باسيل يتصدى لـ«اجتياح» جعجع الشارع المسيحي
أناب نفسه عن «حزب الله» باستهداف «القوات»
محمد شقير -“الشرق الاوسط”
لم يُفاجأ الوسط السياسي المواكب للتداعيات والارتدادات الأمنية والسياسية التي فرضتها العاصفة الدموية التي استهدفت خطوط التماس الممتدة على طول الطريق التي تفصل بين الضاحيتين الشيعية والمسيحية، وكادت تأخذ البلد إلى المجهول لو لم تتدخل القوى الأمنية لضبط الأرض وإنهاء النزاع المسلح، بدخول رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على خط الاشتباك السياسي والأمني المفتوح على مصراعيه بين «الثنائي الشيعي» وبين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، في محاولة لنقل الصراع إلى الشارع المسيحي، بذريعة أن حصره بالأخير من شأنه أن يقوّيه في شارعه بتقديم نفسه على أنه المدافع الأوحد عن هذا الشارع.
فباسيل لم يتبرّع مجاناً عندما قرر التدخّل في الاشتباك السياسي، كما يقول مصدر سياسي محايد لـ«الشرق الأوسط»، وإنما لتقديره بأن مجرد حصره بين جعجع وبين «الثنائي الشيعي» الذي يتشكّل من حركة «أمل» و«حزب الله»، سيتيح لخصمه في الشارع المسيحي أن يسجّل تقدّمه على «التيار الوطني الحر» المتحالف مع «حزب الله» منذ أن وقّع مؤسسه رئيس الجمهورية ميشال عون على ورقة التفاهم مع أمينه العام حسن نصر الله في شباط (فبراير) 2006.
كما أن باسيل أراد عن سابق تصور وتصميم، أن يحجز لتياره السياسي، بحسب المصدر نفسه، مكاناً في هذه المواجهة المفتوحة، ظناً منه بأن مجرد حصرها بين «حزب الله» وحليفه حركة «أمل» وبين جعجع سيرفع من منسوب الحضور السياسي الفاعل للأخير في الشارع المسيحي على حساب «التيار الوطني» الذي لم يعد من خيار أمامه سوى المبادرة منذ الآن لخوض حرب وجودية ضد جعجع، تبدأ بنقل الصراع إلى الشارع المسيحي، لعله يستعيد دوره في التصدي لتمدّده فيه مع بدء الاستعدادات لخوض الانتخابات النيابية.
لكن دخول باسيل على خط المواجهة لوقف اجتياح جعجع للشارع المسيحي لا يعني بالضرورة أن لديه القدرة على استعادة حضوره السياسي، برغم أنه قاد هجوماً سياسياً على جعجع بمناسبة الذكرى 31 لأحداث 13 أكتوبر (تشرين الأول) التي أدت إلى إخراج عون من قصر بعبدا.
ولفت المصدر السياسي إلى أن باسيل لجأ إلى استخدام السلاح الثقيل في هجومه على جعجع وبادر إلى فتح الجروح التي خلفتها الحرب الأهلية، والأخرى الإلغائية التي دارت بين عون و«القوات»، وتجنّب في المقابل الدخول في مواجهة مع «حزب الله»، مكتفياً بتسجيل ملاحظات على أدائه ليست أساسية ولا تُلحق الضرر بورقة التفاهم معه، برغم أنها بدأت تتهاوى ولم يعد لها من مفاعيل سياسية يمكن أن تفتح الباب أمام إعادة تعويمها بتجديد تبادل الخدمات والمنافع السياسية، فيما يستعدّ «العهد القوي» للدخول في السنة الأخيرة من ولايته الرئاسية.
وأكد المصدر نفسه أن ورقة التفاهم تمر حالياً في آخر مراحل أفولها، ولم تنجح المحاولات في تنقيتها من الشوائب وصولاً إلى توفير الحماية السياسية لها، على الأقل من قبل «العونيين» من أصحاب الرؤوس الحامية الذين لم يكفوا عن توجيه الانتقادات لـ«حزب الله» واتهامه بتخليه عن المشاركة في مكافحة الفساد، وصولاً إلى مطالبتهم بتحقيق اللامركزية الإدارية الموسّعة التي هي الوجه الآخر لجرّ البلد، كما يقول خصوم باسيل، لاعتماد النظام الفيدرالي.
ورأى المصدر أن ورقة التفاهم، وإن كانت محمية من فوق بقرار من قيادتي «التيار الوطني» و«حزب الله»، فإنه لا وجود لهذه الحماية من تحت، أي على صعيد المحازبين والأنصار، الذين يستمرون بتبادل الحملات من العيار الثقيل عبر مواقع التواصل من دون مراعاتهم للحرمات والمحظورات. وقال إن الحزب يتّبع سياسة النفس الطويل وترفض قيادته الدخول في سجال علني مع الصقور في «التيار الوطني» وتفضّل البحث في نقاط الخلاف في الاجتماعات المغلقة.
واعتبر أن باسيل لن يسلّم بسهولة بأن ورقة التفاهم لم تعد ذات جدوى سياسية، وهو لا يزال يراهن على تحالفه مع الحزب، ولو بتبادل الأصوات في الانتخابات النيابية المقبلة، لغياب الشريك الآخر لكل منهما، لعل التطورات تدفع إلى تحقيق ما يحلم به باسيل بمعاودة تعويمه كمرشح لرئاسة الجمهورية لتأمين استمرارية الإرث السياسي لرئيس الجمهورية، الذي لم يتمكن حتى الساعة من انتزاع موافقة مبدئية من حليفه على تبنّي ترشيحه لرئاسة الجمهورية.
وقال المصدر السياسي إن عون لم يتمكن، بعد مضي 5 سنوات على ولايته الرئاسية، من الحصول على ضوء أخضر من حليفه بدعمه ترشح باسيل، وبالتالي لن يكون العام الأخير من ولايته أفضل حالاً من الأعوام الخمسة السابقة. وعزا السبب إلى أن الحزب ليس في وارد الانجرار للعبة حرق المراحل السياسية قبل أوانها، لأن ما يميّزه عن حليفه يكمن في تعامله مع الانتخابات الرئاسية من زاوية إقليمية تأخذ في الاعتبار التطورات المتسارعة في المنطقة والمسار الذي ستبلغه مع دخول لبنان مرحلة الاستحقاق الرئاسي.
وتوقّف المصدر أمام إصرار باسيل على تسجيل تحفّظه، ولو على طريقته الخاصة، على أداء المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، لجهة اتهامه بالاستنسابية والانتقائية، من دون أن يأخذ على عاتقه المطالبة بتنحيته عن ملف التحقيق. وقال إنه بملاحظاته هذه يذهب بعيداً في مهادنة «حزب الله»، حرصاً منه على الإبقاء على الجسور مفتوحة، وإن كانت في حاجة إلى ترميم سياسي. وسأل؛ ما الجدوى من الحرب الشعواء التي شنّها باسيل ضد الحراك المدني والمجتمع الدولي الداعم له؟ وهل كان مضطراً للمساواة بين تاريخ 13 أكتوبر 1990 الذي سجّل إخراج عون من بعبدا، وبين الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر 2019، باتهامها بأنها تؤدي نفس الغرض للإطاحة بالتيار الوطني؟
ورأى المصدر نفسه أن باسيل، بهجومه على الانتفاضة الشعبية، ومن خلالها الدول والمنظمات الدولية الداعمة والمموّلة لها، أوقع نفسه في اشتباك مع المجتمع الدولي، يضاف إلى اشتباكه مع الولايات المتحدة الأميركية بعد فرضها العقوبات عليه. وأضاف أن إصرار باسيل على نقل الصراع الذي يدور حالياً بين الثنائي الشيعي بقوته الضاربة المتمثلة بـ«حزب الله» وبين جعجع، لن يضيف إليه أي فائض من القوة سوى أن الحزب سيضغط لتجييره الودائع السياسية المؤيدة له لمصلحة «التيار الوطني».
لذلك، فإن باسيل من خلال خطابه الصاروخي أراد أن يحصر هجومه بـحزب «القوات»، واضعاً هذا الحزب على رأس اللائحة التي يستهدفها، من دون أن يمهّد، ولو مرحلياً، للافتراق عن «حزب الله»، وهذا ما يعيق حصوله على قوة دفع للدخول في مبارزة في الشارع المسيحي للحد من التقدّم الذي بدأ يحققه جعجع، باعتراف بعض خصومه في الشارع الإسلامي أو الآخرين ممن كانوا على تحالف معه قبل أن ينفك بعد التشرذم الذي أصاب قوى 14 مارس (آذار) سابقاً، أسوة بما لحق بقوى 8 مارس سابقاً بعد أن قرر رئيس المجلس النيابي نبيه بري الخروج منها والاصطفاف في موقع وسطي محافظاً على علاقته بجميع الأطراف ما عدا «التيار الوطني» ولاحقاً «القوات».
وعليه، فإن جعجع، بحسب المصدر نفسه، تمكّن بتمايزه عن الآخرين في تعاطيه مع تداعيات ومفاعيل العاصفة الدموية من تسجيل نقاط في مرمى خصمه باسيل من جهة، وتقديم نفسه على أنه لم يتردد في الدفاع عن الضاحية المسيحية، بخلاف الأخير الذي أناب نفسه ليتولى الهجوم على «القوات» بالنيابة عن «حزب الله».
ويبقى السؤال؛ كيف سيتصرف جعجع في حال تقرر إطباق الحصار السياسي والأمني على حزبه بعد أن وجّه رسالة إلى المجتمع الدولي، كما يقول المصدر، بأنه الأقدر للوقوف في وجه تمدُّد «حزب الله» ومنعه من توسيع رقعة نفوذه السياسي في ظل تراجع الدولة وعدم قدرتها على تحصين مشروع الدولة وتوفير الحماية له وإصرارها على «التعايش الرضائي» مع «حزب الله»، الذي سيطل بلسان نصر الله مساء اليوم، في خطاب ناري يضمّنه كثيراً من الرسائل التي لن تقتصر على تجديد هجومه على القاضي البيطار، بل ستشمل ردوده على جعجع وآخرين، وما إذا كانت بمثابة أمر عمليات سياسية يأخذ البلد إلى مكان آخر.
كما أن رسائل نصر الله في هذا المجال ستتناول موقف الحزب من الوضع الأمني ودور القوى العسكرية والأمنية طوال فترة العاصفة الدموية، وما إذا كان سيوجه إلى قادتها رسائل تتجاوز ما هو مألوف، وستكون لها تداعياتها على الوضع الحكومي الذي يمضي حالياً إجازة قسرية لصعوبة انعقاد مجلس الوزراء، العالق مصيره بمطالبة الثنائي الشيعي بتنحية القاضي البيطار، من دون أن يغفل تجديده الحملات على الولايات المتحدة بعد أن اتهمها رئيس المجلس التنفيذي في الحزب، هاشم صفي الدين، بأن نفوذها يزداد تأثيراً في أجهزة الدولة.