المهرّبون والمحتكرون لا دين لهم
نور نعمة- الديار
المحتكرون والمهرّبون، سواء للادوية او المحروقات، لا دين لهم ولا طائفة لهم، بل هم غرباء عن الوطن، لان من يحرم ابناء بلده من الادوية والبنزين والمازوت في خضم ازمة اقتصادية اجتماعية معيشية لم يسبق للبنانيين ان عاشوها في تاريخ لبنان الحديث، فهؤلاء مجرمون يجب مقاضاتهم وسجنهم.
ما من شك ان هؤلاء المحتكرين والمهرّبين والسمسارة ما كانوا ليتجرأوا للقيام باعمالهم غير القانونية لولا حصولهم على غطاء سياسي من قبل مسؤولين رفيعي المستوى في الدولة، انما ذلك لا يعني اعفاء الرؤوس الكبيرة التي تقف وراءهم، لان الحقيقة المجردة هي ان هؤلاء السياسيين مع تجارهم ومرتزقتهم هم الخونة والجرمون الفعليون في حق لبنان وشعبه، وهم من يجب معاقبتهم عبر صناديق الاقتراع، طالما ان الانتقام منهم ليس في متناول اليد. هذه الحفنة من السياسيين هي التي هدمت لبنان على رأس شعبه بسياساتها الفاسدة الاجرامية، والتي تقف وراء الانهيار الكبير الحاصل اليوم.
نعم ان هذه الشبكة المافيوية والميليشياوية التي وضعت قبضتها على كل مرافق الدولة لسنين طويلة منذ انتهاء الحرب اللبنانية حتى هذه اللحظة، هي المسؤولة عن اهتراء المؤسسات وعن انحدار مستوى كل قطاعات الدولة وعن افقار الشعب اللبناني. والحال ان الانهيار الذي نشهده اليوم هو سلسلة من التراكمات للسرقة وللصفقات المشبوهة وللمشاريع الوهمية التي انهكت خزينة الدولة واعدمت احلام المواطن اللبناني بحاضره ومستقبله. ما كشف اليوم، يظهر ان الميليشيات والمافيات متغلغلة بالدولة، ولم يكن هناك يوما مشروع بناء دولة من قبل معظم القوى السياسية، وها هي نتائج هذا النهج القذر والمتعمّد يتفشى في جسم الوطن ويُحدث مأساة ما بعدها مأساة بالشعب اللبناني المظلوم.
والحال ان الانهيار لا يحصل بين ليلة وضحاها، ولا تظهر نتائجه عبر سياسة مالية واقتصادية سيئة لمدة ثلاث او اربع سنوات، بل لقرابة خمسة عشر سنة او عشرين سنة. ما نقوله مفاده ان تقاسم المغانم والحصص المالية والتعامل مع مؤسسات الدولة على انها ملك خاص بدأ منذ سنين طويلة، ونتيجة ذلك بدأت قطاعات الدولة تتهاوى وتخرج عن النظام العام لتحل مكانها الفوضى والفساد.
وقصارى القول ان الناس محقة بصب غضبها على المحتكرين والمهرّبين للمحروقات والادوية بسبب اعمالهم القذرة، انما الفاعل والمجرم الحقيقي هو تلك القوى السياسية التي سرقت وافسدت المؤسسات وعطلت كل الهيئات الرقابية لتتمكن من القيام بما قامت به.
هؤلاء المحتكرون والمهرّبون هم ذيول طبقة سياسية تعتمد الفساد نهجا لها، وهي في الواقع لا تعرف نهجا آخر، ولا تشبع من سرقة المال العام. من هنا، المحاسبة الفعلية تكون بالتخلي عن السياسيين والاحزاب التي اوصلت لبنان الى حالة الافلاس ودفعت به نحو الهاوية وحوّلته من بلد الحضارة الى بلد معدوم على كل الاصعدة. هؤلاء يستحقون الاعدام ، ولكن لسخرية القدر، لا يمكن محاسبتهم عبر القضاء بما انهم نافذون، بل عبر الانتخابات النيابية وعبر الاختيار الصالح للمرشحين الذين سيمثلون الشعب في البرلمان، كي يبدأ فعلا مسار التغيير عبر التطهير التدريجي للسارقين والمجرمين بحق الوطن، والاتيان بنواب تكون مهتهم الاولى والاخيرة تأمين مصلحة اللبنانيين.