معركة الخبث والتفاهة وحرب التحدّيات المصيرية
رفيق خوري-نداء الوطن
معركة الحكومة والصلاحيات في تأليفها ليست “أم المعارك”، ولو بدت كذلك. والحكومة، وإن تشكلت، ليست أكثر من مسرح لصراعات أكبر منها. فكل طرف في المعركة يلعب الدور الذي يتصور أنه دوره الطبيعي الذي يخدم أهدافه. ولا أحد بين من يلعبون بخبث ومن يلعبون بسذاجة وتفاهة، يتوقف وسط الغبار ليرى أن لبنان الذي يتغنى به الجميع صار بسبب ما يفعلونه، وعلى الرغم منه، متسولاً على باب العالم. وقمة السخرية أن تدعي السلطة العاجزة المتواطئة أن أحداً لم يطلب الإذن لإستيراد النفط الإيراني، كأن”حزب الله”الذي يأتي بالصواريخ من إيران سيطلب من وزارة الطاقة السماح بإستجلاب بواخر النفط. لكن أخطر ما في معركة الحكومة هو فقدان أو تجاهل رؤية ما تخدمه المعركة في الحرب على لبنان عبر ثلاث جبهات وتحديات مصيرية.
الجبهة الأولى هي التحدي الديموغرافي الذي يتجاوز الحسابات التقليدية حول التبدل الديموغرافي في أوضاع الطوائف. فالبلد يفرغ نوعياً من الكفايات التي علّمها ورباها، حيث هجرة الأدمغة والنخب العلمية والطبية والقانونية والإقتصادية صارت مداً شاملاً. هاجس كل شاب هو أن يجد بلداً لدراساته الجامعية وعملاً في أي بلد. وهاجس كل أسرة هو تأمين مستقبل أبنائها في بلد آخر. وبالمقابل تتزايد كمياً أعداد اللاجئين الى لبنان والذين يتكاثرون، ولا أمل لهم في العودة الى بلدانهم، ولا هم خارج القدرة على الدخول في النسيج الإجتماعي. وتروي آن-ماري سلوتر رئيسة “أميركا الجديدة” قول”العظيم جورج شولتز”لها: “يجب دائماً التركيز على الديموغرافيا لفهم العالم والقوى التي تشكل المستقبل”.
الجبهة الثانية هي التحدي الوطني والسياسي. فما تدار به معركة الحكومة قاد الى موجة من العصبيات الطائفية من دون مبرر. صراع بين السنّة وقسم من المسيحيين تحت عناوين الصلاحيات والمقامات وحقوق الطوائف، مع ترك دور الحكَم لقسم من الشيعة. والكل يعرف أن لا شيء اسمه حقوق المسيحيين أو المسلمين في غياب حقوق المواطنين. فالسنّة يريدون الحفاظ على الطائف. والمسيحيون يخسرون في أي خروج من الطائف وعليه، برغم أوهام البعض. والشيعة هم الطائفة الوحيدة التي تربح من تغيير الطائف، ولدى “حزب الله” فيها مشروع إقليمي تقوده إيران.
والجبهة الثالثة هي بالطبع الإنهيار المالي والإقتصادي وسطو المافيا السياسية والمالية والميليشيوية على المال العام والمال الخاص. فالبطالة وصلت الى 40%. ومن لديه وظيفة لا يكفيه راتبه لأيام قليلة. لا دواء، لا غذاء، لا بنزين، لا كهرباء، لا مازوت ولا حتى ماء. والخيار هو إما “جهنم” وإما العصر الحجري. ونحن فيهما معاً.
ومن الوهم مواجهة هذه الأخطار بالتشاطر والتغابي والتصرف كأن السياسة هي مجرد “لعب كشاتبين”. يقول الرئيس العراقي برهم صالح: “الفساد هو الإقتصاد السياسي للعنف”. وما يحدث في لبنان من عنف فردي وسط الفساد الرهيب، هو، مع الأسف، مقدمات لعنف منظم أكبر.