لشروط الرباعية الدولية التي تعد أساسًا للقبول الإسرائيلي.
ستحاول حركة حماس في هذا السياق، إقناع حركة فتح وغيرها من الفصائل الفلسطينية، بالالتفاف حول غزة كمركز للمقاومة الوطنية الشاملة ضد الاحتلال الإسرائيلي. كما ستتبنى رؤية اقتصادية يحل فيها اقتصاد المقاومة بدلًا من اقتصاد الرفاه، بالإضافة إلى الترويج للابتعاد عن ثقافة الاستهلاك التي تدعم الاقتصاد الإسرائيلي، والسعي نحو استقلال اقتصادي يعزز فرص المقاومة في فرض مطالبها وأهدافها. وستعمل على تفعيل الأطر الشعبية بمستوياتها المختلفة، لتساهم في ملء الفراغ الناجم عن انهيار السلطة.
جمهورية مصر العربية
تسعى مصر إلى الحفاظ على دورها كفاعل سياسي مركزي في الشرق الأوسط، خاصة في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، بما لا يتناقض مع المقاربة الأميركية للصراع. وبالنظر إلى التفاعل الدقيق بين خطوطها الدبلوماسية ومصالحها الاستراتيجية. تهدف السياسة الخارجية المصرية إلى المحافظة على الاستقرار السياسي في الضفة الغربية كضرورة ملحة لحماية تلك المصالح، خاصة الدور الذي كانت تلعبه كوسيط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والدور الذي تلعبه اليوم في المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال.
تنطلق مصر، في مقاربتها للصراع، من استراتيجية مزدوجة تتمثل في الحفاظ على السلام مع إسرائيل، بالتزامن مع مقدرتها على التأثير في القضية الفلسطينية وملفاتها. وهي بذلك تحاول الموازنة بين تعزيز روابطها الدبلوماسية وحماية أمنها القومي.
وفي ظل الحديث عن انهيار السلطة الفلسطينية، قد تجد مصر نفسها منخرطة في عملية سياسية غير مستقرة، خاصة إذا تدهورت الأوضاع ووصلت إلى حدود الفوضى، أو اندلعت انتفاضة شعبية على خلفية الانهيار.
سيكون مقلقا للقاهرة إمكانية تنامي المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية في حال انهيار السلطة، مما يشكل تهديدًا لأمنها القومي. وإذا حصل ذلك، فستتبع القاهرة مسارين متوازيين: حيث ستعمل على ترسيخ علاقتها مع حركة حماس، إذ ترى في ذلك ضمانة لاستمرار تأثيرها في الملف الفلسطيني، مما يمنحها استحسانًا إقليميًا ودوليًا. وفي الوقت ذاته، ستعمل على إحياء التسوية السياسية بالتعاون مع نخبة حركة فتح.
المملكة الأردنية الهاشمية
يواجه الأردن تحديات متعددة وغير هينة في ظل الواقع السياسي الراهن. ويتوقع أن يتأثر دوره كثيرًا في حال انهارت السلطة الفلسطينية، فالأردن، كما مصر، لاعب هام في عملية السلام، وانهيار السلطة قد يفقده دورًا استراتيجيًا جوهريًا من ناحية، وقد يشكل تهديدًا داخليًا له، على اعتبار الواقع الديمغرافي الذي يعيشه الأردن من ناحية أخرى.
يسعى الأردن إلى تجنب أي سيناريو يذهب به إلى مربع من عدم الاستقرار، آخذًا العبرة من تجارب الماضي، خاصة أحداث أيلول الأسود عام 1970 كمثال، وصعود الإسلام السياسي بعد موجة الربيع العربي كمثال آخر. لذلك سيتأثر السلوك السياسي الأردني بمدى قلق النخبة الحاكمة من إشعال شرارة تمرد القوى الإسلامية الأردنية، خاصة إذا استعاد الإسلاميون دورهم السياسي والمؤسساتي في الضفة الغربية. وسيواجه الأردن أي حالة من الفوضى بصرامة عالية، وقد يذهب إلى إجراءات كإغلاق الجسور، كما سبق وأغلق الحدود مع العراق وسوريا لمنع التدفق غير المرغوب فيه.
في حال انهارت السلطة الفلسطينية، سيسعى الأردن إلى منع تأثير ذلك على الحالة الداخلية الأردنية، خاصة في أوساط الأردنيين من أصول فلسطينية. كما سيعمل، في خضم أولوياته، على إيجاد حلول إدارية تحت قيادته، إذا ما ثبت عجز القيادة الفلسطينية على التنصيب، الأمر الذي قد يلقى ترحيبًا دوليًا. مع ذلك قد يشعر الأردن بقلق من الخيار الإداري، حيث قد يساهم ذلك في اختراق المقاومة الفلسطينية للوسط الأردني.
سيتجه الأردن للانفتاح على القطاعات الفلسطينية الأخرى، بغية التعامل بكفاءة أكثر مع المتغيرات، حتى بعد تراجع مكانة ونفوذ حركة فتح.
الكيان الصهيوني
في ظل التفاعلات المعقدة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تشكل السلطة الفلسطينية، بأدائها وسقفها الحالي، كيانًا مريحًا ومساهمًا في تحقيق المصالح الإسرائيلية واستقرارها. كما يشكل استمرار السلطة بهيئتها الحالية، خط دفاع أول ضد المقاومة الفلسطينية المستمرة. وقد يؤدي أي تفكك أو انهيار للسلطة، إلى حالة من التوتر، مع احتمال تصاعد الاحتجاجات وأعمال المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي تحرص (إسرائيل) على تجنبه.
من المنظور الاستراتيجي، قد تتجه (إسرائيل) إلى تبني نموذج جديد لتقاسم السلطة، يشمل (إسرائيل) والأردن ومصر، إذا قررت حركة فتح الانسحاب، أو أدت الأحداث إلى انهيار السلطة الفلسطينية. ومما يسهل الطريق أمام هذا النموذج، إمكانية انخراط ودعم أطراف إقليمية فيه، كالسعودية والإمارات وقطر، كوسيلة لتعزيز الاستقرار في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، قد تتجه (إسرائيل) إلى دعم فكرة إيجاد سلطة بديلة بقيادة شخصيات بارزة في حركة فتح، تسعى من خلالها إلى الحفاظ على الوضع الراهن، مع تعديل على الشكل الإداري للسلطة، كتقسيم الضفة الغربية إلى كانتونات، وربما تحت إشراف قوى أمنية دولية. ومن الجدير ذكره أن إعادة إنتاج الشكل الإداري للسلطة الفلسطينية، تشكل فرصة للإسرائيليين لإحكام قبضتهم على الأراضي الفلسطينية، والسماح بتوسيع أنشطة الاستيطان فيها.
الولايات المتحدة الأمريكية
تجد القوى الإقليمية مثل الأردن ومصر نفسها منسجمة، في كثير من الأحيان، مع حدود السياسات المصممة من قبل الولايات المتحدة، والتي تهدف في مجملها إلى الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وحفظ السلام، مما يزيد من تأثير واشنطن في تشكيل الديناميكيات الإقليمية المؤثرة في مختلف الملفات، بما فيها الملف الفلسطيني.
نظرًا لسياستها الحذرة والمتمثلة في عدم ترك الأمور تتدهور إلى حدود الفوضى، تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على منع الفوضى كخيار ممكن في الحالة الفلسطينية، في ظل قلقها من التغيير الديموغرافي الحاصل، والمتمثل في زيادة قطاع الشباب في الداخل الفلسطيني، وصعوبة التنبؤ والتحكم بخياراته، خاصة فيما يتعلق بإمكانية توجهه نحو خيار المقاومة.
وبالتالي ستتبنى واشنطن موقفًا يمنع الإلغاء الكامل للسلطة الفلسطينية، إلا إذا برز إجماع في الموقف الإسرائيلي نحو تفكيكها، مما يسلط الضوء على تفاعل ديناميات القوى التي قد تمارس الضغط على النهج الأميركي تجاه تفكيك السلطة.
في نفس الوقت، لن تترك الولايات المتحدة المجال لإجراء انتخابات تكون فيها فرص المقاومة الفلسطينية عالية، وستولي أهمية كبيرة لتعزيز الاستقرار السياسي، من خلال عدم السماح للانهيار الاقتصادي للسلطة الفلسطينية.
السيناريوهات المتوقعة:
أولا: سيناريو الفوضى والصراع الداخلي:
يتوقع أن تسعى القوى الفلسطينية لملء الفراغ بشكل تنافسي، مما يزيد من إمكانية التصارع بين الأطراف المختلفة، أو حتى الدخول في حرب أهلية، خاصة بين التيارات المتنافسة داخل حركة فتح.
العوامل المساهمة في الدفع بهذا السيناريو:
عدم وجود رؤية واضحة وتتفق عليها الفصائل الفلسطينية.
الفصائلية والانقسام الداخلي وإمكانية الصراع بين فتح وحماس.
أزمة المنافسة بين الشخصيات القيادية داخل حركة فتح.
استغلال إسرائيل لحالة الفوضى من أجل تمرير سياساتها الاستيطانية.
في ذات الوقت فإن جملة من العوامل قد تمنع هذا السيناريو، منها:
التدخل الدولي والإقليمي لمنع مثل هذا السيناريو.
إمكانية وجود حالة من التضامن الداخلي الفلسطيني، خاصة إذا أعادت حركة فتح تبني فكرة الكفاح المسلح.
نشوء حملات ضغط مجتمعية ونخبوية تكون أكثر تأثيرًا من تعامل المجتمع مع حالة الانقسام القائمة.
عدم سماح إسرائيل بحالة من الفوضى والانهيار الكامل.
ثانيا: سيناريو عودة الحكم الإسرائيلي المباشر:
بالإضافة إلى النفوذ الإسرائيلي والتدخل المستمر والكثيف حتى في ظل وجود السلطة، إلا أن ذلك قد لا يمنع إعادة مأسسة الحكم الإسرائيلي المباشر للضفة الغربية، على غرار الإدارة المدنية قبل قدوم السلطة الفلسطينية.
العوامل المساهمة في الدفع بهذا السيناريو:
أولوية إسرائيل في الحفاظ على الأمن: حتى في ظل وجود الأجهزة الأمنية الفلسطينية واستمرار التنسيق الأمني، حيث لم تقلل إسرائيل من مستوى فعلها وإجراءاتها الأمنية في مناطق السلطة. وإذا ما انتهى دور السلطة الأمني، فستحل محله أجهزة الأمن الإسرائيلية، خاصة في ظل عدم الثقة الإسرائيلية بتفويض أي طرف آخر لتحمل كامل المسؤولية الأمنية في الضفة الغربية.
المساهمة في تطوير البنية التحتية تحت إدارة الاحتلال، قد يؤدي إلى قبول فلسطيني.
الاندماج الاقتصادي: قد يكون من صالح الإسرائيليين الاستفادة من السوق الفلسطيني.
ميل شرائح فلسطينية إلى تفضيل الحكم الإسرائيلي المباشر على السلطة الفلسطينية. بسبب الفشل في إدراة الشأن الفلسطيني على أكثر من صعيد.
عوامل قد تعيق هذا السيناريو:
مقاومة فلسطينية: حيث سيواجه الحكم الإسرائيلي المباشر مقاومة فلسطينية، وقد تنضم إليه حركة فتح بصيغة عسكرية.
ضغط دولي: حيث قد تواجه إسرائيل تحديًا متعلقًا بمشروعية سيطرتها على الضفة الغربية وإعادة احتلالها، ومعارضة الأمم المتحدة لذلك.
مسؤوليات وأعباء جديدة: حيث ستواجه إسرائيل مسؤولية كبيرة متعلقة بحقوق الفلسطينيين المدنية والسياسية.
التحدي الديمغرافي: حيث تشكل زيادة أعداد الفلسطينيين تحديًا إداريًا من جهة، واستراتيجيًا مرتبطًا بالمستقبل السياسي للفلسطينيين في الضفة الغربية من جهة أخرى.
معارضة إسرائيلية: حيث قد تظهر معارضة إسرائيلية داخلية ترفض العودة إلى حكم الضفة الغربية حكمًا مباشرًا بعد التخلص منه منذ اتفاق أوسلو .
ثالثا: سيناريو الإبقاء على الوضع الراهن في ظل سلطة محدودة الصلاحيات:
يعني ذلك أن تبقى الأوضاع الحالية على ما هي عليه إلى حد كبير، لكن ضمن عملية تأخذ فيها قوى محلية مثل البلديات، والعشائر، وبعض المنظمات المجتمعية، دورًا أكبر، وذلك من خلال موارد وقنوات أخرى غير التي تملكها السلطة اليوم، مع الإبقاء على الأخيرة ضمن صلاحيات محدودة جدًا، ويعتبر هذا السيناريو الأكثر ترجيحًا.
العوامل المساهمة في تحقق هذا السيناريو:
إمكانية تعزيز دور الحكم المحلي وأخذه لمساحة كبيرة من دور السلطة الفلسطينية.
اهتمام وأولوية المجتمع الدولي لإيجاد صيغة بديلة عن السلطة، مما قد يدفع نحو الحفاظ على السلطة لكن بصلاحيات أقل.
زيادة وتعزيز دور المنظمات المجتمعية قد يأخذ من أدوار السلطة الفلسطينية، خاصة أنها تملك تجربة جيدة ودورًا خدماتيًا كبيرًا لسنوات طويلة قبل مجيء السلطة الفلسطينية.
المنافسة بين نخب حركة فتح قد يساهم في قبول بعض قيادتها بصيغ أكثر محدودية لدور السلطة، مقابل استمرار نفوذها.
فقدان السلطة، مع الوقت، الكثير من سلطاتها.
فقدان السلطة الفلسطينية سيطرتها على قطاع غزة، وتعرض مناطق السلطة كافة للاقتحامات الإسرائيلية.
تقسيم الضفة الغربية إلى كانتونات يسهل فصلها عن بعضها البعض.
تعرض السلطة الفلسطينية لأزمة مالية خانقة، وتقلص ملحوظ في الدعم الخارجي.
عوامل قد تعيق هذا السيناريو:
قد يؤدي الانهيار الاقتصادي إلى صعوبة إعادة إنشاء سلطة جديدة أو إعادة تأهيل السلطة الحالية.
قد تنخفض فرص هذا الخيار في حال عدم الاستقرار وحدوث صراع داخلي.
قد يسمح انهيار السلطة بتحكم وتدخل إسرائيلي أكبر، مما سيؤدي إلى صعوبة إقناع الفلسطينيين بنوع جديد من السلطة تحت تحكم إسرائيلي أكبر.
قد تنتشر مجموعات مسلحة في الضفة الغربية تستغل حالة الفراغ، وتمنع فرص إنشاء سلطة جديدة.
قد يقلل انهيار السلطة من ثقة الأطراف الدولية بإمكانية حكم الفلسطينيين في ظل الواقع السياسي والأمني والجغرافي، الذي تعيشه الضفة الغربية.
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لا يّعبر بالضرورة عن وجهة نظر WakalaNews، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية WakalaNews هي في نقل الاخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.