تحقيقات - ملفات

فوزُ بايدن وأوهامُ الممانعة

“ليبانون ديبايت” – بولس عيسى

“مَرْتا، مَرْتا، تَهْتَمِّينَ بِأُمُورٍ كَثِيرَة… وٱلمَطْلُوبُ وَاحِد” الإصلاحات ثم الإصلاحات ثم الإصلاحات… وبطبيعة الحال مرتا في أيامنا هذه هي الطغمة الحاكمة أو الثلاثي الحاكم بقيادة “حزب الله” الذي يتابع بتلهّف وعن كثب نتائج الانتخابات الأميركيّة مراهناً على تبدل السياسة الأميركيّة الخارجيّة في ما خص الشرق الأوسط مع تبدل الإدارة ومجيء رئيس جديد.

هذه الطغمة الحاكمة التي تهوى المغامرات القاتلة تغامر بنا اليوم برهانها هذا ونحن في قعر الهاوية غالبيتنا تتضوّر جوعاً وعوزاً وعجزاً والباقون يجهدون بما أوتوا من قوّة لتأمين لقمة العيش. الشعب ينوء تحت أثقال أزمة مستفحلة والحكام امام التلفاز متسمّرون لمعرفة نتيجة سباق الرئاسة الأميركيّة بعد “التعليمة” التي وصلتهم. وما بين جريدة السبق والرهان لا مكان للمصلحة الوطنيّة وإنما مصلحة المحور فحسب .

وفي هذا الإطار، أكّدت مصادر دبلوماسيّة رفيعة المستوى أن “كل رهان فريق “حزب الله” في لبنان على خسارة إدارة دونالد ترامب وفوز إدارة جو بايدن واهٍ لأن الحال هي أن لا ربح او خسارة سوى على صعيد الشخص، واذا تبدل بعض وجوه الإدارة فإن ذلك لا يؤثر في استمراريّة التوجهات على الصعيد الاستراتيجي وفي السياسة العامة، مشيرةً إلى ان “من يعتقد أن المسار الذي انطلق في منطقة الشرق الأوسط سيتبدل مع تبدل الإدارة الأميركيّة جاهل تماماً لواقع الأمور في الولايات المتحدة حيث أن هذه المسألة ترتقي إلى مصاف القضايا الاستراتيجية وترتبط بسياسات الدولة التي من المستحيل أن تتبدل مع تبدل الإدارات”.

ولفتت المصادر إلى أن “ما حققته إدارة ترامب فرض إيقاعه على السياسة الخارجيّة الأميركيّة من منطلق أساسي وهو إنهاء الملف النزاعي في منطقة الشرق الأوسط كي تتفرغ واشنطن لمواجهتها مع بكين”، موضحةً أنها “المرّة الأولى، ومنذ عقود، تنجح الولايات المتحدّة الأميركيّة في إحداث خرق حقيقي وفعلي مهم في النزاع العربي – الإسرائيلي عبر دخول أكثر من دولة عربيّة على خط السلام في خطوات بقدر ما أكّدت أن الولايات المتحدة عازمة على إنهاء هذا الملف فإن لها حتماً دلالات أهم بكثير وهي أن هناك رغبة لدى الدول العربيّة بالمضي في هذا المسار وإنجاز السلام”.

وتابعت المصادر: “اللافت في المسألة هو أن مقولة “سلام الأنظمة لا الشعوب” قد سقطت سقوطاً مدوياً حيث لم تسجّل أي تظاهرة في أي عاصمة عربيّة مندّدة بخطوات التطبيع، وبالتالي ما تحقق على هذا المستوى يرتقي إلى البعد الاستراتيجي ويخدم بشكل كبير السياسات الأميركيّة في المنطقة والتي بطبيعة الحال وضعت في اولويتها إسرائيل وهذا الأمر لن يتبدّل طبعاً”.

ورأت المصادر أن “مسار السلام هذا مرتبط بشكل وثيق وعضوي بالعقوبات على إيران وحصار طهران، أي أن هناك تلازماً بين المسار السلمي والحصار لأنه لولا الثاني لما ذهبت الدول العربيّة باتجاه التطبيع وبالتالي في ظل هذا التلازم ليس هناك أي إمكان لاستمرار مسار السلام من دون استمرار مسار تطويق إيران من أجل دفعها إلى طاولة المفاوضات”.

وشددت المصادر أنه “لا يمكن لواشنطن أن ترتاح من ملف الشرق الأوسط وتعقيداته إذا لم تستمر بما عزّزته إدارة ترامب إن في احكام الخناق على إيران أو دفع الدول العربيّة باتجاه التطبيع دولة تلوى الأخرى”.

ودعت المصادر “المراهنين على التبدلات الأميركيّة والتحولات الخارجيّة إلى الكف عن رهاناتهم ليس لمجرّد أن لا وجهة لها سوى الاصطدام بالحائط المسدود بسبب ما شرحناه آنفاً وإنما الأهم لأن سياسات هؤلاء ورهاناتهم الخاطئة قد أوصلت لبنان إلى الحضيض والكارثة غير المسبوقة في تاريخه والتي يعانيها الشعب اللبناني اليوم، لذا فإن الوقت قد حان لإعطاء الوقت والأولوية للبنان بعيداً من سياسات المحاور التي تبقيه ساحة مستباحة ويدفع المواطن اللبناني ثمن هذه المغامرات من جيبه الخاص”. واعتبرت أن مشروع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الداعي لحياد لبنان “هو الأقرب إلى الواقعيّة السياسيّة ويمثّل مشروعاً كاملاً متكاملاً من أجل حل الأزمة اللبنانيّة”.

وجزمت المصادر أن “العقوبات لن تتوقف والحصار على إيران سيتواصل والتطبيع العربي الإسرائيلي مستمر والسنة المقبلة 2021 ستشهد تتويجاً لكل هذا المسار، فيما يبقى السؤال الوحيد المبهم بالنسبة لنا مرتبط بمصير لبنان في هذا المشهد المتحوّل ومستقبل اللبنانيين في ظل وجود هذا الفريق (حزب الله) الذي قادهم إلى الإنهيار”.

وختمت المصادر: “الأسئلة الواقعيّة اليوم هي ليست عما إذا كانت السياسة الأميركيّة ستتبدّل أم لا باعتبار أن هذه مسألة محسومة وإنما عما يحضّر للبنان وهل هناك من يسعى لمقايضة سلاح الحزب بتعديل للدستور والنظام؟ وماذا في هذه الحال عن القوّى المتمسّكة بالدستور واتفاق الطائف وكيف ستتعامل مع أي محاولة لفرض المثالثة وإدخال تعديلات جوهريّة على الدستور؟ وهل هذه المسألة ستمرّ بسلام أم أن لبنان سينتقل في الـ2021 من الأزمة الماليّة إلى الأزمة الكيانيّة؟”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى