حقوق السحب الخاصّة من صندوق النقد إلى لبنان: 860 مليون دولار بيد سلامة المشتبه فيه بالاختلاس
نحو 860 مليون دولار ستصل إلى لبنان في أيلول المقبل، في إطار توزيع حقوق السحب الخاصة التي يوزعها صندوق النقد الدولي. حاكم مصرف لبنان بدأ بإغداق الوعود لتوزيعها كما يحلو له، وكأنها ستصل الى جيبه الخاص لا الى حساب الدولة اللبنانية. يحدث ذلك من دون أن تقوم الحكومة باستدعاء سلامة لفرض خطة عمل عليه، منعاً لتنفيذه خطة هدر مالي جديدة. مبلغ بهذا القدر من الضخامة سيوضع بيد مشتبه فيه بالاختلاس وتبييض الأموال والتزوير
في موازاة ذلك، وخلافاً لما يُشاع، مبلغ الـ 860 مليون دولار لا يخضع لأي قيد أو شرط من قبل صندوق النقد. وتشير متحدثة باسم الصندوق لـ«الأخبار» إلى أن «حقوق السحب الخاصة غير مشروطة، ومع ذلك، من المهم أن تساعد هذه الوحدات في تجديد احتياطيات البنك المركزي المستنفدة وأن تكون طريقة استخدامها بطريقة شفافة ومسؤولة، كدعم الاقتصاد الكلي والإصلاحات والمساهمة في تلبية الحاجات الملحّة للشعب اللبناني». بمعنى آخر، لا سلطة فعلية للصندوق على وجهة استخدام هذه الوحدات، بل دوره تسهيلي لحصول البلد المعني عليها وضمان استبدالها إذا ما دعت الحاجة بعملة نقدية.
من جانبه، بدأ سلامة إغداق الوعود لتوزيع هذه الملايين وكأنها ستصل الى جيبه الشخصي وليست ملكاً للدولة. من هذا المنطلق، وخلال اجتماع سابق له بوزير الصحة حمد حسن، وعده بـ 200 مليون دولار لدعم الدواء، في حين تشير المعلومات إلى أنه لم يناقش آلية الاستخدام بعد لا مع المجلس المركزي لمصرف لبنان ولا مع الحكومة أو رئيس الجمهورية. ولم يستدعِه رئيسا الجمهورية والحكومة أيضاً لمناقشة طريقة صرف هذه الأموال ووجهتها. وجرى المرور عرضاً على موضوع الحقوق لدى زيارة ممثل لبنان والمجموعة العربية في مجلس إدارة صندوق النقد، محمد محيي الدين، للقصر الجمهوري حيث كانت الفكرة الرئيسية هي وجوب التفاهم مع الحكومة حول آلية الصرف والاستخدام.
هذه ليست المرة الأولى التي يحصل فيها لبنان على وحدات سحب خاصة، بل وافق المجلس التنفيذي في الصندوق على إعطاء لبنان نحو 76.7 مليون دولار في عام 2007 و37.6 مليوناً في عام 2009 من دون أن تُعرف طريقة صرفها. لكنها المرة الأولى التي يصل فيها هذا المبلغ الضخم، دفعة واحدة، في زمن الانهيار، ما يستوجب من الجهة التي تجتمع بالنيابة عن الحكومة وتضمّ الى جانب عون، رئيس الحكومة ووزير المالية وحاكم مصرف لبنان، الاجتماع لمناقشة هذه المسألة ووضع خطة مفصّلة ومعلنة حول توزيع هذا المبلغ المرتقب على الضرورات الملحّة. والأولوية ينبغي أن تكون، بحسب خبراء اقتصاديين، للاستثمار في مشاريع تساهم في تخفيف حدة الانهيار، كما في تخفيف الإنفاق المعتمد على الاستيراد. ويشير بعض الخبراء هنا إلى إمكان استخدام هذا المبلغ لبناء معمل لإنتاج الكهرباء ولتمويل خطة نقل عام، بما يساهم في خفض الاعتماد على شراء البنزين والمازوت للتنقل ولإنتاج الكهرباء في المولدات الخاصة. يبقى الأهم وجوب سحب القرار من يدَي سلامة الذي سبق له أن أهدر المليارات من دون حسيب أو رقيب. فهذه الأموال، على ما تقول مصادر نيابية، هي «إيراد للدولة» وليس لشخص سلامة وهي أموال شبيهة بالأموال المخصّصة لموازنة الدولة والمودعة في مصرف لبنان، بحيث لا سلطة مباشرة لسلامة على طريقة استخدامها. وفي الأصل، عند إبلاغ الصندوق للبنان بحصول على حقوق سحب خاصة جرى التواصل مع وزير المالية باعتباره يمثل السلطة اللبنانية وليس حاكم مصرف لبنان الذي يُمثّل الوسيط لا أكثر. لذلك، «ينبغي عدم تحريك أي دولار منها سوى بقرار على مستوى الحكومة اللبنانية أو موافقة استثنائية من رئيسَي الجمهورية والحكومة. حتى إنه لا يملك قرار إعطاء المبلغ بالدولار أو باللبناني، بل يفترض به اعتماد الدولار حصراً أو كما تقرر الحكومة». فمثلاً، قرض الـ 170 مليون دولار للطرقات الذي وصل الى مجلس الإنماء والإعمار يستخدمه المجلس بالدولار للدفع للمتعهّدين من دون أن يكون لسلامة أي رأي في الموضوع. وطبقاً للمادة 72 من قانون النقد والتسليف، تقتصر مهمة البنك المركزي على تأمين علاقات الحكومة بالمؤسسات المالية الدولية بحيث تستشير الحكومة المصرف في القضايا المتعلقة بالنقد وتدعو حاكم المصرف للاشتراك في مذاكراتها حول هذه القضايا. في هذا السياق، ولضمان عدم صرف أي دولار بطريقة استنسابية أو إعطاء أي طرف الحق له حصراً بتقرير مصير الوحدات الخاصة، اقترح النائب حسن فضل الله خلال جلسة إقرار قانون البطاقة التمويلية، أن يُصار إلى وضع نص قانوني لصرفها وفق الأصول إذا كان الأمر يتطلّب ذلك، فجاءه الجواب يومها بأن الأموال تصل إلى حساب الحكومة وهي التي تقرّر وجهة صرفها بمعنى أنها تصبح جزءاً من موازنتها ولا تحتاج الى أي قانون. فيما بادر رئيس مجلس النواب إلى القول بصرامة: «هذه أموالنا وتعود لنا»، في معرض تأكيده على أحقيّة الدولة بالتصرف بها.
رغم كل ما سبق، يبقى رياض سلامة أقوى من الحكومة والدولة. لا يتعلق الأمر هنا بموظف يلتزم تعليمات مرؤوسيه، بل بحاكم مصرف مركزي يتصرّف منذ سنين كحاكم فعلي للبنان، يصرف المال لدعم شركائه، ويتعمّد اتخاذ قرارات تغذّي الانهيار وتعزز إفقار الناس عبر قطع المحروقات عنهم والدواء وحتى الأوكسيجين. واليوم، ثمة فرصة إضافية لهذا الحاكم بإحكام قبضته على رقاب المواطنين عبر «توليفة» ما بالتعاون مع شركائه السياسيين لاستخدام الـ 860 مليون دولار كما يحلو له وبالمستوى نفسه الذي تعامل فيه مع أموال الدعم. كل ذلك، ورياض سلامة، مطلوب الى العدالة بدعاوى هدر واختلاس وتزوير وإساءة استخدام أمانة في لبنان والخارج، وثمّة مذكرة بحث وتحرّ بحقّه صادرة قبل يومين عن القاضية غادة عون.