الدول الأوروبية تنصح بالمحافظة على الاستقرار الأمني وعدم انتقال أحداث الطيّونة الى مناطق أخرى للإسراع في التحقيق لمحاسبة المرتكبين وعلى الأحزاب إعادة تقييم أدائها والتصرّف لمصلحة الوطن
دوللي بشعلاني- الديار
بعد أحداث الطيّونة الأخيرة، بات المواطن اللبناني يخشى من نشوب مواجهات مماثلة في مناطق أخرى، سيما أنّ الخطابات والنبرة العالية للقوى السياسية التي تواجهت في الشارع لا تُبشّر بالخير. وفي بلدٍ مثل لبنان يُعاني من التفقير والتجويع والبطالة والإرتفاع الجنوني في أسعار المحروقات والسلع الغذائية وجميع المستلزمات والحاجيات، أن يبرز فيه وجود السلاح، على ما ظهر في 14 تشرين الأول الجاري بكميّات كبيرة وبيد مجموعات مسلّحة تغلعلت بين المدنيين، فإنّ هذا الأمر هو الأكثر خطورة في الموضوع. ولولا حكمة بعض القيادات السياسية لما نجا البلد من الفتنة التي جرى إشعالها بلحظة بهدف جرّ البلاد الى «حرب أهلية» طويلة يضيع فيها الحابل بالنابل.
وتقول أوساط ديبلوماسية مواكبة انّ ذهاب اللبنانيين الى «الحرب الداخلية» مُجدّداً، بين المسيحيين والمسلمين يودي بالجميع في البلاد الى الفناء، وقد نجحت بعض القيادات في عدم الإنجرار الى الكمين المُفخّخ في الشارع. ولكن يبقى المطلوب اليوم لملمة الجِراح وعدم تنقّل الفتنة من منطقة الى أخرى. فالوعي السياسي يؤثّر إيجاباً في اللبنانيين المنهكين من الوضع الإقتصادي المزري، فيما المواقف المتشنّجة تقود البلاد الى زعزعة الإستقرار الأمني. فيما هذا الإستقرار يُعوّل عليه اللبنانيون من أجل متابعة حياتهم الصعبة، كما تُعوّل عليه دول الخارج لمساعدة لبنان على النهوض الإقتصادي من جديد.
وترى أنّ الإتهامات السياسية التي تهدف الى عزل فريق سياسي ما، أو تخوينه، فضلاً عن الإستثمار بالدماء ونحن على أبواب الإنتخابات النيابية، لن تكون محصّلتها سوى سلبية على المجتمع اللبناني ككلّ، الذي يُهاجر بالآلاف يومياً من جميع الطوائف والأديان والأحزاب. فيما الخاسر الأكبر هو المسيحي الذي لم يتعلّم من تجاربه السابقة منذ العام 1948 وحتى اليوم.. ويبدو واضحاً أنّ جميع القوى السياسية تقوم بحساباتها اليوم.
في الوقت الذي تقوم فيه جميع القوى بحساباتها بعد أحداث الطيّونة، تجد الأوساط نفسها بأنّ جملة أمور مطلوبة، من قبل دول الخارج التي تدعم لبنان، لا سيما فرنسا والإتحاد الأوروبي، التي يهمّها الاستقرار في البلد والمحافظة على السلم الأهلي، وهي:
1»- الإسراع في التحقيق في أحداث الطيّونة في 14 تشرين الجاري، على أن يكون شفّافاً، والكشف عن حقيقة ما جرى ومحاسبة المرتكبين والمسؤولين عن قتل 7 ضحايا، وعدد من الجرحى.. علماً بأنّ التحقيق قائم ومستمرّ وقد يصل قريباً الى خواتيمه، وقد قامت السلطات بتوقيف 19 شخصاً من الطرفين المتشابكين، بينهم سوريّان، على ما أعلن وزير الدفاع موريس سليم أخيراً، مشيراً الى أنّ الجيش ومديرية المخابرات لا يخضعان لضغوطات متعلّقة بالتحقيقات.
2»- على القيادات السياسية إعادة تقييم أدائها وما حصل على الأرض، والذي فاجأها بشكل كبير، وذلك بهدف تحسين هذا الأداء في المستقبل لئلا ياتي على حساب الوطن والمواطنين الأبرياء. على ألّا تكون ردّات الفعل، الردّ على إطلاق النار بالنار، إنّما بالتهدئة، وبترك زمام الأمور للجيش اللبناني والأجهزة الأمنيّة المختصّة.
3»- حرص الأحزاب السياسية على تجنّب انتقال شرارة الفتنة من منطقة الى أخرى، كون عملية الإنتقام لن تودي بالبلاد، وبالمنطقة بالتالي، سوى الى أتون من نار، وهذا ما ترفضه الدول المانحة والمجموعة الدولية، لأنّ عدم الإستقرار لا يُشكّل أرضية مناسبة للمشاريع والإستثمارات المفيدة. كما أنّ تهديد السلم الوطني من خلال اللجوء الى العنف في الشارع، من شأنه أن ينعكس على دول المنطقة ككلّ.
4»- تتمنّى دول الخارج أن يتعظ الجميع من أحداث الطيّونة، والتسليم لحكم القضاء الذي يُفترض أن يكون عادلاً ونزيهاً وشجاعاً، ومحرّراً من اي تدخّلات سياسية.
ووصفت الأوساط عينها بأنّ ما حدث في الطيّونة هو خطأ على جميع المستويات، وعندما يقول القضاء كلمته تُعرف الحقيقة وتتحدّد المسؤوليات، ولهذا لا بدّ من التوقّف عن إدانة هذا الفريق أو ذاك، وانتظار انتهاء التحقيقات. وذكرت بأنّ المسارعة الى الإتهامات توتّر الأجواء بين منطقتين متقابلتين هي الشيّاح- عين الرمانة. علماً بأنّ سكّان المنطقتين يعيشون معاً كالاخوة، على ما أفاد بعض هؤلاء، منذ ما قبل الحرب وبعد انتهائها. أمّا إعادة منطق الحرب الى النفوس، فلن تُجدي نوعاً في ظلّ صلة القربى بين عائلات المنطقتين.
وفي ما يتعلّق بإمكانية حصول الإتفاق بين السعودية وإيران بعد أن قطع الحوار بينهما أشواطاً مهمّة وإيجابية، لا سيما بعد البيان الأخير للجمارك السعودية عن عودة الإستيراد من إيران، وإمكانية تاثيره إيجاباً في الداخل اللبناني بتهدئة الأجواء السياسية المتشنّجة بين بعض القوى والأحزاب السياسية، لفتت الأوساط الى أنّ البعض في الداخل يتمنّى عدم حصوله كونه يضرّ بمصالحه. غير أنّه من شأن هذا الإتفاق في حال تمّ قريباً، أن يُترجم على الساحة السياسية… عندها يُمكن الحديث عن كسر الجليد بين المتنازعين، وليس بالضرورة عن الوئام والسلام فيما بينهم. كما عن فتح للأبواب بين البلدين المذكورين، ما من شأنه أن ينعكس إيجاباً على كلّ دول المنطقة، وخصوصاً على لبنان.
وفي انتظار ذلك، فإنّ المرحلة المقبلة تتطلّب من اللبنانيين، على ما أكّدت، الحذر خلال تنقّلاتهم لتجنّب الوقوع في شرخ الأفخاخ التي قد ينصبها المصطادون في الماء العكر في مناطق أخرى.