«الغام» داخلية تواكب انطلاقة حكومة «معا للانقاذ» : الترسيم وتفجيرالمرفأ ميقاتي يتلقى تطمينات اميركية ــ فرنسية بعدم التعطيل «ويسترضي» طهران ! «كرة» الحدود البحرية لدى عون… وبري لن يساوم بعبدا بملف الحصانات
ابراهيم ناصرالدين-الديار
في مشهد ممل مفعم بالمزايدات والنفاق، نالت حكومة «معا للانقاذ» ثقة المجلس النيابي باكثرية 85صوتا من اصل مئة، وبعيدا عن الجانب الدستوري الملزم لنيل الحكومة الشرعية، فان الجلسة كانت «لزوم ما لا يلزم»، حيث حضر تجهيل الفاعل المسؤول عن الانهيار في ظل توجه واضح لاستخدام «العدة» نفسها في غياب اي توجهات جدية للمحاسبة،وبدا واضحا ان الجميع متواطىء لتجهيل الفاعلين، كونهم كلهم متورطون، او متخاذلون، وهكذا تكرر «فلكلور» دغدغة كل طرف سياسي لجماعته، طالما ان الرعاية الدولية للفساد، كررت تغطيتها لفترة سماح سياسي جديد ستكون باكروتها حكومة الاعداد للانتخابات النيابية.
ولهذا لولا غياب التيار الكهربائي عند بداية الجلسة كانعكاس لترهل الدولة باجهزتها، لما كان التفت الكثير من اللبنانيين لجلسة «كتب فيها ما كتب» قبل انعقادها، واذا كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي محظوظا في التشكيل مستفيدا من لحظة اقليمية ودولية مؤاتية، فان الخوف يبقى من تبخر الفرصة في ظل اجواء قاتمة تسود العلاقة الاميركية- الفرنسية بعد إلغاء صفقة غواصات فرنسية لاستراليا واستبدالها بغواصات نووية أميركية، فيما تبقى الحكومة معلقة على حبل مشدود مرتبط بتطورات الملف النووي الايراني الذي بدأت اسرائيل في رفع درجة غليانه مع الاميركيين.
تحديات داخلية وخارجية
وبعيدا عن التحديات الاقتصادية التي تبدأ مع رفع الدعم دون خطة جاهزة لتقديم البديل، يبقى التحديان الاصعب داخليا امام الحكومة ملف الترسيم البحري الذي اكد ميقاتي انه سيعمل جاهدا لاعادة البحث في الملف بطريقة علمية دون تخوين، والامر حمال اوجه في ظل خشية «الطبقة» السياسية الدخول في مواجهة مع واشنطن التي سبق وضغطت في هذا الملف، وسط حديث عن»طبخة» فاسدة ستضيع على لبنان حقوقه، فيما «الكرة الان» في ملعب رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يحتجز مرسوم تعديل الحدود في «جاروره».. اما الملف المتفجر الثاني، فيرتبط بملف تفجير المرفأ، وصراع الحصانات، المفتوح على كافة الاحتمالات.
ميقاتي على خط باريس- واشنطن
وفي هذا السياق، علمت «الديار» بان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تحرك خلال الساعات القليلة الماضية على خط واشنطن وباريس لاستطلاع الموقف ازاء انعكاس الازمة الفرنسية- الاميركية على الساحة اللبنانية بعدما انتج «التلزيم» الاميركي الموقت لفرنسا، ولادة حكومته العتيدة بالتنسيق مع طهران، وقد تلقى تطمينات دبلوماسية من الجانبين حيال تماسك التفاهم على الساحة اللبنانية وعدم وجود اي تاثيرات سلبية، حتى الان، على المسار المتفق عليه بين الجانبين، ولهذا قررالابقاء على جدول اعماله الذي يتضمن القيام بجولة خارجية لم تحدد خريطة طريقها بعد، للاستفادة من التسوية الدولية ـ الإقليمية، لصالح تحقيق انجازات اقتصادية.
…ويسترضي طهران!
وبما ان احدى ركائز التسوية القائمة موجودة في طهران، تحرك رئيس الحكومة ايضا على خط «استرضاء» ايران وطلب عبر «القناة» المعتادة للاتصال بالايرانيين تفهم موقفه الاخير من قوافل المازوت الايراني، وعدم البناء عليها سلبيا، لانه مضطر الى مخاطبة الاميركيين «باللغة» التي يفهمونها لتجنيب الدولة اللبنانية اي عقوبات، وهذا لا يعني وجود موقف «عدائي» اتجاه الخطوة الايرانية. وعلم في هذا السياق، ان الايرانيين لم يتوقفوا كثيرا عند مواقف رئيس الحكومة غير القابلة للصرف على ارض الواقع، وتفهموا كالعادة الظروف الصعبة للمسؤولين اللبنانيين، ويستمرون بترداد مقولة «ما يرضى به حزب الله في لبنان يرضينا».
باسيل «قلق» ايضا
واذا كان الرئيس ميقاتي قد تلقى التطمينات اللازمة لتقليعة حكومته دوليا واقليميا، فان القلق لم يتبدد لدى «رئيس تكتل لبنان القوي» جبران باسيل الذي ساهم بولادة الحكومة بعدما تلقى وعودا فرنسية مبدئية بالتدخل لدى الاميركيين لرفع العقوبات عنه، وحتى مساء امس لم تكن لدى السفيرة في بيروت آن غريو، او الخارجية الفرنسية اجابات واضحة حيال تاثيرات التوتر مع واشنطن حول هذا الملف، مع العلم ان باسيل كان يراهن على الدور الذي يمكن أن يلعبه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لدى نظيره الأميركي أنتوني بلينكن لما بينهما من علاقة وثيقة، لكن التوتر الحالي يضع هذا الملف في قعر الاولويات، خصوصا ان لودريان تحول الى «راس حربة» في انتقاد اللادارة الاميركية.
الثقة واولويات الحكومة؟
وبعد نهار طويل، تخللته مداخلات ومناكفات نيابية «لزوم ما لا يلزم»، وبعد تاخير لنحو ساعة بسبب انقطاع الكهرباء، والاستعانة بمازوت «الزهراني» واحضار مولدين «احتياط» من قبل حزب الله، لضمان استمرار الجلسة في حال تكررت الاعطال، نالت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ثقة مجلس النواب بتصويت 85 نائبا لصالحها واعتراض 15.
وقد اكد رئيس الحكومة في كلمته المسائية قبل نيل الثقة، البدء بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي والأمر ليس نزهة ونحن مضطرون للقيام بهذه الخطوة ووعد بان الاموال التي وصلت من صندوق النقد لن يصرف منها دولارا واحدا الا ضمن خطة واضحة وسوف تعرض على مجلس النواب كما، تمنى على المجلس النيابي انجاز قانون الكابيتال كونترول، واكد ملاحقة التدقيق الجنائي في كافة الادارات.
ووفقا لمصادر حكومية، فان ميقاتي سيعطي الأولوية لتنفيذ البرنامج الإنقاذي للحكومة، ولن يدخل في «معمعة» اصدار تعيينات جديدة لاستبدال بعض قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية او حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مشددة على انه لم يقدم اي وعود في هذا المجال لرئيس الجمهورية او للوزير باسيل اللذين يريدان اقصاء سلامة، وقائد الجيش جوزاف عون، لكن ميقاتي يصر على عدم مقاربة التعيينات حتى إشعار آخر، لأنه يدرك بان مجرد الدخول فيها سيشل الحكومة، ويؤدي الى فرطها، نتيجة موازين القوى التي تحكمها.
بري لا ينتظر عون
في غضون ذلك، تدخل تحقيقات المرفأ في «الكباش» السياسي المفتوح بين العهد ورئيس مجلس النواب نبيه بري من خلال ملف رفع «الحصانات» بعدما بات النواب الملاحقون، علي حسن خليل، وغازي زعيتر، ونهاد المشنوق، دون غطاء نيابي بعد انتهاء العقد العادي وهم يحتاجون الى فتح دورة استثنائية لن تمر الا بتوقيع رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لم يحسم امره بعد، وفق اوساط بعبدا التي اكدت انه سيتشاور بالامر مع رئيس الحكومة… ووفقا لمصادر نيابية، فان رئيس المجلس النيابي نبيه بري تحدث امام زواره عن عدم وجود فرق لديه إذا فتح الرئيس الدورة أو لم يفتحها، لان الرئيس لن يغير موقفه بالتعامل مع التحقيق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت، سواء وافق الرئيس على فتح دورة استثنائية او امتنع عن ذلك، وهو لن يدخل في اي مساومة مع احد في هذا الاطار، فما يطالب به المحقق العدلي القاضي طارق البيطار مخالف للدستور والقوانين، «ونقطة على السطر»..ولهذا فان بري باق على موقفه ولن يتراجع، وسيكون له الموقف المناسب وكل شيء في توقيته. لكن مصادر سياسية مطلعة، ترى ان عون لا يملك هامشا كبيرا للمناورة، لان استنكافه عن فتح دورة استثنائية سيشل البرلمان حتى 19 تشرين الاول، وهو امر سيعيق عمل الحكومة.
صفا في «العدلية»؟
وفي سياق متصل، حدد المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق البيطار تاريخ 4 تشرين الاول موعدا جديدا لجلسة رئيس الحكومة السابق حسان دياب. وأخلى سبيل امين مستودع العنبر رقم12 وجدي القرقفي لقاء كفالة مالية قدرها مئة مليون ليرة ورائد أحمد الذي كان يعمل في أعمال ورقة الباطون. وفي هذا السياق، تشير اوساط مطلعة الى ان الارتياب المشروع حيال الملاحقات التي يصر عليها القاضي البيطار، دفعت برئيس وحدة التنسيق والارتباط بحزب الله الحاج وفيق صفا لزيارة «العدلية» بالامس، حيث التقى عددا من القضاة وفي مقدمهم رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود، وكانت «الجلسة» ساخنة في ظل تاكيد صفا موقف حزب الله وارتيابه المشروع من البيطار الذي يقوم بتسييس التحقيق وتطييفه في سياق تصفية حسابات سياسية باتت واضحة للعيان.
شاحنة النيترات
وفي سياق متصل، انتقل ملف التحقيقات في شحنة النتيرات المكتشفة في بلدة بدنايل من فرع المعلومات الى مخابرات الجيش، ووفقا لمصادر مطلعة، تم حسم عدم وجود ترابط بين نيترات المرفا، ونيترات ايعات، وبعد اجراء الاختبارات العملية تبين ان النيترات جديدة وليست قديمة، وليست من «النيترات» التي قيل انها هربت من العنبر رقم 12… وكان فرع المعلومات قد استمع امس الى شاهدين اضافيين في الملف، كما استجوب مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالانابة، القاضي فادي عقيقي مارون الصقر، الذي برر حصول اتصالين مع صاحب البضاعة، فيما بدات التحقيقات بالامس مع امين المستودع حيث ضبطت البضاعة.
ملف الترسيم في «ملعب» عون !
في غضون ذلك، تتعامل مختلف الاطراف السياسية بحذر شديد مع ملف ترسيم الحدود البحرية بعد منح «اسرائيل» شركة هالبرتون حق التنقيب في «حقل كاريش» في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان، بعد اخفاق الجانب اللبناني في تثبيت حقوقه بفعل «المناكفات» السياسية «ولعبة» المصالح مع الولايات المتحدة الاميركية التي تواصل ضغوطها على المسؤولين اللبنانيين للتساهل في هذا الملف.. وفي هذا السياق، ترى مصادر سياسية معنية بالملف ان لبنان ارتكب «فولا» كبيرا من خلال توجيه وزارة الخارجية شكوى لمجلس الأمن الدولي طالبة منه في الرسالة التأكد من أن أعمال تقييم التنقيب لا تقع في الرقعة «الخلافية» لان الوثيقة اللبنانية الموجودة في المنظمة الدولية تعتبر الخط 23 حدودا لبنانية بحرية وليس الـ29، وهكذا سيتم منح اسرائيل «صك براءة» في ملف التنقيب!
ولفتت تلك الاوساط، الى ان «الكرة» الان في «ملعب» رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يحتجز مرسوم التعديل في «جاروره» منذ المفاوضات الاخيرة التي قدمت فيها قيادة الجيش خارطة تثبت الحقوق اللبنانية على الخط 29، والامر لا يحتاج سوى الى توقيعه وارسال التعديل الى الامم المتحدة، ودون ذلك ستضيع حقوق لبنان الغازية… وبعيدا عن الاضواء تجري اتصالات حثيثة مع بعبدا التي لم تعط بعد اجوبة واضحة حيال هذا الامر، فالرئاسة الاولى في موقف حرج وهي الان بين امرين اما التفريط بالحقوق اللبنانية، او اغضاب واشنطن وتوقيع المرسوم وتحمل التداعيات السياسية، بعد تقديم وعد «رئاسي» للاميركيين بان خط 29 قد طوي الى غير رجعة،ووفقا للمعلومات، فان الحسم لن يتاخر، وستكون الصورة واضحة في الايام المقبلة.
العتمة الشاملة!
في هذا الوقت، الصورة «كهربائيا» قاتمة، وخلال 24 ساعة البلاد مهددة بالعتمة الشاملة، في ظل توقعات بانخفاض الانتاج الى 600 ميغاوات ما يعني ان انفصال الشبكة بات سيتكرر كما حصل بالامس لان مؤسسة كهرباء لبنان تحتاج الى 800ميغاوات لتامين استمراريتها وهو امر غير متوفر لان الفيول العراقي غير كاف، والشحنة الثانية لن تصل قبل نهاية الشهرالحالي، وحتى مساء امس كان المصرف المركزي يصر على رفض اقرار سلفة خزينة للمؤسسة، كما لم يوافق على تحويل 150 مليار ليرة من حسابها الى دولار على السعر الرسمي لاستيراد الفيول، وهذا يعني ان العتمة ستكون حتمية.
رفع الدعم والدولار؟
ومع تعثر اطلاق البطاقة التمويلية في ظل الخلاف على التمويل «بالدولار او اللبناني»، ستكون باكورة انطلاقة الحكومة رفع الدعم عن المحروقات، وبعد رفعه عن المازوت، سينتهي الدعم عن البنزين نهاية الشهر الحالي ولم يتبق لدى المصرف المركزي سوى 100 مليون دولار للدعم على 12000 ليرة، وفي هذا السياق، ستحتاج الشركات بدءا من نهاية ايلول الى خمسة ملايين دولار يوميا للبنزين، و5 ملايين دولار للمازوت، وهذا سيزيد، براي مصادر اقتصادية مزيدا من الضغط على الليرة اللبنانية، وسيؤدي الى ارتفاع سعرالدولار… في المقابل يعول المصرف المركزي على انخفاض الاستيراد والتهريب بعد ارتفاع الاسعار مما سيخفض الطلب على الدولار الى نحو 3 ملايين دولار، وثمة تعميم اختياري سيصدر قريبا للحصول على الدولارات من التحويلات الخارجية عبر تخيير العملاء بقبض نصف ما يرسل من الخارج على سعر المنصة، وهذا سيسمح «للمركزي» بتامين الدولارات؟!
في هذا الوقت، أشار رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط جورج فياض، إلى أن «الكميات المدعومة من المازوت ستسلم فقط للقطاعات الحساسة كالمستشفيات والأفران، وهناك كميات ستوزع تدريجياً إلى السوق ولكن بالسعر غير المدعوم». وأوضح أنه «خلال يومين سيصبح البنزين متوفراً في الأسواق، ورفع الدعم نهائياً عنه سيكون خلال 10 إلى 15 يوماً».