نحن أولاد النكبتين من بيروت إلى عكار
باسكال صوما – صحافية لبنانية
نحن إذاً أولاد النكبتين، أولاد اللاعدالة في الحالتين. واللاعدالة لا تعني عدم محاسبة المرتكبين وحسب، بل تكمن بداية في وقوع التفجير/ الجرم بذاته.
في 4 آب/ أغسطس 2020 أصبحنا أبناء نكبة مرفأ بيروت، اليوم في 15 آب 2021، أصبحنا أولاد النكبتين، إذ أضيفت إلى بؤسنا مجزرة بلدة التليل في عكار، مع تفجير خزان وقود وسقوط عشرات الضحايا.
نحن إذاً أولاد النكبتين، أولاد اللاعدالة في الحالتين. واللاعدالة لا تعني عدم محاسبة المرتكبين وحسب، بل تكمن بداية في وقوع التفجير/ الجرم بذاته، فما حصل في التفجيرين فعل لا عدالة واضح لجهة الإهمال والتواطؤ على أرواح المواطنين، قبل أن تمتد اللاعدالة إلى التحقيقات وإغراقها في المهاترات السياسية والمتاهات المصلحية.
لقد انفجر البنزين الذي لم يحصل عليه أبناء عكار منذ أشهر، في وجوههم. انفجر الوقود المخزّن وقتل وجرح العشرات. التخزين مرّة أخرى يقتل اللبنانيين، إنها دولة الأنفاق والسموم المخزنة بين البيوت والمدارس والمحلات، من السلاح إلى نيترات الأمونيوم وصولاً إلى البنزين.
أولاد عكار ردوا النيران بالنيران، إنهم يعرفون تماماً أن لا أحد سيأخذ حقهم، وستموت حكايتهم كما سقط رفاقهم. انقضوا على منزل صاحب الأرض (الفيلا) المعروف بجورج رشيد (اسمه الحقيقي جورج ابراهيم)، وأحرقوه. رشقوه بالحجارة، بالسباب، بالدموع، رموا غضبهم وبؤسهم عليه، على نوافذه، على جدرانه، وعلى الآليات المركونة أمامه، ولم يسمحوا للدفاع المدني بالدخول لإطفائه.
الرئيس ميشال عون عبّر عن حزنه على الضحايا، ثم في تغريدة أخرى اتهم جماعات متشددة بالجريمة! وهو اتهام يحيلنا إلى تهمة الإرهاب الأبدية التي يوصم بها أبناء عكار وطرابلس. فهل كان الرئيس يتّهم العكاريين بتفجير أنفسهم والانتحار؟ لا يا فخامة الرئيس، أهل عكار لم ينتحروا، هناك من قتلهم وهناك من تواطأ مع القاتل على ذبحهم وإحراقهم وهناك دولة غطّت معابر التهريب والاحتكار وباركتها، وهذه الدولة لسوء الحظ أنت رئيسها.
لقد انفجر البنزين الذي لم يحصل عليه أبناء عكار منذ أشهر، في وجوههم.
وعلى دماء الضحايا، اندلعت حرب بيانات باشرها “تيار المستقبل” و”التيار الوطني الحر”، تخللها طلب الرحمة للضحايا حيناً، وتبادل تهم بين الفريقين حول التفجير، في أحيان أخرى. فأهل عكار الفقراء والمتروكون والمنسيون اتّهموا قاتلهم مباشرة، رووا منذ الصباح ما حلّ بهم، بسبب مسلسل تهريب البنزين والمازوت إلى سوريا أولاً، وبسبب تخزين المحروقات لاحتكارها من جيوب أبناء المنطقة المساكين، ثانياً، أعطوا اسم مفجّرهم قبل أن يتوجهوا إلى بيته لإحراقه.
عندما دوى الانفجار طارت أشلاء الجثث في المكان المموه كموقع لمواد البناء، ليتبيّن أنه صار مستودعاً لتخزين البنزين والمازوت بشكل غير قانوني. هناك من اتهم جورج رشيد بالتواطؤ مع نائب التيار العوني أسعد درغام، الذي سارع إلى إنكار الأمر. واتهم آخرون نائب “تيار المستقبل” وليد البعريني بأنه مسؤول عن كل عمليات التهريب في خط الشمال، لكنّ الرجل أنكر الأمر أيضاً، وقال للمذيعة: “حبيبتي أنا ما خصني”.
مديرية المخابرات أوقفت قيد التحقيق المدعو (ر.أ) ابن صاحب قطعة الأرض التي انفجر فيها خزان الوقود في بلدة التليل- عكار، والذي قال أبناء عكار أنه أطلق النار على خزان الوقود ما أدى إلى انفجاره. العبرة الآن في أن يواجه ابراهيم تحقيقاً حقيقياً، وألا يقتصر ذلك عليه، بل أن يحاسب مغطو التهريب ومسهلوه من قيادات ونواب ورؤساء، وأن تكون مذبحة عكار بداية للمحاسبة، علماً أن المتهمين في هذه الجريمة أصبحوا واضحين بالأسماء والعناوين والمناصب.
في المقابل، تعج المستشفيات بالجرحى، علماً أن كثراً منهم معرضون للموت بسبب الافتقار إلى العلاجات الضرورية، فالمستشفيات لا تملك شيئاً. وزير الصحة حمد حسن طالب بضرورة إجلاء الجرحى إلى خارج لبنان… هو دوماً مصيرنا أن نشحذ حقوقنا وأن نستجدي الإنسانية من الآخرين، للتغطية على الفشل المحلي في المجالات كافة، من الصحة، إلى الأمن، وصولاً إلى الاقتصاد وسبل الحياة.
الكثير من الوجع في يوم واحد. كنا ما زلنا نعيش على وقع الذكرى الأولى لانفجار بيروت، فأعادتنا عكار الجريحة إلى المربّع الأول. “التحقيقات بوشرت بإشراف القضاء المختص لمعرفة ملابسات الانفجار”، قال الجيش في بيانه. هي جملة تذكّرنا بـ4 آب 2020 حين وعدنا رجل الداخلية محمد فهمي بكشف الحقيقة خلال 5 أيام، وحتى الآن لم نفهم أي شيء.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع