ثقة سياسيّة هشّة بحكومة “الصهاريج الإيرانيّة”
ملاك عقيل -أساس ميديا
ما بين هذين الحدّين، بدأت الحكومة يومها الأوّل بـ”مسخرة” حقيقية. كلمة “مَسْخَرة” هي أقلّ ما يمكن قوله عن جلسة الثقة في قصر الأونيسكو بعدما تأخّر انطلاقها بسبب انقطاع التيار الكهربائي، قبل أن يعلن النائب ابراهيم الموسوي تأمين الكهرباء من قبل “مسؤول حزب الله في بيروت”، لإضاءة قصر الأونيسكو وجلسة الثقة النيابية.
هو واقع لم يقُد ميقاتي إلى تعديل جملة في كلمته التي قال فيها بكلّ ثقة: “من رحم المعاناة انبثقت حكومتنا لتضيء شمعة في هذا الظلام الدامس”.
السؤال هو: هل كانت الرسالة “فيلماً” مقصوداً لغايات سياسية، خصوصاً بعد التزوّد بالمازوت بشكل طارئ من منشآت الزهراني مع مولّدين كهربائيّيْن “برعاية” الموسوي، أم كانت السلطة تتلهّى بعَدِّ أصوات النواب الذين سيمنحون الثقة لحكومة نجيب ميقاتي بدلاً من تعبئة خزّانات “القصر” بـ”مازوت الدولة”؟!
لكن كما كلّ شيء في هذا البلد المنكوب بالمنظومة العَفِنة والعاجزة، التي تقبض على أنفاسه، “قَطَعت” الفضيحة. وكأنّه أمر عاديّ.
وقد افتُتِحت جلسة الثقة بتلاوة رئيس الحكومة نصّ البيان الوزاري، ثمّ كانت كلمات نواب ممثِّلين للكتل الكبرى وآخرين مستقلّين.
وبعد إصرار الرئيس نبيه بري على طرح الثقة “حتّى لو بقينا لـ 12 ليلاً”، طلب عند الثامنة ليلاً من النواب الحضور إلى الجلسة، فحصدت حكومة ميقاتي، رابعة حكومات العهد، والقصيرة العمر مبدئيّاً، ثقة 85 نائباً مع إعطاء الكتل الأساسيّة، تيار المستقبل والتيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله وكتل وليد جنبلاط وطلال إرسلان والطاشناق وسليمان فرنجية وميقاتي واللقاء التشاوري، ثقتهم للحكومة. وقد حجب الثقة 15نائباً، من ضمنهم كتلة القوات اللبنانية.
ومنذ لحظة تحصُّن ميقاتي بالثقة المطلوبة مقارنة بحكومة الرئيس سعد الحريري الأولى في بداية العهد التي نالت 87 صوتاً، والثانية 110 أصوات، وحكومة الرئيس حسان دياب 63 صوتاً، طُرِحت التساؤلات عن تاريخ انتهاء صلاحية الثقة التي منحها تحديداً فريق العهد للحكومة. وهو الفريق الذي لا يزال يتّهم معظم القوى السياسية الأساسية الممثّلة في الحكومة بشنّ حرب إلغاء على العهد، ومن ضمنها ميقاتي نفسه من خلال دوره “السابق” في نادي رؤساء الحكومات السابقين.
مناوشات باسيلية
وبدا لافتاً عشيّة الجلسة هدوء جبهة بري-باسيل التي شهدت سخونةً في الأيام الماضية، ووصلت إلى حدّ مجاهرة باسيل علناً بأنّ عين التينة خطّطت لمنع ميشال عون من أن “يحكم”. لكنّها عادت وانفجرت بعد السجال بين نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي وباسيل على خلفيّة اتّهام رئيس التيار الوطني الحرّ نوّاباً ووزراء بأنّهم حوّلوا أموالهم إلى الخارج بعد 17 تشرين، وقد آزر برّي الفرزلي.
أمّا محيط ميقاتي فكان يروِّج أنّ الثقة العدديّة التي نالتها الحكومة في مجلس النواب هي “شكليّة”، ولا تأثير لهذا الرقم أمام “الأرقام” والقروض والهبات التي سيتعهّد بها أصدقاء لبنان من المانحين والدول التي رعت تسوية ولادة حكومة ميقاتي ومؤسّسات المجتمع الدولي، معتبراً أنّ هذا هو “الامتحان الحقيقي للحكومة، إضافة إلى المراهنة على عدم تفجّر الخلافات السياسية داخل الحكومة”.
فعليّاً، المسخرة الحقيقية، التي سبقت انعقاد الجلسة، هي تركيز نواب في التيار الوطني الحر على معادلة يصعب “هَضمها”: “نحن لم نسمِّ نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة، وجبران باسيل لم يُشارك في مفاوضات تأليف الحكومة ولا في طرح أسماء الوزراء، لكنّنا سنمنح الثقة بناء على برنامجها الوزاري الذي تضمّن 12 بنداً ممّا يطالب به تكتّل لبنان القوي”.
حدث ذلك، فيما كلّ الوزراء الذين صُنِّفوا ضمن حصّة فريق رئيس الجمهورية “مرّوا” باللقلوق وفحص باسيل أهليّتهم قبل تعيينهم. أمّا لبّ الكلام العوني فهو أنّ الثقة “تحت الاختبار”. فكيف الحال إذا كانت على أبواب الانتخابات النيابية ونهاية العهد؟
الأمر يتطلّب تجييشاً استثنائياً للقواعد الانتخابية.
تربيح جميلة
ثبّت جبران باسيل هذا الاستنتاج من خلال “تربيح” ميقاتي “جميلة” بإعطاء حكومته الثقة “من باب تبادل الإيجابيّة، ولأنّ التشكيلة أتت حسب الأصول الدستورية، ومع احترام ميقاتي للشراكة والتوازنات، ولأنّ الحكومة ضمّنت في بيانها مطالبنا”، مؤكّداً أنّ “الثقة مسار ومرتبطة بخمسة أمور، وإذا لم يكن المسار صالحاً يمكن سحبها لاحقاً، وسنكون عندها أشرس المعارضين”.
لكن عمليّاً، فإنّ الإصلاحات، التي ربط باسيل استمرار الثقة بتنفيذها، تحسم منذ الآن واقع أنّ نواب “التيار” سيبارزون القوات اللبنانية في دكّ الحكومة.
والوجه الآخر للثقة “السياسية” الهشّة، التي حظيت بها حكومة ميقاتي، تُرجِم من خلال أكثر من معطى، أهمّها تغيّب الرئيس سعد الحريري، “راعي” وصول ميقاتي إلى السراي، عن الجلسة بذريعة وجوده خارج لبنان. وقد سُجّل سنّيّاً أيضاً غياب النائبين تمّام سلام ونهاد المشنوق.
ولم تتضمّن كلمة النائبة بهيّة الحريري، نيابةً عن رئيس كتلة تيار المستقبل، ما هو نافر سياسياً، باستثناء التركيز على استحقاق الانتخابات النيابية مع سَرد أرقامٍ مخيفة عن حالة الانهيار المالي والاقتصادي، في وقت لم ينبَثق تيار المستقبل من “حزب الخضر”.
أمّا النائبة رولا الطبش فقالت الأمور بشكل أوضح: “نعطي الثقة بغضّ النظر عن تفاصيل البيان الوزاري، والسِيَر الذاتية للوزراء، واحتمالات التعطيل، إذ نعطيها لأنّ البلد ما عاد يحتمل”.
وتحدّث النائب هادي حبيش عن أزمة كيانية عميقة، مشيراً إلى “قمّة انعدام المسؤولية والانحلال العامّ بأن تصل بنا الأمور إلى تفضيل مصلحة الحزب على مصلحة الشعب”.
في واقع الأمر، غرق معظم النواب في الخطابات الشعبوية بدلاً من مناقشة خطة الحكومة، والإضاءة على نقاط ضعف بيان لا يرتقي إلى مستوى الأزمة الكيانية.
وحدّد نائب حزب الله حسن فضل الله سقف التعاطي الإيجابي مع الحكومة التي تمتلك، برأيه، “فرصة النجاح”، لكنّه طالب بـ”تنويع الخيارات غرباً وشرقاً، واستعادة العلاقات الرسمية مع سوريا، والتعاطي بنديّة مع صندوق النقد الدولي وعدم الخضوع للشروط”، مؤكّداً: “سندقّق في كلّ بنود الاتفاق مع الصندوق، ونحدّد موقفنا بناءً على ما نراه مصلحة لبنانية”.
وركّز فضل الله على “فشل النظام المصرفي، وسرقة المصارف ودائع اللبنانيين”، طالباً “إعادة أموالهم”. فيما أشار نصّ البيان الوزاري إلى إصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته “حيث يلزم”. وهي عبارة توفّر الحماية الكافية لأصحاب المصارف من أيّ مساءلة، فيما تحدّث البيان عن العمل على “تنشيط الدورة الاقتصادية” التي تشهد، وفق الأرقام الدولية، انكماشاً مريعاً بات يهدِّد اللبنانيين بالمجاعة.