الحدث

هل انطلقت عملية انقاذنا “كلنا يعني كلنا”؟

جو لحود-لبنان24

تعلمنا التجارب ان الأزمات لا تدوم وانه مهما اشتدت حدتها لا بد لها من ان تنتهي لتعلن عن بداية مرحلة الانفراجات.
منذ ما يقارب الـ 3 سنوات رفع اللبنانيون شعار “كلن يعني كلن”، فبدأ حراك تشرين الذي ، مهما حاول البعض تغييب مفاعيله ، فان حضوره يبدو واضحا، فالسلطة بشكل عام في لبنان، اصبحت تتحرك وتتموضع وفقا للمعالم المحقة التي رسمها هذا الحراك، اذ ان العناوين الاساسية التي تشغل بال المسؤولين حاليا تتمحور حول كرامة المواطن اللبناني، الذي عانى وما زال يعاني من أبشع انواع الذل.
وفي الاطار، يؤخذ على حراك تشرين انه لم يتجدد في الآونة الأخيرة، لا بل يعيش نوعا من الصمت على الرغم من التدهور الكبير الحاصل في ملفات الدواء والغذاء والبنزين والمازوت وحتى الهواء، كما يتساءل المعنيون كيف حركت بعض “سنتات” شعبا كاملا ولم يستطع دولار الـ20 الفا ان يهز له ساكنا.
هنا وبعيدا عن نظريات التخوين والعمالة، وبعيدا عن موجة ركوب أهل الأحزاب لموجات الانتفاضة، لا بد من كلمة حق تقال، فهذا الحراك الذي بدا حقيقيا وصلبا في جوهره، استطاع ان يرفع ورقة التين عن الاهتراء اللبناني وعن وهم الـ “1500” الذي درنا جميعا في فلكه لسنوات وسنوات، وعملية رفع الوهم ومعاينة الحقيقة لا يمكن ابدا الاستهانة بها، اذ يمكن اعتبارها نقطة مفصلية تم الانطلاق عبرها من مرحلة الى مرحلة جديدة.
وفي عملية الانطلاق هذه، لا بد من ان نعي ان الوصول لا يكون دفعة واحدة، فغالبا ما تصعد الادراج درجة درجة، وغالبا ما يأتي التغيير على دفعات، لذلك نستغرب كيف تعتبر بعض وجوه الثورة المثقفة والوطنية، ان مشاركة ناصر ياسين في حكومة “معا للانقاذ” كوزير للبيئة، نوعا من الخيانة او الخروج عن مفاهيم التغيير التي نادى بها حراك تشرين.
وفي السياق، تبدو الواقعية التي عمل بموجبها ياسين، جزءا اساسيا من الحل الذي قد ينتشل اللبناني من القعر الذي وضع فيه عنوة، فالبحث عن التغيير لا يكون فقط بالصراخ والقاء التهم وعرض المشاريع والافكار والخطط، انما لا بد له من ان يدخل صلب الحياة التنفيذية، فيصبح المنادي في التغيير شريكا في المسؤولية فيتمكن من ابتداع الحلول وايجاد الفرص.
اما عن الاشكالية التي تتمحور حول حجم الحضور وامكانية التغيير عبر وزير واحد من أصل 24 وزيرا ، وان سلمنا جدلا ان ياسين هو التغييري الوحيد في هذه الحكومة، لا بد من الاشارة ان الوزير وفقا للدستور اللبناني، هو وزير سياسي وشريك أكيد في صنع القرار، كما انه سيد نفسه ووزارته، وبالتالي وفي اضعف الايمان، فان لوزير البيئة سلطته الكاملة على وزارته بخططها وأهدافها وموظفيها، وهنا يبدو الاختبار سيد الموقف، اختبار يضع وزارة البيئة في الصف الامامي أمام لجنة تحكيم تتنافس فيها السلطة والثورة، فكيف سيبدو موقف وزارة البيئة، وهل سنشهدها تقوم باقصاء فاسد ومحاسبة سارق وايقاف مشروع مدمر؟ ام انها ستتبنى كغيرها شعار “ما خلوني”؟
وبعيدا عن تفصيل وزارة البيئة الجوهري، لا بد ايضا من النظر الى كمية “الاوكسيجين” التي دخلت مؤخرا الى الجسم اللبناني الذي كاد ان يموت ويدخل في سبات عميق بعد انفجار المرفأ واستقالة حكومة حسان دياب.
فمع تشكيل حكومة “معا للانقاذ” ظهرت مجموعة مؤشرات قد تكون صفارة للاعلان عن بداية وضع حد للارتطام الكبير وبداية خروج من المازق الحالي، وأبرز هذه المؤشرات تتمثل في انخفاض سعر الصرف وبداية تحريك المياه في مستنقعات الحكومات الجامدة، فضلا عن العمل على عودة المحادثات ومن ثم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وهي نقطة مفصلية ستحدد دون شك التوجهات العامة للمرحلة المقبلة المنتظر خلالها انقاذ البلاد والعباد.
كما انه لا يمكن غض النظر أبدا، عن الجدية التي رسمت حول ملف الانتخابات النيابية، فبعدما كان التشكيك يحوم حول امكانية وصول البلاد الى مرحلة الانتخابات النيابية ومع تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، باتت الانتخابات أمرا واقعا لا بد له من ان يمنح الفرصة للمواطن حتى يحدد خياراته واختياراته.
ومن معالم “الاوكسيجين” العائد الى الجسم اللبناني، تظهر زيارة الرئيس ميقاتي الى “الاليزيه” كنقطة انطلاق لعودة لبنان الى الخارطة الدبلوماسية العالمية، فبعد غياب رسمي طويل عن عواصم القرار، يرجح ان تكون العاصمة الفرنسية انطلاقة جيدة لعودة الحوار اللبناني مع مختلف الدول لاسيما العربية والشقيقة منها التي يعوّل عليها كما دائما في الوقوف الى جانب لبنان واللبنانيين.
ختاما، ستستمر الحياة وستظهر الحلول، وسيبقى البعض متمرساً وراء أفكاره ورؤيته والبعض الآخر وراء حزبه وسلطته دون الأخذ بعين الاعتبار اننا نعيش في بلد واحد وتحت سماء واحدة، ودون الأخذ بعين الاعتبار ان الوقت قد حان لمحاولة انقاذنا “كلنا يعني كلنا”، والانقاذ لا يعني فقط السير قدما الى الأمام، انما يشمل أيضا المحاسبة والمساءلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى