قمة بغداد: ملء الفراغ الاميركي
حسن فحص|المدن
في قراءة غير متفائلة او غير ترويجية لقمة دول الجوار العراقي التي استضافتها بغداد يوم السبت 28 آب اغسطس، يمكن القول انها قمة “ملء الفراغ” الذي من المتوقع ان يشهده العراق مع مطلع العام المقبل، بعد دخول القرار الامريكي بسحب القوات ذات الطابع القتالي من هذا البلد وتحويل وجودها الى الجهد التدريبي والاستشاري.
فبعد الانسحاب الامريكي “غير المدروس” من افغانستان، واستشعار القوى الدولية والاقليمية امكانية ان تلجأ الادارة الامريكية لاجراء مماثل في منطقة الشرق الاوسط وتحديدا في العراق ولاحقا سوريا.. وامكانية ان تعيد ايران لعب الدور نفسه الذي لعبته بعد سقوط النظام العراقي عام 2003 عندما استطاعت ابعاد كل الاطراف والاستفراد بالساحة العراقية والنجاح في سياسة ملء الفراغ في هذا البلد، الامر الذي سمح لها بالتحكم في تفاصيل الوضع في العراق الجديد تحت أعين الادارة الامريكية وقواتها التي وصل عديدها لاكثر من 150 الف جندي، واضطرت للانسحاب عام 2011 تاركة العراق وفي اطار تفاهم غير مكتوب مع طهران على ادارة العراق وترسيم قواعد الاشتباك بينهما. لذلك فان هذه القمة قد تشكل تعبيرا عن قلق الدول المشاركة فيها من ان تعود الامور بعد تاريخ 31 كانون الاول/ديسمبر 2021 الى الدائرة الاولى وان تعاود طهران الاستفراد بالساحة العراقية في اطار صفقة مع واشنطن على هامش مفاوضات اعادة احياء الاتفاق النووي، وتكون ترجمة لما تم التفاهم عليه مع وصول الرئيس جو بايدن الى البيت الابيض على تحييد الساحة العراقية عن التصعيد بينهما بعد ان كسر الرئيس السابق دونالد ترمب قواعد الاشتباك نتيجة عملية الاغتيال التي اصدر اوامرها مباشرة وادت الى اغتيال قائد قوة القدس الجنرال قاسم سليماني ومعه قائد الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس بالقرب من مطار بغداد مطلع عام 2020، والتي توقف عندها وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان في كلمته امام القمة مذكرا بضرورة الانسحاب الامريكي وحرص ايران على بناء علاقة عميقة مع العراق على جميع المستويات.
يمكن القول ان الهدف الذي سعى له رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من هذه القمة، والذي يشكل بيت القصيد فيها، لم يتحقق، بامكانية عقد قمة “سعودية – ايرانية” تتحدد طبيعتها بناء على مستوى وفدي البلدين. ولا يوجد اي مؤشر او تسريبة ولو ضعيفة على حصول لقاء خلف الكواليس بين الطرفين. لا بل شهدت القمة مستوى من المواقف عبر عنها وزيرا خارجية السعودية وايران، تكشف عن ان المسافة لخطوة تطبيع العلاقات وفتح حوار سياسي ودبلوماسي مازالت ضبابية، اذ لم يتردد وزير الخارجية السعودي الامير فرحان بن صالح باتهام ايران بالتدخل في شؤون الدول العربية من دون ان يسميها، في حين رد نظيره الايراني عبداللهيان بانتقاد صريح للقمة بسبب غياب المشاركة السورية، فضلا عن التذكير بالدور والتضحيات الايرانية ووقوفها الى جانب العراق في حربه ضد داعش والاعتراف بالنظام الجديد من البداية في وقت تخلى الاشقاء عنه.
وحتى لا يقال ارباكا، فان عدم قدرة الفريق العراقي بقيادة الرئيس الكاظمي ووزير خارجيته فؤاد حسين على تذليل العقبات وتمهيد الطريق امام عقد قمة سعودية – ايرانية الى جانب قمة دول الجوار، الهدف الاول للكاظمي الذي راهن على تحقيق هذا الانجاز وما يمكن ان يلعبه في تكريسه دوره ودور العراق كوسيط قادر على بناء قنوات بين المختلفين وتوظيف ذلك في اطار تعزيز دور وحضور العراق على الساحتين الدولية والاقيمية، بالاضافة الى التأثيرات التي سيتركها مثل هذا الانجاز على موقف الحكومة امام الرأي العام العراقي المنتقد لاداء الحكومة، وان يلجم اندفاعة القوى السياسية التي تعمل على تحويل استحقاق الانتخابات البرلمانية المبكرة في العاشر من تشرين اول المقبل الى مدخل لترميم سلطتها ونفوذها واخراج الكاظمي والفريق المؤيد له من المعادلة السياسية.
وقد ظهر هذا الارباك جليا في كلام الوزير حسين في مؤتمره الصحافي الذي تلى فيه البيان الختامي، ومحاولة تقسيم المسار التفاوضي القائم بين الطرفين (الايراني والسعودي) الذي انطلق في بغداد في مطلع العام الحالي الى مستويين، الاول بالتأكيد على دور العراق في تسهيل اللقاء الاول واستضافة الجولات الجوارية، والثاني، عدم وضوحه في تأكيد استمرارية هذه الاستضافة، بالحديث عن استمرار هذه الحوارات من دون ان يحدد مكانها وتاريخها.
على صعيد اخر، لا بد من تسجيل انجاز للكاظمي وفريقه، على قدرته في توظيف علاقاته مع القيادات الاقليمية والدولية لانجاح هذا المؤتمر ومحاولة اعادة وضع العراق في دائرة التأثير سواء في اتجاهات المنطقة السياسية والاستراتيجية ، او في اجتراح دور وسيط بين قوى متنافسة ومتصارعة في ما بينها لم توفر الساحة العراقية من تداعيات هذه الصراعات. وبالتالي محاولة فتح مساحة بين هذه الاقطاب ومراكز القرار لتحييد العراق واخراجه من كونه ساحة متأثرة بهذه الخلافات والاختلافات.
ما يسجل لقمة بغداد، انها فتحت الطريق امام مرحلة جديدة من التعاون والتفاهم بين دول المنطقة، في مؤشر على وجود توجه جديد بين هذه الدول لطي صفحة الخلافات والانتقال الى مرحلة تعاون يساعد على وضع اسس مشتركة تلحظ مصالح هذه الدول ومصلحة المنطقة لادارة ما قد تشهده من تطورات نتيجة المؤشرات التي بدأت تتبلور حول استراتيجية ادارة بايدن وتقليص انغماسها في الشرق الاوسط من جهة، وما يمكن ان يحمله اي اتفاق امريكي ايراني بعنوانه النووي من جهة اخرى.