رؤية «اسرائيلية» لزوال لبنان
نبيه البرجي-الديار
ما هي رؤية، بل ما هو رهان «اسرائيل» للمشهد الأخير في لبنان ؟
مقاربة السؤال تستند الى معلومات ديبلوماسية، واعلامية، فرنسية ومصرية شبه متطابقة . فوضى أبوكاليبتية لا تلبث أن تتحول الى فوضى دموية بين الطوائف، أو حتى داخل الطوائف، حول الحدود الجغرافية لمربعات الأمر الواقع .
بحسب المعلومات، «الاسرائيليون» الذين على تواصل مع أكثر من جهة اقليمية، أو دولية حول الوضع اللبناني، يتوقعون التحلل الكلي للدولة في غضون عام أو عامين، تزامناً مع تفكك المؤسسات الدستورية، والعسكرية، والأمنية . هذا ما يستدعي «استنفاراً اسرائيلياً»، استنفاراً عسكرياً، لأن الفوضى اياها يمكن أن تهدد الخط الأزرق بشكل أو بآخر .
النموذج الذي تشكلت صورته الأولى، في زوايا قصر فرساي، عام 1919، بين البطريرك الماروني الياس الحويك ورئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو لم يكن أكثر من نموذج عبثي . اذ تعرض لضربات متلاحقة منذ الاستقلال وحتى اليوم، فان ظروف الضربة القاضية قد تشكلت، لتقترب ساعة الانفجار.
هكذا يرون لبنان، ان بعيني «الموساد»، أو بعيني خبراء السوسيولوجيا السياسية الذين يعتبرون أن التعددية خدعة كاريكاتورية انتجت حرباً أهلية، لتنتهي بوثيقة انما تمهد لحرب أهلية أخرى لا بد أن تكون أشد هولاً .
لبنان الذي أقيم من أجل المسيحيين (الموارنة تحديداً ) لم يعد فيه للمسيحيين حضور سياسي مؤثر بعدما أثبتوا عجزهم عن ادارة دولة شهدت تبدلات دراماتيكية على المستوى الديموغرافي . هذا لا يعود فقط الى التشكيل النرجسي، وحتى البدائي، للقيادات وانما الى التفاعلات التاريخية، والايديولوجية، والقبلية، في المنطقة، وحيث التشكيل المذهبي، وليس فقط التشكيل الديني، للدول، ودون أي مراعاة لمقتضيات الدخول في لعبة القرن.
كما الحكومات الأخرى، «الحكومة الاسرائيلية» ترى في الطبقة السياسية تركيبة هجينة، بعيدة كلياً ان عن مفهوم الدولة،أو عن مفهوم المجتمع، ما يعني المضي، بخطى ثابتة، نحو الخراب .
هنا التداخل العضوي بين منطق المافيا ومنطق القبيلة . هكذا في الدستور، وفي قانون الانتخاب، وفي الأعراف . دولة لا تدار بتسويات ما بعد منتصف الليل، وانما بصفقات ما بعد منتصف الليل . حتى الوجوه تحولت الى أقنعة .
«الاسرائيليون» يسخرون من الطرح الفرنسي تشكيل حكومة اختصاصيين للانقاذ، ولكن بين براثن كرادلة الفساد اياهم. هؤلاء الذين لا يسيطرون فقط على البرلمان وانما على الشوراع، وعلى مفترقات الطرق. هذا ما ينطبق على الرهان الغبي الآخر : أن تأتي صناديق الاقتراع بمنظومة بديلة، الا اذا قيض لهذا البلد أن تهبط على أرضه كائنات من المريخ بأجنحة الملائكة !
يلاحظون أن البابا فرنسيس، الذي على خطى البابا يوحنا بولس الثاني، يرى في لبنان الرسالة (أكثر من وطن)، وهو الذي يفترض بعلاقاته، وبتأثيره المعنوي، أن يكون حامي المسيحيين اللبنانيين، باعتبارهم البقية الباقية في الشرق، بل ووجه هذا الشرق، لم يعد يمتلك سوى أن يتوجه الى الله بالصلوات، ولكن متى كان الله اله المافيات أو اله القبائل ؟
فوضى في المخيمات الفلسطينية التي لا بد أن ينتقل الآلاف من سكانها، وبالملابس المرقطة، الى المدن المتاخمة، وفوضى في المخيمات السورية التي طالما سعت التنظيمات الاسلامية الراديكالية الى اختراقها وتشكيل خلايا ارهابية فيها .
ما ينتظر لبنان غرنيكا طائفية، وغرنيكا سياسية . بالتالي غرنيكا دموية، حيث الكل شظايا . حتى الكانتونات التي يرى فيها البعض الحل السحري لأزمة الدولة، ولأزمة النظام، لا يمكن أن تقوم الا فوق الأنقاض .
ما المستحيل في «التوقعات الاسرائيلية»، على بشاعتها، مادامت الطبقة السياسية الغارقة في الوحول، وفي اللامبالاة تمارس، حتى اللحظة، البهلوانيات على أنواعها كما لو أننا أمام احدى مسرحيات الفانتازيا لا أمام أبواب جهنم …
تسأل «الفيغارو» الفرنسية ما اذا كنا قد شاهدنا حتى في «ديزني لاند» بطة هرمة بساقين خشبيتين !!