هذا إرث ميركل في منطقتنا: لاجئون وأسلحة
سارة ناصر – أساس ميديا
بعد 16 عاماً طبعت فيها مسيرتها السياسيّة في ألمانيا، وبعد 4 ولايات متتالية، تودّع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي وُصِفت بأنّها من أقوى نساء العالم، السلطة في أعقاب إجراء الانتخابات البرلمانية، وفوز الحزب الاشتراكي الديموقراطي فيها.
تغيّر الكثير في الدولة الأوروبيّة التي تعدّ من الأغنى في العالم خلال عهد المرأة الحديديّة، حيث شهدَت ألمانيا منح الأب إجازة “أبوّة” مدفوعة للموظفين، وعزمت ميركل على إنهاء الطاقة النووية في ألمانيا والاتفاق على إغلاق محطات الطاقة في نهاية عام 2022، إضافةً إلى إنهاء الخدمة العسكرية الإجبارية، وتأكيدها أنّ “المسلمين والإسلام هما جزء من ألمانيا”.
تنسحب ميركل من المشهد السياسي، بعد أعوام طويلة حظيت فيها بشعبيّة كبيرة، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية التي لفتت إلى أنّ الناس ستتذكّرها بقرارها استقبال أكثر من مليون لاجئ في 2015-2016 عندما أغلقت الكثير من الدول الغربية أبوابها بوجههم.
من جانبه، قال الأستاذ في علم الاجتماع، ومؤلّف كتاب “أزمة ألمانيا المخفيّة: التدهور الاجتماعي في أوروبا”، أوليفر ناشتوي، في مقالٍ نشرته صحيفة “التايمز“، إنّ نتيجة الانتخابات شابتها الغرابة، إذ لم يحصل أيّ حزب على أكثر من 26% من الأصوات. ويتوقّع الكاتب أن تستغرق الحكومة الجديدة وقتاً لتشكيلها، يمتدّ من أسابيع إلى أشهر. وفي هذه الفترة الانتقاليّة، ستواصل ميركل عملها.
أمّا في مرحلة ما بعد ميركل، فإنّ ألمانيا تبقى في مرحلة متأرجحة أو “عالقة”، على حدّ تعبير الكاتب، في بلدٍ تواجهه تحدّيات كبرى، وكان يُعتقَد أنّ الانتخابات ستشكّل فرصة لرسم مسار أفضل. إنّ الاقتصاد الألماني موجّه نحو التجارة الدولية، وكانت برلين تركّز على الاستقرار النقدي والأمان الوظيفيّ.
بحسب الكاتب، فإنّ معدّل عدم المساواة في الثروة لافت، حيث يمتلك أغنى 1% حوالي ربع الثروة. وذكر أنّ واحداً من كل خمسة عمّال، أي نحو ثمانية ملايين شخص يكسبون أقلّ من 13 دولاراً في الساعة.
إذاً فقد دخلت ألمانيا في “مرحلة عدم يقين” بعد الانتخابات التشريعية، بحسب الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” إيشان ثارور، الذي أشار إلى أنّ المستشارة الألمانية رسّخت الاستقرار السياسي في بلادها لسنوات مضت، ولعبت دوراً في الأزمات السياسية والاقتصادية التي واجهتها أوروبا.
من جهته، أشار الكاتب سيرج شميمان في “نيويورك تايمز” إلى أنّ ميركل التي استحقّت لقب القيادة في أوروبا، لا تزال تُذكر وتحوم حولها أسئلة كثيرة، مثل تعاملها الصارم مع أزمة منطقة اليورو والدول المثقلة بالديون، وتمسّكها ببناء خط أنابيب غاز “نورد ستريم 2” الذي يربط روسيا بألمانيا، والتردّد في زيادة الإنفاق العسكري.
الكاتب توماس فولك علّق على حقبة ميركل، وما يُمكن توقّعه بالنسبة إلى السياسة الألمانية في منطقة الشرق الأوسط بعد ميركل، موضحاً أنّ برلين صدّرت الأسلحة إلى الشرق الأوسط في عهد السيدة الحديديّة، وعزّزت العلاقات مع إسرائيل، واستقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين. ولفت إلى أنّه يجب أن لا يُتوقَّع من برلين أن تغيّر مسارها بشكل كبير في الشرق الأوسط، في المرحلة التي ستعقب حكم ميركل، وأنّ هذه المنطقة لن تصبح محور اهتمام السياسة الألمانية حتى بعد ميركل.
هكذا ازدهرت مبيعات الأسلحة الألمانية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، لكنّ هذا الأمر “لم يكن مدفوعاً باستراتيجية كبرى أو قناعة في السياسة الخارجية، بل قادته المصالح الاقتصادية، ولا سيّما أنّ دول الشرق الأوسط في مقدّم الدول التي تطلب المعدّات العسكرية في العالم”، وفقاً لِما أوضحه توماس جايجر، وهو أستاذ السياسة الدوليّة والسياسة الخارجية في جامعة كولونيا.
وقال بيتر ويزمان، كبير الباحثين في معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إنّ ألمانيا تُعدّ من أكبر الدول المصدِّرة للأسلحة في العالم. ففي عام 2020، وافقت حكومة ميركل على تصدير أسلحة بقيمة 1.16 مليار يورو (1.36 مليار دولار) إلى دول منخرطة في الصراعات الدائرة في اليمن أو ليبيا.
وقد بلغت القيمة الإجمالية لتراخيص تصدير المعدّات العسكرية الألمانية إلى المملكة العربية السعودية 3.3 مليارات يورو (3.87 مليارات دولار) خلال السنوات التسع الماضية.
وكانت لإسرائيل حصّة من الأسلحة والغوّاصات والتكنولوجيا المستخدمة في الدبّابات الإسرائيلية والزوارق والمروحيّات خلال عهد المستشارة الألمانية. وحتى الآن، لا تزال ألمانيا ثاني أكبر مصدِّر للأسلحة إلى تل أبيب، إذ شكّلت الواردات العسكرية الألمانية إلى إسرائيل 24% بين عاميْ 2009 و2020.