واشنطن أطلقت صافرة الانقلاب: تلك فرصتكم… فاغتنموها
الأخبار
الموقف الأميركي المتذبذب، وفي مرحلتَي الإدارتَين الحالية والسابقة، بدأ منذ إطاحة عمر البشير، ورفْض واشنطن، على رغم جميع التنازلات التي بادر إليها الرئيس السابق لكسب شرعيّة ما لديها، إبداء موقف واضح إزاء التطوّرات المتسارعة في هذا البلد، قبل أن تعود لتفرض شروطاً كانت قد وضعتها سابقاً، على حكّام السودان الجُدُد. والموقف المعبَّر عنه إبّان عهد دونالد ترامب، لم يختلف، في جوهره، عن ما يفعله جو بايدن، الذي اكتفت إدارته على لسان مبعوثها إلى القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، بإبداء «قلقها البالغ» حيال أحداث فجر الاثنين، وتفرُّد العسكر بالحُكم بعد خلع المكوّن المدني المتمثّل برئيس الحكومة، عبد الله حمدوك. لكن فيلتمان الذي أنهى للتوّ زيارة استمرّت يومين إلى الخرطوم، التقى خلالها رئيس «مجلس السيادة» مرّتين، لوّح بقطع المساعدات الأميركية، متى أصبح ضرورياً تغيير موقف الولايات المتحدة من الوضع في السودان، وليس ما حلَّ بحلفاء الأمس في أفغانستان، إلّا مثلاً على ما تقدَّم.
وفي حين أن التفاهمات لشطب السودان من «قائمة الدول الراعية للإرهاب» كانت افتُتحت قبل وقتٍ ليس بقليل من الانقلاب على البشير الذي تعهَّد بتقديم التنازلات المطلوبة أميركياً لقاءَ إزالة اسم بلاده من هذه القائمة، إلّا أن إطاحة الأخير وتسلُّم الطغمة العسكرية الحُكم، فتحا الطريق أمام وضع البيت الأبيض شروطاً، من قبيل جرّ البلد الأفريقي إلى تطبيع علاقاته مع العدوّ الإسرائيلي، للمضيّ قُدُماً في حلِّه من وصمة الإرهاب، وهو ما حمل وزير خارجية ترامب، مايك بومبيو، منتصف أيلول 2020، إلى الخرطوم، حين ضعفت الآمال في إحداث خرق على هذا المستوى، نظراً إلى أن السلطات الجديدة أوحت بأنها «لا تحمل تفويضاً» يجيز لها اتخاذ قرارات مماثلة، على رغم الاتفاق على سلّة «الشروط» في مفاوضات أبو ظبي التي جَمعت إلى السودان، كلّاً من الولايات المتحدة والإمارات، والتي عُدَّت بمثابة تتويج للقاء البرهان – نتنياهو في عنتيبي الأوغندية في شباط من ذلك العام. إلّا أن الخرطوم مضت بالفعل على طريق التطبيع، طامعةً بشطب اسمها من القائمة الأميركية، بعدما وافق حكّامها على دفْع تعويضات لعائلات ضحايا اعتداءَي 1998 على سفارتَي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، والهجوم الذي استهدف المدمّرة الأميركية «يو أس أس كول» عام 2000، بقيمة 335 مليون دولار، في مقابل إقرار الكونغرس قانوناً ينصّ على «السلام القانوني»، ويجنب السودان ملاحقات جديدة في المستقبل. حاز العسكر جائزة الترضية الخاصة بهم، ليتخفّف بلدهم، بعد نحو عقدين ونصف عقد، من تصنيفه «دولة راعيةً للإرهاب»، بعدما أنجز الخطوة الاستباقية بالموافقة على تطبيع العلاقات مع تل أبيب، وسدّد فواتير هجمات «القاعدة»، في ما عُدَّ بمثابة «تحوّل جذري في علاقاتنا الثنائية في اتّجاه مزيد من التعاون والدعم لانتقال السودان التاريخي إلى الديموقراطية»، على حدّ وصف وزارة الخارجية الأميركية في حينه. مع ذلك، تضمّن القانون الذي أعاد للخرطوم حصانةً سيادية منقوصة، استثناءً يسمح بالاستمرار في نظر الدعاوى القضائية أمام المحاكم الأميركية، والمتعلّقة بهجمات الحادي عشر من أيلول، فيما كانت وزارة العدل السودانية تحتفي بتشريع سيحصل البلد بموجبه على مساعدات مباشرة وغير مباشرة بقيمة 1.1 مليار دولار «وهي مساعدات منفصلة عن مبلغ المليار دولار الذي التزمت الولايات المتحدة بدفعه للبنك الدولي لسداد متأخّرات السودان المستَحَقَّة».
إلى الموقف الأميركي، عدَّت المملكة المتحدة الانقلاب العسكري في السودان «خيانةً غير مقبولة للشعب»، فيما دان رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، بشدّة محاولة الانقلاب، التي دعت ألمانيا، من جهتها، إلى «وقفها فوراً، واحترام إرادة الشعب». واعتبرت موسكو أن «الانقلاب» يشكّل «دليلاً على أزمة حادّة» يشهدها النظام «امتدَّت إلى كل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد»، وفق ما جاء في بيان لوزارة الخارجية. أمّا المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، فرأت أن «الانقلاب العسكري» يهدِّد «اتفاقية جوبا للسلام ويقوّض التقدّم المحرَز نحو الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان»، داعية السلطات العسكرية إلى «الالتزام بالوثيقة الدستورية والقانون الدولي المعمول به، والانسحاب من الشوارع، وحلّ أيّ خلافات بينها وبين المكوّن المدني في السلطات الانتقالية من خلال الحوار والتفاوض».