11 أيلول… أو الحرب الصليبية على الإسلام
محمد السماك – أساس ميديا
كان العالمان العربي والإسلامي في حالة ذهول ممّا حدث. ولذلك لم يصدر أيّ ردّ على الحكم الذي أصدره الرئيس الأميركي بربط الإسلام بالإرهاب.. حتى بدأ الاتّهام يتردّد في الصحافة الأميركية والعالمية وكأنّه حقيقة ثابتة.
غير أنّ الردّ جاء من الفاتيكان، وعلى لسان البابا يوحنا بولس الثاني الذي أدلى بموقف قال فيه: “لا يوجد دين إرهابي، ولكن يوجد إرهابيون في كل دين”.
يومئذٍ صدم موقف رأس الكنيسة الكاثوليكية الرئيس الأميركي بطعنه في صدقيّة الحكم الذي أصدره بحقّ الإسلام. فالبابا يوحنا بولس الثاني سبق له أن تعاون مع الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان (وكان من أبرز قادة الحزب الجمهوري الذي ينتمي جورج بوش اليه أيضاً) في دعم حركة الاحتجاج العمّالية البولندية (البابا نفسه من أصول بولندية) ضد السلطة الشيوعية في بولندا. وقد تمكّنت تلك الحركة بدعم سياسي أميركي ودعم ديني (فاتيكاني) من إسقاط الحكومة الشيوعية في وارسو. وكان ذلك السقوط الخطوة الأولى في مسلسل سقوط الاتحاد السوفياتي السابق، ذلك أنّ الخطوة الثانية تمثّلت في الانسحاب السوفياتي من أفغانستان.
وكان واضحاً منذ وقوع جريمة 11 أيلول أنّ اتّهام الرئيس بوش للإسلام بالإرهاب كان مقدّمة لعمل ما. فكان غزو العراق بذريعة أنّه يملك أسلحة دمار شامل (كيمياوية وجرثومية).
حاول الرئيس بوش استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لتغطية اجتياح العراق، ليس فقط من خلال فبركة وتركيب صور وهميّة عن أسلحة الدمار الشامل، ولكن عن طريق التأكيد على اتّهام الإسلام بأنّه يقف وراء ثقافة الإرهاب التي تجسّدت في جريمة 11 أيلول، وفي إنتاج أسلحة الدمار الشامل في العراق.
وأطلق الرئيس جورج بوش حملته العسكرية على العراق تحت عنوان “حرب صليبية جديدة”. هنا أيضاً تدخّلَ البابا يوحنا بولس الثاني وردّ على تلك الحملة بقوله إنّ “هذه الحرب (الحرب الأميركية على العراق) ليست أخلاقية، وهي حرب غير مبرّرة ولا تمتّ إلى الدين بصِلة”.
حينئذٍ أطلق المحافظون الجدد، الذين هيمنوا على إدارة الرئيس بوش، على البابا (الذي رفعته الكنيسة الكاثوليكية إلى مستوى القداسة)، صفة “المسيح الدجّال”. ولاقى هذا الوصف الشائن صدى ترحيب لدى قساوسة الحركة الصهيونية – المسيحانيّة التي كان الرئيس بوش ينتمي إليها ولا يزال.
فمن أبرز القادة الدينيين لهذه الحركة القس فرانكلين غراهام الذي رأسَ الصلاة الخاصة لمناسبة أداء الرئيس جورج بوش القسم الرئاسي، وهو الذي كان يصف الإسلام بأنّه “دين شيطانيّ وشرير”.
هكذا أطلقت جريمة 11 أيلول 2001 وحش العداء للإسلام كدين. وكان الرئيس بوش يمتطي صهوة ذلك الوحش مردّداً اتّهامات قساوسة الحركة الصهيونية – المسيحانيّة وفلاسفة المحافظين الجدد. وعلى الرغم من الردود التسفيهيّة التي انطلقت من كلّ حدب وصوب، فإنّ أهمّها وأشدّها فاعلية تلك التي صدرت عن الفاتيكان وعن البابا يوحنا بولس الثاني نفسه.
وقد وقف مسيحيّو العراق (الأشوريون والكلدان والسريان) ضدّ الغزو الأميركي للعراق، ورفضوا قبول أيّ مساعدة منهم، مادية كانت أو معنوية. وحملت تلك المساعدات البعثات التبشيرية الإنجيلية الأميركية التي رافقت القوات العسكرية. وتقديراً من البابا يوحنا بولس الثاني لموقف الكنيسة العراقية الوطني والديني، فقد منح البطريرك رافائيل ساكو منصب كاردينال. وهو أوّل شخصية دينية عراقية تحمل هذا اللقب حتى اليوم.
كادت جريمة 11 أيلول (سبتمبر) أن تدمّر العلاقات الإسلامية – المسيحية انطلاقاً من الولايات المتحدة، وبمبادرة مدروسة من إدارة الرئيس جورج بوش. غير أنّ موقف الفاتيكان، بما يمثّله من مرجعيّة روحية أولى في العالم المسيحي، وتجاوب المسيحية العربية وتفهّمها، أجهضت تلك المحاولة، إلى أن وقعت الجرائم الإرهابية باسم الإسلام في سوريا والعراق بصورة خاصة، مقدِّمةً بذلك خدمةً لمشروع اتّهام الإسلام بالإرهاب الذي انطلق من جريمة 11 أيلول 2001.
في 11 آذار 2003، نشرت جريدة “نيويورك تايمز” مقابلة أجراها الكاتب جاكسون ليرو مع الرئيس جورج بوش. وقد نسب إليه في تلك المقابلة قوله إنّ “الله كان يريده أن يترشّح للرئاسة”، وإنّ “الله أوعز إلى الولايات المتحدة بأن تقود حملة صليبية تحريرية في الشرق الأوسط”. وإنّ هذا هو ما قام به.
جاءت جريمة 11 أيلول (كيف؟ ولماذا؟) بمنزلة رصاصة الانطلاق لتحقيق النبوءات المنسوبة إلى الذات الإلهية.
لكن ماذا كان الرئيس بوش سيفعل مع هذه النبوءات لو لم تقع جريمة 11 أيلول؟