انتصار على أنقاض لبنان للمشروع الإيرانيّ!
خيرالله خيرالله – أساس ميديا
هل تريد إيران حكومة في لبنان أم لا؟ هذا هو السؤال المطروح الذي يُغني عن أيّ أسئلة أخرى. في النهاية لم تأتِ إيران بميشال عون رئيساً للجمهوريّة، ولم تفرضه على اللبنانيين بعد تعطيل مجلس النواب سنتين ونصف سنة، لو لم يكن لديها مخطّط واضح في شأن مستقبل البلد، ورؤية لهذا المستقبل، من خلال سيطرتها الكاملة على موقع رئاسة الجمهوريّة.
ليس سرّاً أنّ نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء المكلّف، يأخذ كلّ وقته في لعبة التفاوض مع الثنائي ميشال عون – جبران باسيل. يشكّل مصير لبنان بمسيحيّيه ومسلميه آخر همّ لدى هذا الثنائي. لم يعتذر نجيب ميقاتي بعد بسبب نصائح فرنسيّة باعتماد الرويّة، واستمرار الاتصالات التي تُجريها باريس مع طهران على أعلى المستويات.
تكمن مشكلة فرنسا في أنّها لم تعُد تمتلك وزناً كبيراً في هذا العالم الذي تغيّرت قواعد اللعبة الدولية فيه كلّيّاً، خصوصاً في ظلّ إدارة أميركيّة ضعيفة وحائرة في الوقت ذاته. كان الانسحاب الأميركي من أفغانستان أفضل تعبير عن الضعف الذي تعانيه إدارة جو بايدن. يشجّع مثل هذا الضعف إيران على تفادي إجراء أيّ تغيير في سياستها اللبنانيّة القائمة على إفراغ البلد من أهله وتحويله إلى بلد مفلس وبائس على كلّ المستويات.
تتطلّع إيران أكثر من أيّ وقت إلى صفقة مع “الشيطان الأكبر” الأميركي و”الشيطان الأصغر” الإسرائيلي… وليس إلى علاقات أفضل مع فرنسا أو أوروبا عموماً. تعتبر “الجمهوريّة الإسلاميّة” مثل هذه العلاقات مع فرنسا وأوروبا تحصيلَ حاصلٍ في حال خضعت إدارة جو بايدن لشروطها من جهة، وفي حال تمّ التوصّل إلى ترتيبات أمنيّة معيّنة مع إسرائيل في ما يخصّ سوريا ولبنان من جهة أخرى. كلّ ما يدور في الجنوب السوري هذه الأيّام مريب، ومن بينه الدور الروسي الداعم للمشروع الإيراني والمساهم في تغيير الطبيعة الديموغرافيّة لتلك المنطقة الحسّاسة. يتمّ ذلك عبر تهجير أهل الجنوب السوري من السُنّة والدروز.
ليس لبنان في معزل عمّا يدور في المنطقة، حيث ليس ما يشير إلى أيّ تراجع إيراني على الرغم من كلّ المشاكل الداخليّة التي تعانيها “الجمهوريّة الإسلاميّة”، وأزمتها الاقتصاديّة الخانقة. ثمّة قراءة إيرانية للوضع الإقليمي مبنيّة على تصعيد المواجهة، إن في العراق أو في سوريا أو في لبنان… أو في اليمن. يؤكّد ذلك استمرار إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة انطلاقاً من اليمن في اتّجاه الأراضي السعوديّة.
في كلّ يوم يمرّ يتأكّد الجميع أنّ لبنان ذاهب إلى قعر جهنّم. ليس من مكان آخر يمكن أن يأخذه إليه “العهد القويّ” الذي ليس سوى عهد “حزب الله”. لبنان الذي عرفناه لم يعد موجوداً. مَن يريد التأكّد من ذلك، يستطيع العودة إلى زيارة سعد الحريري لطهران عندما كان رئيساً لمجلس الوزراء في عام 2010، حيث واجهته ثلاثة طلبات إيرانيّة رفضها في حينه. كان الطلب الأوّل في شأن إلغاء التأشيرات بين “الجمهوريّة الإسلاميّة” ولبنان. يتعلّق الثاني بتوقيع معاهدة للدفاع المشترك على غرار المعاهدة بين سوريا وإيران. أمّا الطلب الثالث فكان متعلّقاً بدخول “الجمهوريّة الإسلاميّة” النظام المصرفي اللبناني مع ما يعنيه ذلك من التفاف إيراني على أيّ عقوبات دوليّة تمنعها من استخدام النظام المصرفي العالمي الذي تتحكّم به أميركا.
بعد سنوات قليلة على الزيارة، حقّقت إيران ما تريده. أُلغِيت التأشيرة. لم تعد “الجمهوريّة الإسلاميّة” في حاجة إلى معاهدة مع لبنان في ضوء إلغاء الحدود الدوليّة بينه وبين سوريا. صار في استطاعة “حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، المشاركة بكلّ حرّيّة في الحرب على الشعب السوري، وفي عمليّات التهجير. أمّا بالنسبة إلى الطلب الثالث، فقد فضّلت إيران، عبر أدواتها اللبنانيّة، إلغاء النظام المصرفي اللبناني في غياب القدرة على استخدامه.
ماذا بقي من لبنان القديم؟ لا شيء يُذكر باستثناء الذكريات. بقيت أم كلثوم وإيلا فيتزجيرالد ولويس أرمسترونغ وعشرات آخرون من كبار فنّاني ومطربي العالم ولبنان الذين شاركوا في مهرجانات بعلبك. بقي ظهور ميكيس تيودوراكس، الموسيقي اليوناني العظيم، الذي تُوفّي قبل أيام قليلة، في كازينو لبنان في عام 1973. بقيت مبانٍ تابعة لجامعات عريقة مثل الجامعة الأميركية في بيروت أو الجامعة اليسوعية. وبقيت فنادق معروفة تذكّر بأمجاد لبنان وبيروت ودورها عندما كانت عاصمة العرب والمركز الإعلامي الأهمّ في الشرقين الأوسط والأدنى.
في كلّ يوم يمرّ يتبيّن لماذا أوصلت إيران ميشال عون إلى قصر بعبدا. أوصلته من أجل التأكّد من أنّه لن تقوم للبنان قيامة في يوم من الأيّام.
للمرّة الأولى في تاريخ لبنان، منذ إعلان دولة لبنان الكبير في عام 1920، يوجد رئيس للجمهوريّة على غير علم بما يدور في البلد، وما حلّ بناسه، والحال التي وصل إليها. يوجد رئيس للجمهوريّة يعتقد أنّ المشروع الإيراني سينتصر، وأنّ صهره جبران باسيل سيكون رئيس الجمهوريّة المقبل، لا لشيء إلّا لأنّه جزء لا يتجزّأ من هذا المشروع!